الأبارتهايد واقع قائم بضم “كبير” أو “صغير” أو بدونه

11 يوليو 2020آخر تحديث :
الأبارتهايد واقع قائم بضم “كبير” أو “صغير” أو بدونه
الأبارتهايد واقع قائم بضم “كبير” أو “صغير” أو بدونه

بقلم: سليمان أبو ارشيد

في مقال بعنوان “عن جنوب أفريقيا السابقة وفلسطين/ إسرائيل اليوم – الأبارتهايد وسبل تحقيقه” يشير الباحثان رائف زريق وعازر دكور إلى أربعة مركبات خَلَقَتْ معًا وكل على حدة الإطار السياسي الجامع الذي تشكل داخِلَه الأبارتهايد، وهي العلاقات السائدة في سوق العمل؛ والثيولوجيا السياسية؛ ووحدة الكيان السياسي؛ ووظيفة اللغة/ اللغات.

ويرى الباحثان أنّ الطاقة الموحدة الكامنة بداخل هذه المركبات بالذات هي التي جعلتها تخلق نظام فصلٍ عرقيٍ. بمعنى آخر، إنّ الأبارتهايد هو فعل فصلٍ داخلَ إطارٍ موحّدٍ خُلق بواسطة المركبات الأربعة آنفة الذكر، في حين أنّ العوامل تلك تؤدي في فلسطين/ إسرائيل وظيفةً أخرى وأحيانا معاكسة لما أدّته في جنوب أفريقيا، وهو ما يؤخر فهم الواقع هنا كأبارتهايد وتشكّل حركة نضال مشتركة ضده، هذا على الرغم من أنّه في مفاهيم كثيرة وحالات معينة هناك مستويات فصل لا تقل عن التي جرت في جنوب أفريقيا بل وتفوقها أحيانا.

والحال كذلك فإنّ أي خطوات تقوم بها إسرائيل بالمستوى السياسي أو القانوني لإلغاء الفوارق بينها وبين الضفة الغربية وقطاع غزة، على غرار الضم أو سحب السيادة على أجزاء منهما، ولتوحيد الإطار السياسي الجامع، تقّربنا أكثر من واقع الأبارتهايد لأنه بقدر ما يُوحّد الإطار السياسي تُعمق عملية الفصل العنصري الجارية داخله.

من هذا الباب، يُحذّر معارضو الضم الإسرائيليين من أنّه سيحول إسرائيل إلى دولة أبرتهايد ويوحد العالم ضدها كما حدث مع جنوب أفريقيا، التي صكّت تجربتها نظام الفصل العنصري وحولته أيضا إلى جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي.

وفي هذا السياق يقول المحامي المختص بقضايا حقوق الإنسان، ميخائيل سفراد، في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” إنّ مصطلح الأبارتهايد تحول من أيديولوجية نظام حكم أقيم في زمان ومكان محددين في القرن العشرين إلى مخالفة دولية، حيث تم تعريف جريمة الأبرتهايد كجريمة ضد الإنسانية في وثيقتين دوليتين، إحداهما هي وثيقة روما التي تنظم عمل المحكمة الدولية في لاهاي.

ويشير سفراد إلى أنّ مصطلح الأبرتهايد، الذي ارتبط تاريخيا بنظام جنوب أفريقيا العنصري، هو اليوم مصطلح قانوني مستقل لا يشترط ارتباطه بأيديولوجيا عنصرية في صلبه، وهو يعرف على أنّه أعمال غير إنسانية تُنفّذ في سياق نظام قمع وسيطرة منهجية من قبل مجموعة عرقية على مجموعة عرقية أخرى وبهدف صيانة نظام السيطرة والقمع.

بمعنى آخر، فإن الأبارتهايد هو نظام يخلق، بكل الوسائل المتوفرة لديه، قانونا وسياسة وفعلا يؤسّسون لتفوق مجموعة عرقية على مجموعة أخرى ويفرضون عليها الدونية التي تنعكس عادة بتمييز منظّم في الحقوق والموارد، وهو ما تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين في المناطق المحتلة منذ عام 1967 منذ وخلال نصف قرن من الزمن.

وإذا كانت إسرائيل ادّعت خلال نصف القرن الماضي أنّ هذا الوضع هو حالة مؤقتة، فإنّ الإعراب عن نيتّها ضمَّ الأغوار وسحب سيادتها على المستوطنات هو اعتراف صريح بأنّها تسعى لتأبيد نظام الأبارتهايد القائم وإسباغ الشرعية القانونية عليه.

وسواءً كان الضمّ كبيرا يشمل الأغوار أم صغيرا فهو كارثة كما تقول يهوديت أوفنهايمر، لأن ضم الكتل الاستيطانية المحيطة بالقدس وحدها، أي “معاليه أدوميم” و”غوش عتصيون”، كافٍ لفصل شمالي الضفة عن جنوبيها وغربيّها عن شرقيّها ومنع إقامة دولة فلسطينية، ناهيك عن إيداع 100 ألف فلسطيني في معازل وتقطيع أوصال نصف مليون آخرين.

وبينما يتهدد خطر الترانسفير الخان الأحمر والولجة القريبة من “معاليه أدوميم”، فإن حصارا استيطانيا خانقا مفروضٌ على بتير وحوسان وبير نبالا عن طريق “غوش عتصيون” وعلى الجيب وبيت حنينا البلد من قبل كتلة “غفعات زيئيف”، وإن كانت أوفنهايمر تعتقد أن “الضم” كبيرًا كان أم صغيرا سيكرّس واقع الفصل العنصري، فإن سفراد يجزم بأن الأبارتهايد واقع قائم بضم أو بدون ضم.

عن “عرب ٤٨”