بقلم: راسم عبيدات
الاتفاقية الشاملة بأبعادها الاقتصادية والعسكرية والسياسية التي جرى توقيعها ما بين الصين وايران لمدة 25 عاماً يوم السبت من قبل وزراء خارجية البلدين،والتي نرى أولاً أنها ثمرة لكون الصين قوة اقتصادية ضخمة تزدهر وتتقدم بشكل كبير لتسيد العالم اقتصادياً وايران تمتلك مصادر ضخمة للطاقة وتزدهر علمياً وتنشط صناعياً،وثانياً لعبت سياسة البلطجة والحصار وفرض العقوبات التي إتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة ضد كل من الصين وروسيا وايران وفنزويلا وكوريا الشمالية دوراً كبيراً في توقيع هذه الإتفاقية الإستراتيجية ….امريكا تعتقد بانها ما زالت قادرة على التحكم بمصير العالم،ولم تدرك بعد حجم التغيرات الكبرى في العالم والمنطقة ،فالإدارة الأمريكية السابقة فرضت حزمة كبيرة من العقوبات على الصين وعملت على حصار روسيا وانسحبت من الإتفاق النووي مع طهران عام 2018،وشددت من فرض عقوباتها على طهران، وشمل ذلك الجوانب الإنسانية،عدم السماح بتوفير المعدات والأجهزة اللازمة لمكافحة جائحة ” كورونا”، وكذلك فعلت مع فنزويلا والتي لم تكتف بالعقوبات الإقتصادية ضدها،بل محاولة قلب نظامها بالقوة عن طريق المرتزقة من داخل وخارج فنزويلا …..من الواضح أن هذه الإتفاقية الشمولية بين البلدين توجه لطمة كبيرة لأمريكا، فهي لم تأت فقط في إطار مواجهة العقوبات الأمريكية والعمل على كسر الحصار ،بل تتعدى الإتفاقية حدود ذلك الى تعهد الصين بالحفاظ على مصالحها وحمايتها امنياً وعسكرياً في ايران….وهذا يعني بأن القوة الإقتصادية الصينية الكبرى والزاحفة نحو التربع على عرش العالم،تمهد للتحول الى قوة عسكرية وسياسية تهدد المصالح الأمريكية،التي كانت تسيطر على الموانىء البحرية التي تضمن لها السيطرة على طرق الملاحة والتجارة الدولية …هذا الإتفاق الجيوسياسي ما بين البلدين سيضاف له روسيا وكوريا الشمالية وفنزويلا ولاحقاً قد يتمدد نحو اكثر من منطقة سوريا واليمن ولبنان والعراق…من شأنه أن يغلق قلب أوراسيا في وجه النفوذ والتغلل الأمريكي…..الخلاف والصراع الأمريكي- الصيني على المصالح والنفوذ خرج عن إطار الضبط والتحكم والسيطرة،حيث فشلت محادثات الأسكا بين البلدين،وإنتهت بتراشق اعلامي …وسبقها اتهامات متبادلة بين روسيا وامريكا …وصلت حد وصف الرئيس الأمريكي الضعيف بايدن للرئيس الروسي بوتين بالقاتل، ليرد عليه الأخير ” كل اناء بما فيه ينضح”،وأتمنى لك الصحة، بعد تعثره على سلم الطائرة ثلاث مرات….الصين بحاجة كبيرة الى مصادر الطاقة، وكذلك بحاجة الى سوق ضخمة لبضائعها، وهي تستهلك ما يزيد عن ستة ملايين برميل من النفط من الخارج، سيكون فيها لطهران حصة الأسد، وهذا يجعلها تهتم بشكل كبير بالشراكة مع طهران،التي ستوفر لها مصادر الطاقة والسوق الضخمة للبضائع …وكذلك ايران تقع على الطريق البري لمشروع” الحزم والطريق” الإستراتيجي العابر للقارات …وطهران كذلك تجد في الإتفاق أبعد من مواجهة كسر حصار وتجاوز للعقوبات الأمريكية، فهذا من شأنه أن يعزز المكانة الجيوسياسية لطهران ونفوذها ووجودها في المنطقة، فالإتفاقية تنص على استثمارات صينية في الأفرع المختلفة للإقتصاد الإيراني تزيد عن 450 مليار دولار في عدة سنوات، بما يشمل الموانىء والسكك الحديدية والصرافة والإتصالات وتكنولوجيا المعلومات ،والزراعه والمياه والتعليم والبنى التحتية والأهم، من ذلك استخدام العملة الوطنية في التبادلات التجارية بين الطرفين، أي تأمين نظام مالي بديل عن النظام المالي الأمرو اوروبي ،وهذا ما شدد عليه وزير الخارجية الروسي لافروف أيضاً.
واضح بان طهران استغلت بشكل جيد قضية الصراع والتنافس الصيني – الأمريكي على المصالح والنفوذ، وباتت على قناعة تامة بأن الإدارة الأمريكية التي تفرض عليها حصاراً منذ أربعين عاماً، لم تعد سيدة وشرطي العالم، ودورها وحضورها ونفوذها بدأ بالتراجع عالمياً وإقليمياً، وكذلك طهران لم تعد تثق بالإتحاد الأوروبي ولا بالوعود التي قطعها، بأنه سيعمل على ايجاد آلية مالية وتجارية، تضمن لطهران تصدير نفطها والتعامل المالي مع بنكها المركزي، بل وجدت بأن الإتحاد الأوروبي اصطف الى واشنطن في عقوباتها المفروضة على طهران،ولم تعد المسألة العودة الى الإتفاق النووي مع طهران الذي انسحبت منه واشنطن، والتي يفترض أن توجه لها سهام خرق وعدم الإلتزام بالإتفاق النووي،بل وقفت باريس ولندن وبرلين الى جانب امريكا،في مطالبة طهران بعقد اتفاق جديد يطال الصواريخ الباليستية الإيرانية ودورها الإقليمي ،ومن هنا وجدت طهران بأن الفرصة مؤاتية للدخول في شراكة استراتيجية مع الصين،عبر اتفاقية شاملة في مختلف الجوانب الإقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية،بما في ذلك التعاون العسكري والقدرات الدفاعية والتعاون الأمني والإستخباري ،ولذلك طهران قالت لا قاطعة،ليس فقط لنقاش أي ملف خارج إطار الإتفاق النووي،بل قالت بأنها ترفض العودة للإتفاق النووي دون التزام واشنطن بالغاء العقوبات وإنهاء الحصار،وهذا التشدد الإيراني في الموقف،ما كان له ان يكون بهذه القوة،دون إرتكاز ايراني على تحالف مع بكين وموسكو،فهي رفعت من نسبة تخصيبها لليورانيوم الى 20%،وتهدد برفعه الى نسبة 60%،وكذلك خفضت من تعاونها مع وكالة الطاقة الذرية الى أدنى درجة،فيما يتعلق بالزيارات المفاجئة لمنشأتها النووية.
أمريكا ستجد نفسها بعد هذا الإتفاق الصيني – الإيراني الإستراتيجي،أما معضلة حقيقية، اذا ما أصرت على موقفها الذي تدفعها اليه تل ابيب وبعض العواصم الخليجية وفي المقدمة منها الرياض،بعدم العودة الى الإتفاق النووي مع طهران،ما لم يشمل ذلك قدرات طهران من الصواريخ الباليستية الدقيقة وطويلة المدى وكذلك دورها الإقليمي ودعمها لحلفائها في المنطقة والإقليم،فهذا سيدفع طهران الى المزيد من التشدد وربما يسهم في إقترابها من إمتلاك السلاح النووي اذا ما أرادت ذلك،ولذلك وجدنا الإدارة الأمريكية بدأت بالنزول عن الشجرة وأصبحت جاهزة للعودة الى الإتفاق النووي مع طهران بدون شروط،ولكن طهران موقفها غير قابل للنقاش رفع العقوبات وإنهاء الحصار قبل أي عودة للإتفاق النووي ….وكل يوم يمر ليس في صالح الإدارة الأمريكية،فطهران في شهر حزيران القادم ستكون أمام انتخابات رئاسية،وواضح بأن التيار المتشدد القريب من الإمام على خمينائي هو من سيفوز بهذه الإنتخابات،ولذلك ستصبح مواقف طهران أكثر تشدداً،والإتفاقية الصينية – الإيرانية وحجم الإستثمارات الصينية في ايران،وقدرتها على تصدير نفطها الى الصين،التي تحتاج إلى 6 ملايين برميل يوميا من الخارج، حصة الأسد منها لطهران،سيمكنها من تفريغ العقوبات الأمريكية من مضمونها،وستعزز طهران من حضورها ووجودها في المنطقة والإقليم،ويصبح الخيار العسكري أمام واشنطن لضرب المنشأت النووية الإيرانية مكلف جداً وغير مضمون النتائج،والذي قد يؤدي الى فقدان أمريكا الى المزيد من نفوذها وحلفائها في المنطقة.