إنهم يستهدفون الثقافة والهوية والرواية والوجود الفلسطيني

28 يوليو 2020آخر تحديث :
إنهم يستهدفون الثقافة والهوية والرواية والوجود الفلسطيني
إنهم يستهدفون الثقافة والهوية والرواية والوجود الفلسطيني

بقلم :راسم عبيدات

الهجمة على المؤسسات الثقافية في مدينة القدس، مركز يبوس الثقافي ومعهد الفنون للموسيقى – ادوارد سعيد وشبكة شفق، التي قامت بها اجهزة وأذرع الاحتلال المختلفة، امنية وشرطية وضرائبية، واعتقال مديري المؤسستين السيدة رانيا الياس وزوجها سهيل خوري والتحقيق معهما لعدة ساعات وتمديد اعتقال منسق شبكة شفق الناشط داود الغول، يؤكد بأن المحتل لا يريد ان يرى في المدينة أي شكل من أشكال الوجود الفلسطيني ولا تعبيراته السياسية ولا الثقافية ولا الفنية ولا القاتصادية ولا الفكرية ولا الدينية، وقد استبق الاحتلال عملية الدهم والتفتيش ومداهمة المؤسستين واشاعة الخراب فيهما ومصادرة العديد من الوثائق والملفات والأجهزة، بعملية اعتقال محافظ القدس الأخ عدنان غيث ونقله لمركز التحقيق الخاص في ” الشاباك”،وبما يوحي هذه المرة بأن الاعتقال لا يتعلق بما يسمى خرق اتفاقية قانون الوسط الذي يمنع السلطة الفلسطينية من العمل في مدينة القدس، حيث جرى يوم الجمعة الماضي تمديد اعتقاله لمدة أسبوع.

وبالعودة الى مداهمة مؤسستي يبوس والمعهد الوطني للموسيقى – ادوارد سعيد وبيت مسؤولي تلك المؤسستين السيدة رانيا الياس وزوجها السيد سهيل خوري ونقلهما مباشرة الى التحقيق، وقيام وحدة امنية اسرائيلية وشرطية بمداهمة منزل الناشط داود الغول منسق شبكة شفق في سلوان، والأجهزة المتعددة المشاركة في عملية الإقتحام، تؤشر الى أن المحتل يبحث عن أي ثغرة تمكنه من اغلاق المؤسسات الفلسطينية، فهو في أكثر من مرة داهم مؤسسة يبوس واستدعى مديرتها للتحقيق وصادر أجهزة وملفات، وحاول ايجاد ثغرة تمكنه من سحب ترخيصها بحجة وجود خلل في عملية التسجيل وفرض عليها ضرائب خيالية، “ضريبة المسقفات ” -“الأرنونا” – بعدما فشل في اغلاق تلك المؤسسة تحت حجج وذرائع العلاقة مع السلطة وقوى وأحزاب فلسطينية ،ولذلك جاء هذا الإستهداف وبهذا العدد من اجهزة وأذرع الاحتلال، فلربما يجد له منفذاً في تبرير اغلاقها، يحميه من الانتقادات الدولية التي قد توجه له على خلفية قيامه بإغلاق هاتين المؤسستين، واذا لم ينجح فهو يريد خلق حالة بلبلة في المجتمع المقدسي وتشويه صورة تلك المؤسسات، بأن عملية الدهم والتفتيش والتحقيق تتعلق بجرائم اقتصادية وتهرب ضريبي وغسيل أموال، كما صدر عن البيان المشترك لشرطة الاحتلال وما يسمى بوزارة العدل والمتحدثة باسم مصلحة الضرائب، علماً بان المحامي المتابع للقضية ناصر عودة، قال بان أمر الدهم والتفتيش المطبوع نصفهوالمكتوب نصفه الآخر بخط اليد يتحدث عن ان هاتين المؤسستين داعمتين وممولتين للإرهاب.

الفشل الذي منيت به أجهزة الاحتلال، في الربط بين تلك المؤسسات وقوى المقاومة الفلسطينية، والتي تصفها بالقوى الإرهابية، دفعها لنشر تقرير من خلال صحفي صهيوني مشبع بالعنصرية والحقد والتطرف ويعمل في القناة العبرية (20) الإسرائيلية، هو باروخ يديد، تقرير يحوي الكثير من الأكاذيب والافتراءات وعمليات التشويه، بأن تلك المؤسسات الثقافية تدار من قبل الجبهة الشعبية، ولكي يدل على سذاجته وسخافته وفهلوته وكذبه وافتراءاته، وكذلك كذب وافتراءات من يلقنونه هذه المعلومات، قال بأن السيد سهيل خوري مدير المعهد الوطني للموسيقى – ادوارد سعيد، عضو مكتب سياسي في الجبهة، ومرشح لمنصب الأمين العام! ما شاء الله على ديمقراطية الاحتلال.. عضو مكتسب سياسي يسرح ويمرح في القدس، في وقت تعتقل فيه أجهزة امن الاحتلال من تشتم بأن في أطراف أطراف عائلته، شخص له علاقة بالجبهة الشعبية .

ولم يكتف هذا الصحفي العنصري، بهذه الافتراءات والأكاذيب والتشويهات،بل ذهب في خياله الجانح،بأن الجبهة الشعبية تشغل تلك المؤسسات وتستخدم الاتحاد الأوروبي في تمويلها، وكأن الاتحاد الأوروبي جمعية خيرية!

الاستهداف لتلك المؤسستين في مدينة القدس مرتبط بعقلية الاحتلال التي ترفض أي وجود وطني سياسي فلسطيني في مدينة القدس،والمحتل يدرك الخطر الكامن في وجود مؤسسات ثقافية فلسطينية في قلب مدينة القدس،تتعامل بشكل اساسي مع الفئة الحية من أبناء شعبنا من شبان/ات وفتيان/ات واطفال، فؤلاء هم عماد المستقبل، ومن يتوقف عليهم حماية الثقافة والموروث الثقافي والرواية والهوية الفلسطينية. ااعتقد القادة التاريخيون الكبار للمحتل أمثال بن غوريون وغولدا مئير ومناحيم بيغن واسحق شامير، بأن كبار شعبنا سيموتون وصغاره سينسون، وسيتم “أسرلة” و”كي” و”صهر” و”تطويع” وعي أبناء شعبنا والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية وبرمجتها بما يتفق والرواية الصهيونية للتاريخ، ولذلك هو ينظر بخطورة عالية لوجود مثل هذه المؤسسات الثقافية التي تلعب دوراً تعبوياً وتوعوياً وتثقيفيا عند الجيل الشاب من أبناء شعبنا الفلسطيني، في اثبات زيف الرواية الصهيونية، التي تقوم على نفي وجود الآخر ومحاولة شطب هويته القومية وتاريخه الممتد في جذور هذه المدينة كجذور زيتونها المتجذر في أقصاها وقيامتها.

الاحتلال يرى بأن مشروعه للتطبيع وتطويع المجتمع المقدسي ودمجه في المجتمع والاقتصاد الإسرائيلي يفشله وجود مثل هذه المؤسسات الممسكة بهويتها ودورها الوطني والثقافي والفني الملتزم، وتزعجه مؤسسات مقدسية، تشكل عائقاً امام ما يهدف اليه من تطبيع ثقافي وفني مع العالم العربي، فالأفلام التي تعرضها مؤسسة يبوس أو الندوات والمحاضرات التي تعقدها تؤكد على رفض التطبيع، وكيف لمحتل ان يقبل بوجود مثل هذه المؤسسات المقدسية التي تحمل موقفا وتتمسك بمبدأ وثوابت، وتعتبر ان وجود هذا المحتل في مدينتنا غريب، وليس له علاقة بواقعها ولا تاريخها ولا تراثها ولا هويتها وحضارتها.

الاحتلال في دهمه وتفتيشه والعبث بممتلكات المؤسستين واعتقال إداراتيهما والتحقيق اكثر من مرة معهما يريد أن يوصل رسائل الى المجتمع والمؤسسات المقدسية ،بأن كل المؤسسات المقدسية في دائرة الاستهداف ثقافية، فنية اجتماعية، نسوية ، شبابية، وغيرها،لأنها تشكل النقيض لوجوده وسيطرته على المدينة، فهو لا يرد رؤية مثل هذه المؤسسات، بل يريد رؤية مؤسسات من امثال المراكز الجماهيرية والشرطة الجماهيرية ولجان العشائر المرتبطة به ولجان تجار او مؤسسات نسوية مرتبطة ببلديته وشرطته وأذرعهما المختلفة.

رسائل المحتل الأخرى أيضاً واضحة، فهو عبر أجهزة مخابراته ووزارة خارجيته يحرض ليل نهار على المؤسسات الفلسطينية، ويدعو الدول الأوروبية والاتحاد الأوروبي الى عدم تمويل تلك المؤسسات الفلسطينية الموجودة في الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني- 48 – والقدس، تحت حجج وذرائع بأن لعدد من العاملين فيها ما يسميه علاقة بالإرهاب، أي المقاومة الفلسطينية.

شعبنا منذ احتلال عام 1967 دخل سجون الاحتلال من أبنائه ما يقارب المليون والاحتلال يرى بأن عمل اسرى سابقين في تلك المؤسسات يعتبر إرهاباً، ولذلك وجدنا حملة قوية تقودها وزارة الخارجية الإسرائيلية والأجهزة الأمنية الإسرائيلية تحرض على تلك المؤسسات، وتطلب من الاحاد الأوروبي عدم تمويلها، هذا الاتحاد الأوروبي،الذي خضع للشروط والإملاءات الإسرائيلية بدأ يوائم تمويله مع الشروط والمتطلبات الإسرائيلية، حيث اضاف ملحقاً في اتفاقية التمويل للمؤسسات الفلسطينية، ليس فقط بان عليها التحقق من المستفيدين، بل هناك تجريم واضح لنضال ومقاومة شعبنا الفلسطيني والعديد من تعبيراته السياسية من قوى وأحزاب فلسطينية،شكلت طليعة نضال شعبنا الفلسطيني وشاركت في قيادة مقاومته ومشروعه الوطني. ولعل تلك المؤسستين كانتا من المؤسسات الفلسطينية المبادرة في رفض قبول المال المشروط والتوقيع على الشروط الأوروبية، ولذا لا يرحب الاحتلال ولا يرتاح لوجود مثل هذه المؤسسات في قلب مدينة القدس، ولذلك يضع استمرار وجودها وعملها في المدينة على قمة جدول اعمال حكومته وأجهزته الأمنية.

نعم، نحن في مدينة القدس نتعرض مع إقرار ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية، وإقرار مبدأ الضم فيها الى حرب اسرائيلية شاملة يستعجلها الاحتلال لفرض سيادته على القدس وإنهاء قضية القدس، ولذلك نشهد تجليات هذه الحرب الصهيونية الشاملة على شعبنا يومياً من خلال هدم المنازل وتوزيع الإخطارات بالهدم والإبعادات عن الأقصى والبلدة القديمة والقدس لمدد طويلة، والاعتقالات الواسعة والحبس المنزلي الليلي وتكثيف وتصاعد وتائر الاستيطان والمشاريع والمخططات الاستيطانية وغيرها، ولذلك لا مناص امامنا سوى وحدتنا وتعزيز لحمتنا وتمتين وتصليب جبهتنا الداخلية، فهي التي تحمي وجودنا وثباتنا في قدسنا وبقاءنا على أرضنا.