تطبيع أم تحالف؟

18 أغسطس 2020آخر تحديث :
تطبيع أم تحالف؟
تطبيع أم تحالف؟

بقلم: هاني المصري

أخطر ما في “اتفاق أبراهام” ليس في كونه تطبيعًا بين بلد عربي وكيان الاحتلال – فالتطبيع بدأ منذ سنوات عديدة – بل في أنه يدشن أول خطوة عملية علنية كبيرة على طريق إقامة حلف بين عدد من الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا واضح من خلال إعلان دول عدة، على رأسها مصر، تأييدها وترحيبها بالاتفاق، وحياد الأردن الذي وضع الاتفاق تحت الاختبار، في حين التزمت السعودية صمت القبور حتى كتابة هذه السطور، مع أن حدثا بهذا الحجم لا يمكن أن تقوم به الإمارات من دون تنسيق أو ضوء أخضر سعودي .

وتظهر الخطورة في إعلان ترامب ونتنياهو بأن هناك دولًا عربية عدة ستحذو حذو الإمارات، وفي مسارعة البحرين بأنها ستفعل ذلك قبل نهاية هذا العام.

النقطة الثانية، تحاول الإمارات أن تغطي وتسوق لاتفاقها بأنه أوقف ضم الاحتلال لأراضٍ من الضفة، مع أن تصريحات نتنياهو والسفير الأميركي في إسرائيل أكدت أن الضم لا يزال على الطاولة، إلى جانب نص الإعلان الثلاثي على تعليق الضم (المعلّق أصلًا قبل الاتفاق الأخير لأسباب أميركية وإسرائيلية، وأساسًا جراء الرفض الفلسطيني والأردني والعالمي للاتفاق)، وتعني موافقة الإمارات على التعليق موافقة مبدئية على الضم، وأنه يمكن أن يجري في سياق تطبيق رؤية ترامب بموافقة عربية.

النقطة الثالثة، وافقت الإمارات على استبدال مبادرة السلام العربية التي نصت على التطبيع الكامل والاعتراف مقابل الانسحاب الكامل والدولة الفلسطينية، بمعادلة “السلام مقابل السلام”، ووهم إمكانية التوصل إلى الأمن والاستقرار والسلام مع العرب من دون الفلسطينيين أصحاب القضية والمدافعين عنها منذ مائة عام وحتى الآن، والمستمرين في الدفاع عنها حتى انتصارها، أي من دون حل جذري للصراع، وهو التنكر للوجود والحقوق الفلسطينية. ومن الوهم الخالص تصوّر أن تطبيع العرب وتحالفهم مع إسرائيل سيجبر الفلسطينيين في نهاية الأمر على قبول الحل الأميركي الإسرائيلي (رؤية ترامب) المطروح على الطاولة.

النقطة الرابعة، عقدت الإمارات الاتفاق قبل أقل من 100 يوم على موعد الانتخابات الأميركية، وفي ظل تراجع شعبية ترامب ونتنياهو جراء فشلهما في مكافحة وباء كورونا، والتداعيات الاقتصادية والفضائح المختلفة التي أخذت شكل اتهامات قضائية تلاحق نتنياهو، ما يدل على أن الإمارات (وحلفاءها العرب) تراهن وتعمل على زيادة فرص ترامب بالفوز، وعلى بقاء نتنياهو، خشية من نجاح بايدن، وما يحمله من مقاربة مختلفة مع إيران والعودة إلى الاتفاق النووي، مع أهمية عدم الوقوع في الرهان على بايدن، فالرهان يجب أن يكون على أنفسنا، وما يمكن ويجب أن نفعله.

النقطة الخامسة، ان تمتين القلعة الفلسطينية التي تعاني من ويلات الانقسام وتداعياته، ومن التوهان بين مسار انتهى، والتردد في اعتماد مسار جديد من دونه لا يمكن إنجاز الإنقاذ الوطني؛ هو المدخل الكفيل بإحباط كل المؤامرات والمخططات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وقطع الطريق على التطبيع العربي مع الكيان الاحتلالي، وعلى ترسيم التحالف الأميركي الصهيوني العربي، الذي يعيد النظر في الأولويات، ويجعل العدو صديقًا، ويتوهم أن الأميركيين والإسرائيليين سيحاربون إيران كرمال عيون العرب. ولمن يبرر التطبيع العربي بالخطايا الفلسطينية أحيله إلى مقال صديقي الدكتور خالد الحروب بعنوان “خطايا الفلسطينيين لا تبرر التطبيع العربي”.

إن إحباط مؤامرة التصفية للقضية الفلسطينية يتطلب اعتماد رؤية شاملة جديدة وإستراتيجية وطنية موحدة وشراكة حقيقية وقيادة ذات إرادة مستعدة لدفع الأثمان المطلوبة، وليس اللجوء إلى التخوين والشتائم والردح للتعويض عن عدم اتخاذ الإجراءات الوطنية الملموسة المطلوبة. فالعمق العربي الذي يستند إلى الشعوب العربية، كان ولا يزال السند الحامي للقضية الفلسطينية مهما حاول المطبعون والانهزاميون والواهمون تغيير هذ الواقع، الذي يستمد جذوره من التاريخ والجغرافيا والسياسة والثقافة والدين والمصالح.

النقطة السادسة، هناك سيناريوهان محتملان ومختلفان لسير الأحداث:

السيناريو الأول: يتمثل بفوز ترامب بولاية ثانية، وهذا يعني مواصلة مساعيه لتطبيق رؤيته ومعه العديد من الدول العربية المطبعة والمتحالفة مع إسرائيل (وليس فقط المرتبطة باتفاقية سلام معها)، وهذا سيزيد بكثافة من المساعي لتغيير القيادة الفلسطينية إذا استمرت على رفضها وتعنتها، لأنه من دون غطاء فلسطيني لا يمكن لمخططهم أن يمر، وربما يتطلب إعادة بناء السلطة لكي تتحول إلى وكيل للاحتلال إلى الأبد من دون دور سياسي ولا مفاوضات للتوصل إلى اتفاق نهائي، فأقصى ما يمكن طرحه وتحقيقه، وأشدد على أقصى، رؤية ترامب التي تتضمن معازل مقطعة الأوصال تسمى “دولة”، بعد التزام الفلسطينيين بشروط تعني إذا وافقوا عليها تصفية قضيتهم من مختلف أبعادها بأيديهم .

وفي هذا السيناريو، ستكون حركة حماس أمام خيارات عدة: إما التجاوب مع مساعي احتوائها وترويضها المتدرج، وفي هذه الحالة يمكن أن تبقى في إمارة غزة أو تنخرط في السلطة/الوكيل، أو البقاء في إمارة غزة ضمن معادلة تهدئة مقابل تخفيف الحصار، أو التعرض لعدوان عسكري بهدف إسقاطها.

وهناك سيناريو فرعي متفرع عن السيناريو الأول، وهو أن يغيّر ترامب الاقتصادي والعملي وغير الأيديولوجي والمتقلب، والذي لا ينتمي فعلًا للحزب الجمهوري وإنما امتطاه للوصول إلى الرئاسة؛ من سياسته في ولايته الثانية، خصوصًا أنه لن يحتاج إلى دعم الإنجيليين الأميركيين مرة أخرى، إزاء إيران ورؤيته لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن هذا السيناريو احتماليته أقل من السيناريو الأصلي الأكثر ترجيحًا.

السيناريو الثاني: يتمثل بفوز بايدن، وهذا يعني وقف خطة الضم، وإعادة العلاقات والمساعدات الأميركية للفلسطينيين، وإسقاط رؤية ترامب، والعودة إلى اعتماد سياسة إدارة الصراع، والسعي لدفع الأطراف لإحياء ما يسمى “عملية السلام”، واستئناف المفاوضات، وهذا يتطلب “تخفيفًا ملموسًا”، أو الأصح تغييرًا لمطالب الرئيس محمود عباس، واقتناع نتنياهو أو من يخلفه، وهو متوقع أن يكون أكثر تطرفًا، بالموافقة على استئناف المفاوضات، وهذا أمر ليس هينًا، لأن إسرائيل انتقلت من مرحلة إدارة الصراع إلى مرحلة فرض الحل الإسرائيلي، وليس من السهولة العودة عن ذلك، وإذا استؤنفت المفاوضات من دون تغيير موازين القوى والمعطيات القائمة، وبلا مرجعية ملزمة تتضمن الموافقة على الحقوق الفلسطينية؛ ستكون غطاء هذه المرة لفرض الحل الإسرائيلي.

في هذا السياق، فإن محاولة بايدن لاستئناف المفاوضات قد تنجح أو لا تنجح، ولكن في كل الأحوال سيمضي الاحتلال في الضم الفعلي الزاحف، وفي خلق حقائق ووقائع احتلالية وعنصرية على الأرض تجعل الحل الإسرائيلي أكثر وأكثر هو الحل الوحيد المطروح والممكن عمليًا.

وقد يقوم ترامب عشية الانتخابات الرئاسية (من هنا وحتى 3 تشرين الثاني 2020) أو غداتها (منذ إعلان النتائح وحتى تنصيب الرئيس في 20 كانون الثاني 2021)، بإعطاء ضوء أخضر لإسرائيل بالضم لدعم نتنياهو، ولتعزيز فرص ترامب بالفوز بولاية ثانية، أو لوضع خليفته إذا خسر أمام أمر واقع من الصعب عليه أن يتجاوزه، أو يفرض على إسرائيل التراجع عنه.