بقلم: راسم عبيدات
مما لا شك فيه بأن ما يسمى بقانون “قيصر” الأمريكي للعقوبات الإقتصادية الشاملة التي تعزل سوريا كلياً عن دورة الإقتصاد العالمي، والذي دخل حيز تنفيذه في 17 حزيران الحالي، هو وصفه لقتل الشعب السوري بالموت البطيء عبر الحصار والتجويع. ونحن على مر التاريخ عرفنا وخبرنا جيداً السلوك والسياسات الأمريكية الظالمة بحق الشعوب والدول التي تتخذ مواقفاً أو تتبع سياسات ضد ومتمردة على الإرادة الأمريكية.. ولذلك هي تعرضت لعقوبات أمريكية قاسية، وفي ظل هيمنة وتفرد أمريكا بالقرار العالمي، لم يكن يجرؤ أحد بالخروج على القرارات والعقوبات الأمريكية، وحتى وإن كانت خارج إطار الشرعية الدولية.
ولذلك وجدنا تلك العقوبات طالت كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية وايران وسوريا والعراق وليبيا ولبنان واليمن وقطاع غزة بالعقوبات الإقتصادية والمالية والحصار والتجويع،ناهيك عن تدخل امريكا في شؤون الكثير من الدول والشعوب، وقلب وتغيير انظمة الحكم فيها،لكونها تتمرد على الإرادة الأمريكية وتتعارض مع سياساتها ومصالحها واهدافها،وحجج وذرائع التدخل والتغيير لتلك الأنظمة الخادعة والمضللة، هي حماية الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والتخلص من الأنظمة الديكتاتورية والإستبدادية الشمولية، أو الإدعاء بإمتلاك تلك الأنظمة لما يسمى بأسلحة الدمار الشامل، علماً بان أمريكا توفر الحماية والأمن وتنسج وتدعم علاقاتها، مع اكثر الدول شمولية وديكتاتورية واستبداداً وانتهاكاً لقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.
أمريكا والعديد من الدول عربية واقليمية ودولية شنت حرباً عدوانية ظالمة على سوريا قبل تسع سنوات،إستهدفت تدمير سوريا كدولة تشكل قلب محور المقاومة العربية،ترفض الهيمنة والسيطرة والأمريكية،وتمنع تمدد المشروع الأمريكي في كامل المنطقة العربية،وبالتالي منع أن ترفرف الأعلام الإسرائيلية فوق المباني في كل عواصم النظام الرسمي العربي المنهار والمتعفن، ولذلك كان لا من معاقبتها عسكرياً، بشن الحرب العدوانية الكونية عليها بدعم من 80 دولة، على ان توكل مهمة التنفيذ للمجاميع الإرهابية من ما سموه بحركات جهادية إسلامية متعددة الأسماء، ولكنها في النهاية تعود لنفس المنتج وإن حملت ماركات متعددة.
لكن سوريا بفضل تماسك قيادتها والتفاف شعبها وجيشها حولها، وبدعم ومساندة من حلفائها العالميين روسيا والصين والإقليميين ايران والمحليين حزب الله وكل شرفاء واحرار الأمة والعالم،أستطاعت ان تهزم هذا المشروع المعادي وتستعيد أكثر من 80% من جغرافيتها، ولتقف على أبواب انتصار عسكري كامل وناجز، ينقصه تحرير إدلب من الجماعات والمجاميع الإرهابية والعصملي الطامع في الأرض السورية والعربية،وكذلك تحرير شرق الفرات من القوات الأمريكية الغازية التي تحتل وتسيطر على حقول النفط السورية وتنهبها.
يأتي فرض قانون” قيصر” للعقوبات الإقتصادية الأمريكية على سوريا وكل من يتعاملون معها في مرحلة تاريخية فارقة،فهو يأتي في ذروة الهجوم والعدوان الإسرائيلي- الأمريكي على الشعب الفلسطيني لتصفية القضية الفلسطينية بكل ركائزها وأبعادها عبر الضم والتهويد،ضمن ما يعرف بصفقة القرن الأمريكية،حيث اعترف ترامب بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال، ومنح اسرائيل الحق في ضم الضفة الغربية والأغوار، وسوريا ومحور المقاومة العربية والإسلامية،يرفضون صفقة القرن ومشاريع الضم والتهويد،ومع الفشل الأمريكي في المواجهة العسكرية والميدان…ولمنع الأسد من الإستفادة من مفاعيل انتصاراته العسكرية،كان لا بد من فرض عقوبات اقتصادية جهنمية على سوريا ،وهي بالقدر الذي تطال به سوريا واقتصادها وشعبها،تطال لبنان بنفس الدرجة أو أكثر،لكون لبنان منفذه البري الوحيد هو سوريا،فالقانون يطال سوريا وكل من يتعامل معها من حكومات وشركات ورجال اعمال وأفراد.
القانون يستهدف تحقيق مجموعة من الأهداف قصيرة المدى وبعيدة المدي،في المدى الإستراتيجي تحقيق ما عجزت أمريكا عن تحقيقه في الحرب،الرهان على حصول تغيير مستقبلي في سوريا، وفي المدى القصير تغيير واسقاط النظام وتطويع سوريا كدولة،وتخليها عن هويتها وكرامتها وثوابتها،ومنع الدول من الإنفتاح على سوريا والمشاركة في إعادة الإعمار او قيام روسيا وحلفائها بتأهيل النظام السوري بعيداً عن حل سياسي او تسوية تقبل بها أمريكا، ونحن نقول بان العقوبات الأمريكية على سوريا ليست بالجديدة،وتمكنت سوريا من تجاوز تأثيراتها وتداعياتها،وبدون التهويل او التسخيف،فمثل هذا القانون سيكون له تاثيرات على الإقتصاد السوري،فمناطق سوريا الغنية بالثروات نفطية وزراعية وغيرها ما زالت خاضعة للإحتلال من قبل العصملي والأمريكي ،ولذلك الدولة السورية ستتحمل أعباء اقتصادية كبيرة في هذا الجانب بتوفير السلع والخدمات للشعب السوري بأسعار معقولة.
أمريكا ليست في أوج عصرها الذهبي، ولا في المكانة التي تتيح لها ان تخضع سوريا وحلفائها،فهي تعاني من أزمات وانفجارات داخلية،على خلفية فشل ترامب في التصدي لإنتشار جائحة “كورونا” وما تركته من تداعيات وأثار على الإقتصاد الأمريكي من ركود وبطالة وتضخم وافلاس ألآلاف الشركات،وهذا ترافق مع انخفاض اسعار النفط والإنتفاضة الشعبية على خلفية التفرقة العنصرية بالتعامل مع المواطنين الأمريكيين من أصول افريقية والمهاجرين من دول اخرى، تلك الهبة الشعبية اثر مقتل المواطن الأمريكي ذي البشرة السوداء جورج فلويد خنقا على يد شرطي أمريكي ابيض، والتي كشفت زيف وهشاشة وعنصرية النظام الأمريكي.
اما على الصعيد الخارجي فالمشروع الأمريكي عسكرياً يواجه الهزائم في ايران وافغانستان والعراق وسوريا ولبنان واليمن وفنزويلا …وما عجزت أمريكيا عن تحقيقه عسكرياً لن تستطيع تحقيقه عبر العقوبات الإقتصادية .. فأولاً امريكا ما تحقق لها في العراق عام 1990 وليبيا عام 1985 ، غير قابل للتحقيق الآن،فحلفاء سوريا ايرانيين وروس وصينيين سيتدخلون من اجل التخفيف من آثار العقوبات الإقتصادية عليها،ولن يلتزموا بهذه العقوبات،فها هي السفن الإيرانية تحرسها البوارج الحربية تدخل قناة السويس محملة بالبضائع والمواد الغذائية والأدوية الى سوريا، وكذلك هي السفن الروسية، والرئيس الروسي بوتين قال بشكل واضح انه لا يؤيد استخدام الإقتصاد للضغط من أجل تحقيق أهداف سياسية، وحلفاء سوريا قال بانهم لن يتخلوا عن سوريا عسكرياً وسياسياً ولن يتخلوا عنها اقتصادياً.وسماحة السيد حسن نصر الله امين عام حزب الله قال في إطلالته قبل اسبوع لن نسمح لكم بقتلنا بل سنقتلكم.
وهذا يعني بأن محور المقاومة لن ينتظر الموت بالجوع ولن يقبل بمعادلات الخبز مقابل المال ولا معادلات التركيع مقابل المال ورفع العقوبات،فالمطلوب من سوريا ان تقبل بالشروط والإملاءات الأمرو صهيو عربية،الإعتراف بضم الجولان لإسرائيل والتوقف عن دعم حركات المقاومة العربية والفلسطينية، وفك علاقتها مع ايران، ومطلوب من لبنان الخضوع لأمريكا ولشروط اسرائيل في ترسيم حدوده البحرية والبرية، ومن بعد ذلك سحب سلاح المقاومة على اعتبار أنه سبب أزمة لبنان الإقتصادية والمالية، وكذلك مطلوب من الفلسطينيين القبول بصفقة القرن والضم والتهويد في الضفة وسحب سلاح المقاومة في قطاع غزة مقابل المال، وكذلك هذا مطلوب من جماعة أنصار الله في اليمن ” الحوثيين”،حلف المقاومة لن يركع ولن يبقى في دائرة الدفاع، بل سينتقل الى مرحلة الهجوم في مواجهة العقوبات والموت جوعاً.