إسرائيل والأبارتهايد

26 يونيو 2020آخر تحديث :
إسرائيل والأبارتهايد
إسرائيل والأبارتهايد

بقلم: أنطوان شلحت

على خلفية مخطط ضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل، والذي يدفع قدمًا به رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، بدعم من بنود “صفقة القرن”، تجدّد في المشهد الثقافي في دولة الاحتلال نقاشٌ يدور منذ سنوات بشأن مدى ملاءمة إسرائيل لنظام الفصل العنصري (الأبارتهايد).

ويعود أحد أسباب تفجّر ذلك النقاش، بالأساس من المؤيدين لذلك، إلى تحوّلاتٍ طرأت على السيطرة والاحتلال الإسرائيلي للضفة، بعد اتفاق إعلان المبادئ مع منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو عام 1993، ونتيجة تعثر ما تسمى “المسيرة السياسية”، حيث أفضت هذه التحولات، من ضمن أمور أخرى، إلى تشكّل نظام مختلف عن الاحتلال في الضفة الغربية قبل تلك المرحلة، وذلك بناء على سيطرة اليمين على الحكم داخل إسرائيل من جهة، وفي ظل السياسات التي يتبعها مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل من جهة أخرى، موازية ومكملة.

وهو ما شدّد عليه أخيرًا المفكر عزمي بشارة في كتابه “صفقة ترامب – نتنياهو ..”، لدى إشارته إلى أن قضية فلسطين قضية استعمارية غير محلولة، بل هي آخر قضية من هذا النوع في العالم، وأصبحت تتجلّى على شكل نظام أبارتهايد.

وبمتابعة هذا النقاش الإسرائيلي، بما في ذلك آخر التحليلات التي ظهرت للتعليق على مخطط الضمّ، يمكن تصنيفه إلى ثلاثة أقسام أو مواقف:

الأول، يرى تطابقًا كاملًا بين منظومة الأبارتهايد والنظام السياسي الإسرائيلي. وما يجب الانتباه إليه أن موقف أصحاب هذا القسم يعتمد على المنظومة النظرية، وليس على النظام السياسي الذي ساد في جنوب أفريقيا، فهو لا يحاول ملاءمة نظام هذا البلد الأخير مع النظام السياسي الإسرائيلي، بل يسعى إلى قراءة الإطار النظري والقانوني لنظام الأبارتهايد، ومقارنته مع النظام الإسرائيلي.

الثاني، الموقف الذي يدحض المواءمة بين النظام السياسي الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ونستعمل هنا كلمة “نظام” وليس منظومة، فهؤلاء يدحضون كون إسرائيل نظام أبارتهايد، من خلال مقارنتها مع نظام جنوب أفريقيا وممارساته الكبيرة أو الصلبة، وليس من خلال الإطار النظري والأرضية المفاهيمية التي اعتمد عليها نظام الفصل العنصري هذا.

الثالث، يعتقد أن النظام الإسرائيلي هو نظام أبارتهايد، لكنه يفترق عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في بعض مركّباته، وفي جزء من بنيته السياسية والقانونية، فهو ليس مثل نظام الفصل العنصري في ذلك البلد، وإن حمل بعض مركّباته، غير أنّه جدّد (أو طوّر) أدوات فصل عنصري جديدة لم تكن موجودة في حالة جنوب أفريقيا. وداخل هذا الموقف ثمّة من يؤكد أن الأبارتهايد الإسرائيلي يتمثّل أكثر شيء في وجود فصل بين منظومتين قانونيتين، واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين في أراضي 1967، تؤسسان أيضًا لما يوصف بأنه “أبارتهايد عاطفي”، وهو مصطلح استعمل لتحليل تفسيراتٍ يعطيها القضاة في إسرائيل، وخصوصًا المحكمة العليا، لطلبات التماس ضد هدم بيوت فلسطينيين قاموا بعمليات فدائية، في مقابل عدم هدم بيوت يهود قتلوا فلسطينيين، ولفت مستخدموه إلى أن الأبارتهايد القانوني يحتاج إلى أبارتهايد عاطفي، يعتبر أن حياة الفلسطيني أرخص من حياة اليهودي، وأن الثكل الفلسطيني لا يساوي الثكل اليهودي.

في واقع الأمر، مثل هذا الأبارتهايد العاطفي قائم في المنظومة القانونية الإسرائيلية التي تفصل بين اليهودي والفلسطيني الذي يوصف بأنه غير يهودي، وتمثّل على ذلك قوانين كثيرة سُنّت قبل “قانون القومية”، مثل قانون الحاضر الغائب (1950)، وقانون أملاك الغائبين (1950)، وقانون أساس أراضي إسرائيل (1960)، وغيرها من القوانين التي تقوم على أساس الفصل بين اليهود والعرب في إسرائيل.

كما أنه داخل مركّبات الأبارتهايد، ثمّة من يميّز بين فصل عنصري صغير وآخر كبير، فبينما يمثّل الصغير الفصل بين الأعراق في المواصلات والأماكن العامة وغيرها، يمثل الكبير الفصل الجغرافي والتمييز العنصري في كل ما يتعلق بالحقوق السياسية. ويعتقد القائلون بهذا أن الأبارتهايد الصغير هو الواجهة الأولى والمرئية للأبارتهايد الإسرائيلي التي يخفي وراءها الواجهة المركزية للأبارتهايد الكبير.

عن “عرب ٤٨”