حان الوقت كي يقرر الشعب الفلسطيني برنامجه السياسي ونهجه النضالي

8 يوليو 2020آخر تحديث :
حان الوقت كي يقرر الشعب الفلسطيني برنامجه السياسي ونهجه النضالي
حان الوقت كي يقرر الشعب الفلسطيني برنامجه السياسي ونهجه النضالي

ردا على مقال سلام فياض…

حان الوقت كي يقرر الشعب الفلسطيني برنامجه السياسي ونهجه النضالي

بقلم: حيّان جابر

نشر رئيس وزراء السلطة الفلسطينية الأسبق، سلام فياض، مقالا في جريدة “الشرق الأوسط” (1/7/2020) بعنوان” إجراءات الضم تستدعي فعلا فلسطينيا طال انتظاره”، استعرض فيه أهم الإجراءات الصهيونية التي قوضت حل الدولتين، بدعم دولي سري وعلني، ولا سيما من قبل الولايات المتحدة الأميركية. كما قدّم مراجعة تاريخية شبه نقدية أو ذات ملمح نقدي للجسم السياسي الفلسطيني، ولا سيما لخيارات القيادة الفلسطينية، وبالتحديد بما يخص عدم تراجعها أو إعادة النظر في المبادرة التي أطلقتها عام 1988، عندما حولت برنامج منظمة التحرير الفلسطينية في إطار مبادرة سلام فلسطينية، حسب وصفه، لينتهي المقال بعرض اقتراح لصياغة موقف وطني جامع، يطالب أن تتبناه منظمة التحرير وتعلن عنه، ينص وفق فياض، على قبول الفلسطينيين بأحد الخيارين التاليين، كمساهمة بالدفع نحو عملية سياسية، تهدف للوصول إلى حل مقبول للقضية الفلسطينية (نقتبس الخيارين من مقالة فياض كما هما):

“أولًا: دولة واحدة على كل أرض فلسطين التاريخية، يكفل دستورها المساواة التامة لسائر مواطنيها، ودونما أي تمييز بينهم على أي أساس كان.

أو ثانياً: دولة فلسطينية مستقلة على الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، بما يشمل القدس الشرقية، بكاملها، وذلك شريطة أن يسبق أي عملية سياسية تهدف لتحقيق ذلك اعتراف أممي بما في ذلك إقرار من قِبل إسرائيل نفسها، بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني كما عرفتها الشرعية الدولية، وتحديدًا حق العودة وفق القرار الأممي 194، والحق في تقرير المصير، بما يشمل الحق في دولة مستقلة كاملة السيادة على كامل الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967″.

اعتقد أن المقال عمومًا والخيارين خصوصًا يتطلبان منا نقدًا لاذعا وواضحا، لما فيهما من استخفاف بعقولنا وإرادتنا وقدراتنا، وكأنها مناورة إعلامية، يسعى فياض من خلالها إلى تسويف الحقائق وإخفائها ببعض الكلمات المنمقة الناقدة لخطأ القيادة الفلسطينية الوحيد وفقًا له، والمتمثل في عدم مراجعة خطوة 1988. وها هي الآن ونتيجة إعلان الضم تعلن تحللها من الاتفاقيات والتفاهمات القائمة في إطار عملية السلام، دون أن تتبعها بتحلل منظمة التحرير من تحول عام 1988 (بحسب فياض). إذًا، لا يجد فياض أي خطيئة في تحول منظمة التحرير من حيث المبدأ، أو بحل الدولتين، بل على العكس يصر على التمسك به كخيار عملي وحيد، لكنه يدعو إبعاده قليلا عن العين المراقبة بما يمنح القيادة الفلسطينية ورقة ضغظ جديدة عبر التلويح بخيار آخر غير جدي.

قد يعتقد البعض استنادًا لخيار فياض الأول، أي الدولة الواحدة، بأنه يقفز من سفينة أوسلو قبل غرقها! لكن وبعد التمعن في النص نلحظ “أو” التي تسبق الخيار الثاني، بمعنى إما دولة واحدة أو دولتين. وبالتالي فهو لا يدعو للنضال من أجل تحرير كامل فلسطين كما يظن البعض، بل يدعونا كفلسطينيين إلى منح القيادة الفلسطينية تفويضا كاملا وصريحًا ومطلقًا لا حدود له، بما يشمل اللاجئين أيضًا، يتيح لها التنازل عن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، إن قِبل الاحتلال بحل الدولتين بعد تعنت طويل، وهو ما يتوهم بأنه يمنح المفاوض أو القيادة الفلسطينية سلاحًا سياسيًا وإعلاميًا جديدًا في معركتهم – مسرحيتهم التفاوضية مع دولة الاحتلال، عبر تهديده بهجر حل الدولتين لصالح الخيار الأول، خيار الدولة الواحدة؛ أي يكرر سلام فياض تهديدات عريقات الشهيرة بمقاله ليس إلا.

وبما يخص الخيار الأول، أي خيار الدولة الواحدة، يبدو من صياغة فياض حرصه على جعله مبهما ومجهولا وكأنه خيار زائد لا حاجة له، حيث لا نعلم ما هي هوية الدولة الواحدة، إسرائيل(!) أم فلسطين، ولا نعلم من هم مواطنوها، كما لا يورد أي ذكر في هذا الخيار عن موضوع اللاجئين، كما لا يوضح علاقة المواطنين بالدولة المزعومة، علاقة فردية فقط، أم علاقة جماعية تفرض شروطها وإملاءاتها على الدولة والمجتمع.

ويتابع فياض استغفال الفلسطينيين والمتابعين في تبرير طرحه الثنائي، أي ذي الخيارين، قائلا: “قد يتساءل البعض عن المنطق في الإدراج المتزامن لخيارين للحل، طالما تم النظر إليهما كطرفي نقيض. والجواب يكمن في ضرورة ذلك إذا ما كان لكافة أطياف العمل السياسي الفلسطيني أن توافق على موقف فلسطيني جامع في المرحلة الراهنة”. أي يحرص فياض اليوم على توحيد الفلسطينيين تحت راية واحدة، طبعًا لا يقصد راية العلم الفلسطيني، بقدر ما يقصد راية القيادة الفلسطينية، لذا يراوغ ويطرح برنامجًا مواربًا يقوم على خيارين ينفي أحدهما الآخر، ويدعونا لانتظار قرار دولة الاحتلال بشأنهما. نعم، نحن لا نملك الحق في اختيار أحد هذين الخيارين، بل هما عرضان مقدمان لدولة الاحتلال كي تختار ما تشاء منهما كما أوضح فياض في مقاله بقوله: “مع الإدراك التام أنه من الممكن الوصول إلى مرحلة يتعذر فيها استمرار المزاوجة بين الخيارين المذكورين، الأمر الذي لن يحدث إلا إذا وافقت إسرائيل على الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني على النحو المبين أعلاه”. فالأمر منوط بدولة الاحتلال، إسرائيل؛ لذا لم يجهد فياض نفسه في البحث عن أي آلية أو برنامج سياسي يعيد لحمة وتوحيد الشعب الفلسطيني بكامل تجمعاته داخل وخارج فلسطين، كّل فلسطين، بقدر إصراره على خيار حل الدولتين والمسار التفاوضي دون أي جديد يذكر، وما إدراجه لجملة مختصرة ومتسرعة عن حل الدولة الواحدة سوى امتصاص لغضب الشارع الفلسطيني من جهة، وتهديد فارغ لدولة الاحتلال من قيادة انتهى رصيدها، مع العلم بأن دولة الاحتلال ذاتها تدرك جيدًا أنه مجرد كلام فارغ.

لقد آن الأوان حان كي تفسح القيادة الفلسطينية المجال أمام الشعب الفلسطيني ليطلع ويقرر ويناقش برنامجه السياسي ونهجه النضالي دون أي تدخل مباشر أو غير مباشر، ولا سيما بما يخص الضغوط المالية والأمنية، ومنها ينطلق لاختيار قيادة وطنية بديلة لدورة انتخابية واحدة أو اثنتين على الأكثر غير قابلة للتجديد، مع ضمان قدرة الشعب الفلسطيني على نزع شرعية هذه القيادة وتنحيتها إن أراد، أو إن لمس تغييرًا جوهريًا في خطابها أو في الأداء يستدعي ذلك. فهذا هو المسار الحقيقي لتوحيد جميع أطياف الشعب الفلسطيني.

عن “عرب ٤٨”