أوقفت الأجهزة الأمنية في مصر خلال الشهرين الماضيين شابات شهيرات على تطبيقات التواصل الاجتماعي، وأحالتهن إلى النيابة العامة بتهم أخلاقية، في خطوة تثير جدلا.
في نيسان/أبريل، بثّت حنين حسام، طالبة كلية الآثار بجامعة القاهرة والمعروفة في مصر لمنشوراتها على تطبيق التواصل الاجتماعي الصيني “تيك توك”، مقطع فيديو تدعو فيه الفتيات المصريات إلى العمل معها.
وظهرت حسام التي لم تبلغ العشرين من العمر والتي يتابع حسابها 1,3 مليون شخص، في الشريط وهي ترتدي قميصا رماديا وحجابا أحمر، وخاطبت الفتيات قائلة “أنا أعرف أن لديكن مشاكل مادية. أنا أسست وكالة (…) وأريد في الغروب (المجموعة) بنات فقط. لا أريد أي ولد”.
وأضافت “ستتعرفين على الناس وتكوّنين صداقات بشكل محترم وجميل (…)، أهم شيء عندي السمعة (..)، ولكل شيء ثمنه وحسب المشاهدات، من 36 دولارا حتى 2000 و3000 دولار”.
عقب انتشار الفيديو، طالب بعض الإعلاميين في مصر بالتحقيق به، وناشدوا العائلات مراقبة بناتها خشية تورطهن في أعمال “الدعارة”.
وأوقفت الشرطة المصرية حسام في وقت لاحق. وفي 23 نيسان/أبريل، وجهت النيابة العامة لها اتهاما “بارتكاب جريمة الاتجار بالبشر بتعاملها مع أشخاص طبيعيين هنَّ فتيات استخدمتهنَّ في أعمال منافية لمبادئ وقيم المجتمع المصري، للحصول… على منافع مادية”. وقد أخلي سبيلها الاثنين بكفالة مالية على ذمة القضية.
في أيار/مايو، تم توقيف مودة الأدهم، وهي فتاة عشرينية من مشاهير “تيك توك”، ويتابع حسابها على موقع “انستغرام” قرابة مليوني شخص. ووُجهت لها تهمة “الاعتداء على مبادئ وقيم أسرية في المجتمع المصري”.
في نهاية أيار/مايو، أوقفت الشرطة منة عبد العزيز، وهي فتاة قاصر (17 عاما) معروفة على تطبيق “تيك توك” أيضا، بعدما ظهرت في مقطع فيديو وعلى وجهها آثار اعتداء، وقالت إنها تعرضت للاغتصاب والتعدي عليها بالضرب من صديق قام بتصوير ما حدث ونشره.
وأمرت النيابة العامة بحبسها احتياطيا بتهمة “التحريض على الفسق”، قبل أن تصدر قرارا الثلاثاء باستبدال حبسها “بعدم مبارحتها مركزا مخصصا لـ+استضافة وحماية المرأة المُعنَّفة+، وإدخالها برامج تأهيليَّة لإصلاحها”. كما أوقف ستة أشخاص آخرين بتهمة الاغتصاب.
وترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة حلوان في جنوب القاهرة إنشاد عز الدين أن “العادات والتقاليد والقيم أقوى من القانون” في مصر.
وتضيف لوكالة فرانس برس “لا بدّ من وقفة للمجتمع، ولا بدّ من إعادة النظر في التشريعات المرتبطة بحداثة السن، لأن هذا الجيل الصغير يعلم كل شيء”.
ويقول المحامي الحقوقي المصري طارق العوضي “هناك ثورة تكنولوجيا وعلى المشرّع أن يلتفت للمستحدثات. هناك أفعال ينطبق عليها التجريم وأخرى تدخل في نطاق الحرية الشخصية”.
ويصل عدد مستخدمي الإنترنت في مصر حيث عدد السكان مئة مليون نسمة، إلى 42 مليونا، حسب أحدث إحصاءات وكالة “وي آر سوشال” الإنكليزية المتخصصة في هذا المجال.
ويرى العوضي أن “اتهامات الدعارة والتحريض على الفسق لها تعريفات قانونية محددة ولا تنطبق على حالات هؤلاء البنات.. وأقصى ما يمكن أن يقال هو الفعل الفاضح”.
وبدا من تعليقات المصريين على بيانات النيابة العامة والتي نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، أن الاشادة بقرارات الحبس والاتهامات أكثر من التعاطف.
وقال أحدهم “ممتاز جدا. أتمنى أن تقوم النيابة العامة بدورها الأصيل في إعادة الأخلاق والانضباط للشارع المصري والمجتمع (..) وذلك بالأخذ بيد من حديد على من يشيعون الهمجية والابتذال”.
وكتب أمين فتوى في دار الإفتاء مختار الأزهري على حسابه على “فيسبوك” أن ما تؤسس له النيابة العامة “من مبادئ في ما يتعلق بحماية جانب الأخلاق والهوية المصرية أمر لا بدّ من الإشادة به”.
وتحدثت النيابة العامة نهاية الشهر الفائت عن “مواقعة (عبد العزيز) كرها عنها وهتك عرضها”.
على الرغم من ذلك، أشارت إلى أن عبد العزيز “ارتكبت جرائم – أقرّت ببعضها – تستأهل عقابها”، معتبرة أن “حداثة عمرها” و”ظروفا اجتماعية قاسية” أوقعتها “في فخاخ ارتكاب تلك الجرائم”.
وناشدت “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، وهي منظمة حقوقية غير حكومية، النائب العام المصري حمادة الصاوي، “الإفراج الفوري عن منة عبد العزيز وإسقاط كل التهم الموجهة إليها والتعامل معها (…) كضحية وناجية من الاغتصاب”.
وتدرج الباحثة في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في واشنطن جوي شيا التوقيفات في إطار حملة القمع التي تقوم بها السلطات المصرية ضد الناشطين المعارضين.
وتقول “هذه محاولة أخرى لزيادة مراقبة المنصات الرقمية”.
وتضيف “القانون المصري فرض قيودًا طويلة على حرية التعبير، بدءا من مواد قانون العقوبات التي تجرّم نشر الأخبار الكاذبة إلى سلسلة القوانين والقرارات الحديثة التي تقيد التعبير عبر الإنترنت”.
وصادق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 2018 على قانون يهدف إلى “تنظيم الصحافة والإعلام” ويسمح للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المشكّل بقرار رئاسي، بمراقبة بعض حسابات مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي.
وكتبت الناشطة النسوية المصرية غدير أحمد على صفحتها على فيسبوك “استخدمت الشابات الإنترنت في خلق فرص بديلة غير متاحة لديهنّ في العادي بسبب الطبقة. ارتدين ملابس غالبًا لا يرتدينها بشكل يومي. رقصن واتسعت بهن بؤرة الظهور للطبقات أقل من المتوسطة”.
وأضافت “الرفض الذي يواجهنه رفض طبقي مبني على السلوكيات المتوقعة من نساء الطبقات المفقرة”.
ويقول العوضي “هناك مشكلة في التركيبة الثقافية للمجتمع المصري، لأن من يرفضون هؤلاء البنات، هم أنفسهم من يشاهدون ما ينشرنه من فيديوهات وصور”.