من المسؤول عن تفشّي الوباء… وما الحل؟

14 يوليو 2020آخر تحديث :
من المسؤول عن تفشّي الوباء… وما الحل؟
من المسؤول عن تفشّي الوباء… وما الحل؟

بقلم: هاني المصري

منذ أسابيع عدة، تقع الأراضي الفلسطينية في عين العاصفة لوباء كورونا في امتداد للموجة الأولى، أو الدخول في موجة ثانية أخطر بكثير من سابقتها، إذ بلغ عدد المصابين حتى الآن 7335، توفي منهم 41، وتعافى 1258، في حين يمكث في العناية المكثفة 16 مصابًا، بينما في الأشهر الثلاثة الأولى حتى بداية حزيران بلغ عدد المصابين 628، توفي منهم 5، وتعافى 527، وبقيت حينها 101 حالة نشطة.

عزت الحكومة هذا الانتشار الكبير وامتداده إلى معظم المحافظات إلى أسباب عدة، أولها عدم التزام المواطنين بإجراءات الوقاية، خصوصًا في الأعراس وبيوت العزاء وغيرها، وإلى عدم سيطرتها على مناطق تخضع كليًا للاحتلال، خصوصًا بعد قرار وقف التنسيق بكل أنواعه، وإلى انتقال العمال وشعبنا في الداخل من وإلى إسرائيل التي تعاني من موجة انتشار واسعة الوباء مسجلة حوالي 40 ألف إصابة، وأخيرًا إلى أن ما تعاني منه فلسطين هو ما يعاني منه العالم بأسره الذي يتعرض إلى موجة واسعة من انتشار الوباء أدت إلى أكثر من 13 مليون إصابة و750 ألف وفاة.

الغائب الأكبر عن تفسير الحكومة أعلاه تحمّلها المسؤولية عما جرى باعتبارها الجهة المكلفة قانونيًا وسياسيًا وأدبيًا بالسهر على صحة المواطن وأمنه وسلامته. فلو التزم المواطنون بالإجراءات والقوانين في أي مكان وحدهم لما كانت هناك حاجة إلى الحكومات. ولو كانت قرارات الحكومة سليمة ومقنعة ومناسبة لوجدت طريقها إلى التطبيق. فمطلوب من الحكومة اتخاذ القرار المناسب ومتابعة تنفيذه والمساءلة والمحاسبة عى تنفيذه. فأي حكومة لا تفرض هيبتها بالقمع، وإنما بالإقناع واتخاذ قرارات تستجيب للمصلحة العامة تتجسد بشكل وطني تشاركي.

لقد حققت الحكومة إنجازًا يحسب لها في محاصرة الوباء عبر الإجراءات السريعة في المرحلة الأولى، ولكنها ارتكبت أخطاء عدة، أهمها أنها تعاملت فعليًا وكأن الوباء انتهى أو شارف على الانتهاء، وذلك بالانتقال فجأة من الإغلاق شبة التام إلى الانفتاح التام، وتجلى ذلك بالرهان على وعي المواطن من دون التشديد على إجراءات الوقاية، وخصوصًا في المحلات المسموح بفتحها حتى إبان فترات الإغلاق، وخصوصًا “السوبر ماركت”.

وهذا أكل من رصيد الحكومة، خاصة أنها لم تفسّر بشكل مقنع قرارها بالإغلاق حتى في وقفة العيد، وإضاعة الموسم الذي ينتظره الكثير من التجّار وأصحاب المحلات، ثم قرارها بالفتح ثالث أيام العيد. فإذا كان سبب الإغلاق بالعيد منع التجمعات، فقد حصلت التجمعات وتكثّفت ثالث أيام العيد. وثمّ سمحت الحكومة بتنظيم تجمعات وطنية تضم الآلاف من دون التأكد التام من الالتزام بالإجراءات الوقائية، ما جعل المواطنين لا يرون انسجامًا ما بين التجمعات الوطنية وإغلاق المصالح التجارية، وخصوصًا المؤسسات الصغيرة.

وما زاد الطين بلة أن الحكومة استنفدت الموارد المتوفرة لديها من خلال صندوق “وقفة عز” في المرحلة الأولى، وامتنعت عن استلام أموال المقاصة رغم أنها أموال فلسطينية، بحجة أن هذا يتم من خلال التنسيق مع سلطات الاحتلال، وهذا فاقم الأزمة الاقتصادية بشكل مضاعف، لدرجة تصريح وزير المالية أن الحكومة فقدت 80% من إيراداتها، ما أدى إلى دفع نصف راتب خلال شهرين ونصف، وهذا ألقى أعدادًا كبيرة خارج سوق العمل، وأضيفوا كليًا أو جزئيًا إلى قائمة البطالة.

ليس مفهومًا لماذا أوقف التنسيق المدني الذي لا يمكن الاستغناء عنه كليًا إلا عند دحر الاحتلال، إلا إذا أوقفته سلطات الاحتلال، وعندها سيواجه الشعب مجتمعًا هذا القرار. فالمطلوب وقف التنسيق الأمني الذي يسيء إلى المنظمة والسلطة والفلسطينيين جميعًا، وكان وقفه سيكون مجديًا أكثر بكثير لو جاء ضمن رؤية شاملة وخطة إستراتيجية كاملة تستهدف دحر الاحتلال وتفكيك الاستيطان، وليس ضمن ردة فعل ونوع من الغضب والحرد، ضمن الاعتقاد والرهان على أن الاحتلال لا يستطيع الاستغناء عن السلطة.

لذا، تدفع السلطة الأزمة إلى الحد الأقصى لتأجيل أو وقف الضم وعودة التنسيق، وكأن جوهر الصراع حول الضم القانوني (وبالتالي اتباع سياسة إن عدتم عن الضم عدنا إلى التنسيق والبحث في استئناف المفاوضات) وليس صراعًا مع الاحتلال وكل ما بني عليه من عدوان وتوسع استعماري استيطاني وضم زاحف وحصار غزة وعنصرية تشمل شعبنا في أراضي 48، إلى جانب الاعتقالات وهدم المنازل والسياسات المستمرة لتصفية القضية الفلسطينية من مختلف أبعادها، وخصوصًا قضية اللاجئين والقدس.

يضاف إلى ما سبق أن الوباء على خطورته يمكن التعايش معه إذا تم الجمع ما بين أقصى إجراءات الوقاية وعودة العجلة للحياة الاقتصادية، خصوصًا للمؤسسات التجارية والصناعية والزراعية الصغيرة والمتوسطة التي يقوم عليها – أساسًا – الاقتصاد الفلسطيني، بحيث ينحصر الإغلاق التام على بؤر انتشار الوباء.

ولا يستطيع المواطن الذي لا يستطيع أن يجد رزق عياله، وخصوصًا أن القطاعات التي تعيش يومًا بيوم كبيرة جدًا، وهي إما لا تملك أي مدخرات تصرفها في اليوم الأسود، أو صرفت معظم ما تملك من مدخرات، حيث باتت الحكومة مطالبة بتعويضها أسوة بالبلدان الأخرى، وهي لا تستطيع تعويضهم، حتى وصلنا إلى وضع أصبحت فيه خطورة الوباء أقل من خطورة تعطيل الحياة الاقتصادية.

وما يعزز هذه القناعة أن القضاء على الوباء سيستغرق وقتًا طويلًا، وسط تقديرات بموجات وأجيال أخرى من الفيروس، ولم يؤد إلى وفاة أعداد كبيرة، ولم يحتج عدد كبير من المصابين إلى أجهزة التنفس وغرف العناية المشددة، وأن الأنباء المتضاربة عن الوباء المجهول حتى الآن ومدى انتشاره وانتقاله عبر الهواء والمصابين بلا أعراض والطرق المختلفة المتبعة لمحاربته؛ أوجدت أرضية مناسبة للاستخفاف به، والإيمان بنظرية المؤامرة، وإعادة إنتاج التصورات القدرية التي تتغطى بالدين والدين منها بريء، مثل “أن الوباء لا يصيب المسلم، وخاصة المؤمن”، “وقل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، ونسيان “لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة” و”اعقل وتوكل” و”الدواء مع الدعاء”، والاعتقاد بأن السلطة تستخدم الوباء والإغلاق للتغطية على عدم مقاومتها للضم، وعدم قدرتها على منع تفاقم الأزمة الاقتصادية.

في المقابل، على الجميع أن يدرك أن قلة عدد الموتى لا تبرر الاستخفاف، خصوصًا إذا انتشر الوباء بأعداد كبيرة أكبر من قدرة الجهاز الصحي لدينا على الاستيعاب، وتحوّله بحيث يصيب كافة الأعمار، بمن فيهم الشباب والأطفال، ما يعني أننا سنفقد أعزاء كثرًا لعدم توفر أجهزة تنفس وغرف عمليات مشددة، مع العلم أنها الآن شبة مكتملة، وهنا يبرز السؤال: لماذا لم توظف الأشهر الماضية لبناء مستشفيات ميدانية وشراء أجهزة تنفس للاستعداد لما جرى ويمكن أن يجري؟

كما يجدر التنويه بأن اتباع سياسة “مناعة القطيع” كما يدعو البعض أمر خطير، وهي سقطت سقوطًا كاملًا، بدليل أن البلدان التي اتبعتها (الولايات المتحدة والبرازيل وبريطانيا) هي من أكثر البلدان معاناة، لدرجة أنهم اتخذوا بشكل متأخر وغير منهجي سياسات الإغلاق، كما أنه لا أحد يضمن حتى الآن على الأقل أن المصابين سيحصلون على المناعة، فهناك العديد من المصابين الذين تماثلوا للشفاء تعرضوا للإصابة مرة أخرى.

منذ البداية، طرحت وآخرون، وأكرر حاليًا بشكل أكبر ضرورة تشكيل فريق وطني من الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني من الضفة الغربية وقطاع غزة، ويضم الأحزاب وكل من يؤثر على الرأي العام، وتمثّل فيه القطاعات ولا يختار من يمثلها، ليتولى المسؤولية بشكل تشاركي، وعندها ستكون قرارات الحكومة متوازنة بشكل أكبر، لأنها ستعبر عن الجميع.

على سبيل المثال لا الحصر، لا يعقل ألا يكون في لجنة الطوارئ العليا ممثلون بنسب كافية تتناسب مع حجمها وتأثيرها عن القطاعات المختلفة. ويعزز هذه التوصية أننا في وضع استثنائي خاص، يجعلنا بحاجة إلى دعم الشعب، خصوصًا في المناطق غير الخاضعة لسيطرة السلطة، حيث نعاني من الاحتلال والانقسام، والمؤسسات إما ضعيفة أو غائبة، والمجلس التشريعي محلول، والقضاء ضعيف وغير مستقل، والمواجهة مع الاحتلال مفتوحة على احتمالات الاستمرار والتصعيد.

لو كان مثل هذا الفريق الوطني موجودًا لما لاحظنا أن الحكومة في وادٍ، والغرف التجارية وغيرها في وادٍ ثانٍ، والمجتمع المدني في وادٍ ثالث. ولما رأينا التخبّط في القرارات التي اتّخذت أمس الأحد، من إغلاق محافظات رام الله والبيرة ونابلس والخليل وبيت لحم، إلى استثناء كل محافظ لمحافظته بضغط من الغرف التجارية، وبعدها قرار الحكومة بإلغاء قرارات المحافظين.