انتفاضة عالمية وتساؤلات مشروعة عن العنصرية والاضطهاد

4 يونيو 2020آخر تحديث :
انتفاضة عالمية وتساؤلات مشروعة عن العنصرية والاضطهاد
انتفاضة عالمية وتساؤلات مشروعة عن العنصرية والاضطهاد

بقلم: تهاني روحي

بالرغم من مرور عدة أيام على مقتل المواطن الأميركي ذي البشرة السوداء على يد شرطي، إلا أن تبعات هذا الحادث لم تهدأ هناك وأنذرت بانتفاضة شعبية، وتواصلت أصداؤها في جميع أنحاء العالم، فمن بين إظهار التعاطف مع المواطن المغدور وما بين شامت وشاتم، إلا أنه كان هناك شبه إجماع على أن العنصرية ما زالت متغلغلة في العالم وليس في المجتمع الأميركي فحسب.


فالمظاهرات التي اجتاحت عدة مدن أميركية احتجاجا على حادثة مينيابوليس، حيث قتل الرجل الأسمر، والتي وثقتها كاميرات الهواتف النقالة، أعادت التساؤلات التي تظهر على السطح بعد كل حادثة متسمة بالعنصرية. إلا أن الانتفاضة الحالية الواقعية والافتراضية والتي اشتعلت أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي لم تكن مجرد سخط أو ردة فعل آنية فحسب، بل أعادت فتح ملف الاضّطهاد برمته الذي يتعرّض له المُواطنون ذوو البشرة السوداء على أيدي الشرطة، وبعض مؤسّسات الدولة، وأعادت أيضا قضية النفور من الآخر المختلف.
وحين نتكلم عن التمييز العنصري يجب أولا، وقبل كل شيء معالجة الأوهام العقلية التي استباحت مفاهيم زائفة تعلمها الأجيال عبر مئات السنين في المدارس عن تفوق جنس على الآخر. ففي جذور هذا التعصب العرقي تقبع الفكرة الخاطئة بأن الجنس البشري مكون من حيث الأساس من أجناس منفصلة وطبقات متعددة، وبتفوق عرق على آخر. ولكن على العالم أن يعي بالحقيقة الثابتة بأنه لا يوجد سوى جنس بشري واحد.

نحن شعب واحد ونسكن نفس الكوكب وننحدر من أسرة بشرية مرتبطة بمصير مشترك.
ويبدو أن فيروس كورونا الذي عرّى أمورا كثيرة كانت مجملة تحت شعارات المساواة والعدالة الاجتماعية، فهو أي الفيروس قد كشف الطريقة العنصرية والكره للأجانب الذي تعاملت به بعض الدول مع اللاجئين أو العمالة الوافدة. وشاهدنا خلال الأسابيع الماضية كيف أن هذا الفيروس كان يخفي صورة قبيحة لدول تتغنى بالحريات وبالمساواة والكرامة، وهذا يدل على أن الاضطهاد والعنصرية لا يزالان متأصلين بأعماق النفوس، إلا أنها طفت على السطح فجأة حين انتابت حالة الهلع والخوف من انتشار الفيروس، حالة من التمييز العنصري على مستويات مختلفة، وبدأت المطالبات بترحيل اللاجئين والعمالة، ناهيك عن التصريحات العنصرية بحق الصينيين وغيرهم ابتداء من قيادات بعض الدول والحكومات وبعض الفنانين والسياسيين في بعض الدول العربية كرمي العمال في الصحراء خشية من انتشار الفيروس وأنهم عبء على الدول، بالإضافة إلى مطالبة البعض بإجراء تجارب العلاج على السجناء. إلا أن تصريحات بعض كبار الباحثين الفرنسيين في مجال الطب كانت الأشد عنصرية حيث اقترح الطبيبان ضرورة أن تصبح إفريقيا مختبراً ضخماً للقاح فيروس كورونا، معللين ذلك بأن أفريقيا تفتقر إلى الموارد الضرورية للتصدي للفيروس.


إن مبدأ وحدة العالم الإنساني يضرب وتراً حساساً في أعماق الروح. فهو إذا ليس شعارا، ولكنه يعكس حقيقة أبدية وأخلاقية، هذه الحقيقة أصبحت أكثر وضوحاً بعد جائحة كورونا، لأن شعوب العالم أدركت بأن اعتماد كل منها على الآخر ضرورة حتمية لبلوغها وإدراكها لتحقق وحدتها الحتمية. مثل هذه المفاهيم تمثل خطوات فعالة نحو عالم يحاول تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكنها وحدها، لا تكفي لاستئصال الآلام المتأصلة للعنصرية ولسائر أنواع التعصب.


فوحدة العالم الإنساني تتطلب «تغييرات عضوية في بُنية المجتمع الراهن، وهي تغييرات لم يشهد العالم لها مثيلاً، فبالإضافة إلى الاحتياج الضروري بإقامة عالم متّحد في منظوماته وتطلعاته، وفي تجارته ونظمه الاقتصادية، ولكنه أيضاً قادر على احتواء ما لا نهاية له من التعددية القومية والأعراق المختلفة.


وأخيرا، اقتبس هذا القول “هَلْ عَرَفْتُمْ لِمَ خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ واحِدٍ؛ لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ. وَتَفَكَّرُوا فِي كُلِّ حِينٍ فِي خَلْقِ أَنْفُسِكُم؛ إِذاً يَنْبَغِي كَما خَلَقْناكُم مِنْ شَيْءٍ واحِدٍ أَنْ تَكُونُوا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ كَيْنُوناتِكُمْ وَأَعْمالِكُمْ وَأَفْعالِكُمْ آياتُ التَّوْحِيدِ وَجَواهِرُ التَّجْرِيدِ”.

عن “الغد” الأردنية