بقلم: فيليب لازاريني، المفوض العام “للأونروا”
سعت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) طوال أكثر من سبعين عاما على أن تكون مصدرا حيويا للاستقرار في منطقة تعج بالنزاعات والأزمات.
وفي كانون الأول 2019، تم تجديد ولاية الأونروا لثلاث سنوات إضافية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ما يعني مواصلة تقديم المعونة الأساسية للاجئي فلسطين في الضفة الغربية، التي تشمل القدس الشرقية، وفي غزة والأردن ولبنان وسوريا.
توفر الأونروا بعض الشعور بالأمان وتخفف من القلق بشأن المستقبل عند المستفيدين من خدماتها، في وجه الاضطرابات المتتالية التي تعصف بالمنطقة من حولهم. فمع وجود أكثر من نصف مليون فتاة وصبي في حوالي 700 مدرسة تابعة للوكالة، إلى جانب توفير 8,5 مليون زيارة سنوية في نحو 144 مركز صحي، ثمة رتابة وإيقاع يوميين غالبا ما يكونان غائبان عن حياة اللاجئين. ولقد أيقنت صعوبة المهمة عندما تسلمت قيادة الاونروا في آذار الماضي، تزامنا مع بداية أنتشار جائحة كوفيد-19 وآثارها حول العالم. فهمت فورا أن كسب ثقة ودعم الدول التي صوتت على تجديد ولايتنا سيكون على رأس أولوياتي وأنا أدير وكالة نريدها جميعا قوية بموظفيها 30,000 .
وضعت جائحة كورونا الوكالة أمام أول اختبار لها هذا العام وسط التحديات المالية الهائلة التي تواجهها. قررنا منذ البدء أن نركز على الاستجابة للاحتياجات الطارئة في المقام الأول والعمل على الحد من انتشار الفيروس وسط المخيمات المكتظة، فقمنا بتحويل الطريقة التي نقدم بها خدماتنا الطبية والتعليمية وغيرها من الخدمات الإنسانية، لتي تحول معظمها إلى خدمات تصل للاجئ حتى باب البيت أو خدمات تقدم عن بعد كالاستشارات الطبية والدروس التعليمية. وقد ساهمت إجراءات الوكالة الحاسمة في الاستجابة لأزمة كوفيد-19 في منع تفشي الفيروس في مخيمات لاجئي فلسطين. فقد تم تسجيل أقل من 170 حالة مؤكدة بالعدوى في أوساط لاجئي فلسطين في المنطقة كلها. وعلينا أن نتقدم بالشكر لموظفينا على هذا النجاح بما إنهم على خط المواجهة الأول في التعامل مع الأزمة الصحية العالمية المقلق بالرغم من مواردنا المحدودة.
لقد جلبت الأزمة الصحية معها عواقب وآثار اجتماعية واقتصادية مدمرة، خصوصا لمن هم الأكثر عرضة للمخاطر، مثل لاجئي فلسطين، وهوت بهم أكثر في البطالة والفقر واليأس، وهم يعانون أصلا من آثار النزاعات المتكررة التي عملت وبشكل مستمر على مفاقمة حاجتهم للمساعدة الإنسانية. لقد أدت الحرب في سوريا إلى نزوح معظم لاجئي فلسطين امن بقوا في البلاد داخليا– وغالبا لأكثر من مرة واحدة. كما أن الاحتلال للضفة الغربية والحصار ودورات العنف المتعددة في غزة قد أدت إلى تدهور مستمر للأحوال الإنسانية والاجتماعية الاقتصادية. وتزيد آفاق الضم المحتمل للضفة الغربية من القلق والتخبط عند الكثيرين، مما يرفع من التوقعات تجاه الأونروا بتقديم المزيد من الخدمات في الوقت الذي تجبر فيه أزمة مالية غير مسبوقة الوكالة على تخفيض نفقاتها، حتى لم يتبق لنا شيء نوفره اليوم .
لذلك، ورغم ثقتي الكاملة بمقدرتنا على تنفيذ مهامتنا إلا أن عملنا بات اليوم مرهونا بالالتزام السياسي والمالي المستمر لشركائنا ، لا سيما مع الآثار الاجتماعية والاقتصادية التي بدأت تظهر بسبب أزمة فيروس كورونا.
وفي ظل هذه الخلفية، فإن تنظيم مؤتمر افتراضي استثنائي وزاري، تستضيفه كل من السويد والأردن في 23 حزيران بهدف حشد الدعم السياسي والمالي للأونروا يعد إشارة مشجعة للوكالة في هذه الأوقات العصيبة.
باختصار، فإن قدرة الأونروا على تنفيذ مهام ولايتها تعتمد على إمكانية توفير الموارد الكافية لتلك المهمة. وبما أن غالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كانت قد صوتت على استمرار كافة خدماتنا، فنحن بحاجة الآن إلى الموارد المالية لمطابقة هذا التصويت. هذه هي الطريقة الوحيدة لنحافظ بها على الأمل عند لاجئي فلسطين بأن ثمة مستقبل أفضل ينتظرهم، وأنهم سوف يخرجون من دوامة الاعتماد على المساعدات الإنسانية. إننا بحاجة لأن نضع حدا للفقر المدقع الذي يمنع العديدين من لاجئي فلسطين من العيش بكرامة.
لعمل الاونروا أثر إيجابي أعمق من مجرد تقديم الخدمات الأساسية: فقد تخرج قرابة 2,5 مليون طفل من مدراسنا منذ عام 1950، وأصبح العديد منهم بدورهم معلمين وتربويين ساهموا في تخريج أطفال آخرين في سائر أرجاء المنطقة. وقد قاموا بزرع القيم والمبادئ المتأصلة في الأمم المتحدة، كقيم حقوق الإنسان والسلام والتسامح – وهي ثقافة تفخر الأونروا بالعمل على ترويجها.
إن الاستثمار في مستقبل لاجئي فلسطين هو استثمار في استقرار المنطقة، وهو مساعدة للاجئين على الخروج من الفقر والحصول على تعليم عالي الجودة ورعاية صحية مناسبة، وفوق ذلك كله العيش بكرامة. إننا نعول على الشراكة المستمرة لمانحينا وللحكومات المستضيفة لما فيه مصلحة المنطقة بأسرها إلى أن يكون هناك حل عادل ودائم.