- العسيلي: دراسة لتخفيض الأسعار بسبب انخفاض الدولار
- موظفون بلا رواتب وتجارٌ يُعانون ومطالبات بإعفاءات ضريبية
- دعوات لإيجاد حلول لأزمة المقاصة وتحذير من إعادتها دون إنجازات
رام الله- تحقيق خاص بـ”القدس” دوت كوم- بالرغم من أنّ الأزمة الناتجة عن مكافحة تفشي فيروس كورونا ما زالت قائمة، فإن ظهور أزمة الرواتب وعدم تمكن الحكومة من صرفها كاملة إثر استمرار أزمة “المقاصة”، فاقم الأوضاع الصعبة، وكبّد الاقتصاد الفلسطيني خسائر باهظة وغير مسبوقة، قد تصل إلى أكثر من 3 مليارات دولار حتى نهاية العام الجاري.
في هذا التحقيق، استمزج “القدس” دوت كوم آراء الموظفين والتجار ومجموعة من الخبراء الاقتصاديين والجهات المختصة حول عمق الأزمة وما آلت إليه الأُمور، وسُبُل إنقاذ الاقتصاد الفلسطيني وإخراجه من أزمته.
دراسة لتخفيض الأسعار بسبب انخفاض الدولار
نتيجة تلك الأزمات تكبد الاقتصاد الفلسطيني خسائر باهظة، إذ يتوقع وزير الاقتصاد الوطني د. خالد العسيلي في حديثه لـ”القدس” دوت كوم أن تصل الخسائر إلى نحو 3 مليارات دولار حتى نهاية العام الجاري، فيما يشير إلى وجود عجز بالموازنة العامة يُقدر بنحور مليار و400 دولار.
ويشير العسيلي إلى أن خسائر الاقتصاد تقدر بحسب مدة الإغلاق، ولكن الآن فتحت القطاعات كافة، ولم يبقَ سوى 2-3% معطلاً، في وقتٍ كانت فيه نحو 80% من القطاعات معطلة مع بداية أزمة كورونا، “ولكن نتيجةً لعدم دفع أموال المقاصة وما نتج عنها من أزمة الرواتب، فإن ذلك عزز قلة الطلب بشكل كبير، وكان له أثر على القدرة الشرائية، ونحن نتوقع أن ينخفض النمو بين 7,6% إلى 11%”.
ويوضح العسيلي، بشأن إمكانية تعافي الاقتصاد الفلسطيني، أن هناك أُموراً تحدد ذلك، كنقص السيولة في السوق، وتعطل الاقتصاد لمدة طويلة للمؤسسات التي عادت للعمل من جديد، مؤكداً أن الاقتصاد الفلسطيني صغير، وأن القطاع الخاص لديه خبرة كافية تجعله قادراً على التعافي بشكل أكبر.
ويتابع: “هناك عمل عاد للقطاعات، لكن يوجد ضعف في القوة الشرائية والمبيعات، نحن نأمل أن تُحل أزمة المقاصة وتعود الرواتب، بشرط أن لا تزيد مصاريف الصحة المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا”.
ووفق العسيلي، فإنه يوجد 147 ألف منشأة فلسطينية، وفي الـ3 أشهر الأُولى من أزمة كورونا عملت 42 ألف منشأة منها، إما بشكل كلي أو بشكل جزئي، وهناك أكثر من 100 ألف منشأة تعطلت بشكل كامل، وحالياً لم يتبقَّ سوى 2-3%، إضافة إلى أن الحكومة عملت على استمرار التجارة بين المدن.
أما فيما يتعلق بالتصدير، فيوضح العسيلي أنه مستمر منذ اليوم الأول لأزمة كورونا، “لكن نتيجة تعطل الاقتصاد العالمي قلّ الطلب، وكان التركيز على الغذاء والدواء والأساسيات”، فيما يشير العسيلي إلى أنه بعد وقف التنسيق تواصل التصدير، أما الاستيراد فإن 92% منه مستمر بانسياب، لكن 8% من الاستيراد بحاجة لتدخلات إسرائيلية.
في شأن آخر، كشف وزير الاقتصاد عمل الوزارة على دراسة لتخفيض أسعار بعض السلع، نتيجة انخفاض قيمة الدولار، موضحاً أنه نتيجة انخفاض قيمة الدولار بالتالي تم انخفاض تكلفة البضائع المستوردة.
ويؤكد العسيلي أن وزارة الاقتصاد الوطني عملت ضمن مهامها ومنذ اليوم الأول لأزمة كورونا على هدفين نجحت بهما؛ الأول: توفير مواد أساسية، والثاني: السيطرة على مستوى الأسعار ومنع ارتفاعها ضمن سياسة حازمة جداً لأجل ذلك.
مع أزمة الرواتب.. موظفون يتجهون لبدائل تسدّ رمقهم
ومع أزمة الرواتب المستمرة منذ أكثر من 3 أشهر، إثر عدم تمكُّن الحكومة دفع الرواتب كاملةً عقب أزمة المقاصة، فإن الموظفين اضطروا لتدبير أُمورهم بإيجاد بدائل وأعمال أُخرى، أو إما اللجوء إلى الدين، فيما يخشى كثيرون استمرار أزمة الرواتب، داعين الحكومة إلى إيجاد حلول لتلك الأزمة، مع تأكيدهم وقوفهم إلى جانب السلطة الوطنية بموقفها الرافض للضم.
ويقول معين ريان لـ”القدس” دوت كوم، وهو موظف في محافظة سلفيت: “في ظل التكالب الدولي وما نتج بعد ذلك عن أزمة المقاصة وعدم انتظام صرف الرواتب، فإن كثيراً من الموظفين تغيرت أنماط حياتهم، وتأثرت مصالحهم، خاصةً في ظل أزمة الصيف ومناسباته الاجتماعية، علاوةً على ما أثرته أزمة كورونا، نحن نحاول بطريقة أو بأُخرى إيجاد وسائل بديلة والتقنين من المصروفات”.
ويضيف: “المجتمع الفلسطيني مترابط ومتكافل، فنلجأ إلى بعض المحلات والتجار وأصحاب المنشات بالاستدانة منها، وبعضنا استلف من أقاربه وأصدقائه إلى حين انتهاء الأزمة، إننا كشعب فلسطيني مررنا بظروف أصعب من الظروف الحالية وصمدنا”.
ويشدد ريان على أن الموظفين أثبتوا أنّ القضية الفلسطينية أغلى وأثمن من الأموال، مشيراً إلى أن حقوقهم، عاجلاً أو آجلاً، لا تضيع من السلطة، التي أثبتت أنها قارة على الإيفاء بالتزاماتها.
بدوره، يؤكد هشام صبيح، الذي يعمل مديراً لمدرسة في بيت لحم، في حديث لـ”القدس” دوت كوم، وجود معاناة كبيرة للموظفين مع تلقيهم نصف راتب غير ثابت وغير منتظم، ويقول: “لو كان هناك انتظام لنصف الراتب لكانت الأزمة أقل، المدارس قادمة، وبعض المدرسين قد لا يستطيعون التحمل، كانوا يعملون في العطلة الصيفية، ومنهم من استصدر تصريح عمل للعمل في الداخل، لكن بعد العودة إلى المدارس ستزداد أزماتهم”.
ويشير صبيح إلى أنه وزوجته يعملان موظفَين وأوضاعهما أفضل من غيرهما، كونهما الاثنين موظفَين، متسائلاً: كيف من يتلقى نصف راتب وحده فقط؟ فيما لا يتوقع صبيح أن يصمد الموظفون أكثر، ويأمل أن تتحرك الحكومة لحل الأزمة بطريقة، أو على الأقل الالتزام براتب بنسبة 60% أو 50%.
هذا العام اجتازت دانيا ابنة هشام صبيح مرحلة الثانوية العامة وحصلت على معدل 97,9% في الفرع العلمي، وسجلت في جامعة القدس بتخصص الطب، بعدما ساعده في ذلك الأهالي والأصدقاء والأقرباء، وفق ما يوضح هشام، ويشير أيضاً إلى أنه ملتزم منذ بداية العام بشيكات قيمتها قليلة (350 شيقلاً) لم يتمكن نتيجة أزمة الرواتب من الإيفاء بها وعادت، كما أنه يجد صعوبةً في ترخيص مركبته وتأمينها كذلك.
تجار يعملون لإيفاء مصاريفهم الشخصية ويدعون لدعمهم
بالرغم من إعادة فتح غالبية القطاعات في السوق، فإن الكثير من التجار، خاصةً المنشآت الصغيرة، يعانون من عدم الإيفاء بالتزاماتهم اليومية، وبعضهم يخسر، ومنهم يعمل من أجل توفير مصاريفه الشخصية اليومية، فيما يدعون الحكومة إلى دعمهم وتسهيل قروض لهم.
يقول عبد الرحمن أبو الحيات لـ”القدس” دوت كوم، وهو صاحب محل ورود للمناسبات ومستلزماتها في رام الله: “نحن نعاني من كثرة الالتزامات، لدينا إيجارات وفواتير، ولا أحد يسأل عنا، حتى فواتير الهاتف والكهرباء لم يراعوا ظروفنا بها، نحن نعمل الآن من أجل تحصيل مصاريفنا الشخصية، وتضررنا كثيراً، لدرجة أننا نعمل للإيفاء بإيجار المحل، كما أننا خسرنا الحجوزات، وكنا ننتظر موسم الصيف المليء بالمناسبات، لقد خسرنا عملنا في عام 2020”.
ويضيف: “وصلنا إلى مرحلة نريد أن نجمع فيها التزاماتنا ومصاريفنا الشخصية فقط، حالياً أنا أفتح محلي لكنني أخسر، وصرت أتمنى العمل في الداخل، وعلى الأقل أعمل بأجرٍ أفضل، أتمكن به من الإيفاء بالتزاماتي وأدخر أيضاً”.
عبد الرحمن يمتلك وأشقاؤه كذلك “سوبرماركت” في رام الله، ويؤكد أن هذا القطاع قد تضرر أيضاً، وما يتم بيعه أقل من حجم الالتزامات، والتجار أصبحوا لا يقبلون بيع البضاعة إلا نقداً فقط.
ويدعو أبو الحيات رؤوس الأموال إلى دعم التجار، ولو بالدين وتسهيل القروض، لسد التزاماتهم، ويقول: “ما أُعلن عنه من الحكومة بتوفير صندوق الـ(300 مليون دولار) لمنح قروض بفوائد منخفضة عبر البنوك، فإن شروطها معقدة ويطلبون كفلاء (كفيل سلطة براتب محول)، وهذه الشروط مثلها مثل أي قرض بالأيام العادية، أنا أدعوهم ليحجزوا على محلي ويعطوني قرضاً من أجل تسديد التزاماتي”.
أما فادي غوشة، وهو صاحب محل ملابس في رام الله، فيقول لـ”القدس” دوت كوم: “ما يمر به التجار حالياً أسوا مرحلة، وبالرغم من أن الأسواق والمحال فتحت أبوابها، فإن الالتزامات والشيكات مرهقة، ولا تفي المبيعات بسد الالتزامات المترتبة”.
ويتابع: “الآن اقترب موسم المدارس، لكن البيع منخفض جداً، تكاليف فتح محلي الشهرية تصل إلى نحو 15 ألف شيقل، ما بين فواتير وإيجارات ورواتب موظفين، أنا أخسر حالياً”.
ويدعو غوشة الحكومة إلى إيجاد حل للوضع الاقتصادي الذي ينهار، والالتزامات والشيكات متواصلة، فيما ندفع الإيجارات، وأصحاب العقارات لم يراعونا، حتى فواتير الكهرباء لم يراعوا ظروفنا بها “الوضع في البلد سيئ جداً”، يقول غوشة.
اتحاد الغرف التجارية: منشآت أُغلقت
والسيولة والشيكات الراجعة أبرز المشاكل
ويبدو أن أزمة الرواتب فاقمت من أزمة السيولة، حيث يوضح عضو مجلس إدارة لاتحاد الغرف التجارية والصناعية عبده إدريس، في حديث لـ”القدس” دوت كوم، أن أغلب الأزمات الاقتصادية الحاصلة لها علاقة بالإغلاق، وهناك مشكلة في السيولة النقدية، وأيضاً مشكلة الشيكات الراجعة، وكذلك عدم انتظام الرواتب، “نحن نحاول أن نتعافى حالياً، ولكن نأمل أن لا يتم الإغلاق مجدداً بسبب كورونا، وأن يستمر فتح القطاعات الاقتصادية ضمن شروط السلامة العامة، ولكن على الحكومة أن تأخذ إجراءاتها للتعايش مع الفيروس وأن لا نعود للمربع الأول”.
ويتابع: “لدينا مشكلة قائمة حالياً تتمثل بالرواتب التي هي مدخل رئيسي من مدخلات السيولة والحركة التجارية في البلد، نحاول بكل الوسائل أن تستمر الأمور إلى حين حل المشكلة بانتظام السلطة بدفع رواتب الموظفين”.
من جانب آخر، يوضح إدريس فيما يتعلق بقضية صندوق الـ”300 مليون” للاقتراض بفوائد قليلة الذي كانت الحكومة قد أعلنته، أن هناك إشكالية بشروط الاقتراض، وهي قاسية، كونها الشروط نفسها الموجودة في الأوضاع العادية، حيث تتم عملية الاقتراض من الصندوق عن طريق البنوك، داعياً الحكومة إلى التدخل مع سلطة النقد.
ويشير إدريس إلى أن جزءاً من التجار يحاولون أن يتعافوا من الإغلاقات، والكثير منهم لديهم التزامات، و90% من المنشآت صغيرة ومتناهية الصغر، وأصحابها هم الفئة الأكثر تضرراً، وهناك منشآت أُغلقت، وهناك تجار لم يقدروا على الاستمرار وخرجوا من السوق، فيما يشير إلى أن 18% من نسبة التجارة عالمياً قد تراجعت، ويمكن القياس عليها في فلسطين.
إلى ذلك، يوضح إدريس أنه وبسبب الإغلاق، فإن الغرفة التجارية في الخليل استطاعت حل بعض أزمات التجار من خلال التفاهم مع أصحاب العقارات وخصم الإيجارات لهم عن بعض الأشهر، حتى يستمر التاجر وصاحب العقار، ومن الممكن أن تعمم هذه المبادرة على كل الضفة الغربية كنوعٍ من أنواع التكافل في المجتمع، فيما يطالب إدريس الحكومة بإعفاء المواطنين عما له علاقة بالرسوم أو الضرائب فترة الإغلاق.
ويؤكد إدريس أنه بات مطلوباً لتعافى الاقتصاد الفلسطيني أن توضع خطط ودراسات من أجل ذلك، وعدم العودة إلى سياسة الإغلاق، بل فتح القطاعات ضمن شروط السلامة العامة والرقابة من الحكومة على تلك الشروط، وأيضاً العمل على سرعة دفع الرواتب للموظفين لأنهم مدخل رئيسي للاقتصاد، وأن تعمل الحكومة على إعفاءات لبعض الضرائب ومستحقات الحكومة فترة الإغلاق.
ويتابع: كما أنه مطلوب وضع مجموعة من الإجراءات خاصة بالمناطق الصناعية، وأيضاً أن يتم تفعيل قضية المواصفات والمقاييس على كل ما يباع، سواء المستورد أو المحلي، وأن يكون هناك تعاون بين التجار وأصحاب العقارات لخصم بعض الأشهر، وأن يكون هناك دور توجيهي للتجار، إضافة إلى ضرورة الاستعجال بتوفير مصادر إنتاج ودخل عام.
في حال استمرت الأمة.. توقُّع خسائر
تفوق 3 مليارات دولار مع نهاية العام
وفي حال استمرت الأزمة الراهنة، فإن خسائر الاقتصاد الفلسطيني تقدر بأكثر من 3 مليارات دولار، بحسب ما يؤكده المحلل الاقتصادي وأستاذ العلوم المالية والاقتصادية في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأمريكية نصر عبد الكريم، في حديثه لـ”القدس” دوت كوم.
يقول عبد الكريم: “حالياً الخسائر وصلت إلى نحو مليارَي دولار، ولا بد من وقف النزيف المستمر بالاقتصاد، وهو لا يتوقف إلا إذا انتهت أزمة المقاصة، والاقتصاد إن تعايش مع كورونا لكنه لا يستطيع أن يتعايش مع استمرار أزمة المقاصة”، معتقداً أن “الإشكالية ليست بالأرقام، بل لما بعد الأرقام بالحالات الإنسانية الناتجة عن هذه الأرقام”.
ويشير عبد الكريم إلى أنه في العام 2019، حينما حدثت أزمة المقاصة، لم تكن هناك أزمة كورونا، حيث كانت هناك جباية محلية وتفهم دولي أكثر، “لقد كانت هناك نوافذ وهوامش أكثر من الآن، حيث الأزمات المتتالية التي جعلت المساحة تضيق”.
ويوضح عبد الكريم أن ما يحرك الاقتصاد الفلسطيني عدة أمور، منها: العمال في الداخل وهم يُدخلون للاقتصاد 9 مليارات شيقل سنوياً، وفلسطينيو الـ48 حين دخولهم إلى محافظات الضفة، ويتسوقون بما قيمته نحو مليار شيقل سنوياً، والمحرك الأساسي هو الإنفاق الحكومي وهو بقيمة مليار و200 مليون شيقل شهرياً، عندما كانت السلطة تتمتع بوضع مالي جيد، “لكن اليوم معظم ما يحرك الاقتصاد فقدناه، إما كاملاً أو بنسبة كبيرة، فالعلاقة مع أهلنا في الداخل والعمال لم تعد كالسابق، والإنفاق الحكومي منذ 3 أشهر بالمستوى نفسه، فنصف الراتب ما زال قائماً ونفقات الحكومة الأُخرى قلت، وأصبح يُنفق نحو 400 مليون، بدلاً من مليار و200 مليون شيقل شهرياً، علماً أن موازنة السلطة مليار و200 شيقل سنويا”.
ويتابع: “كل هذه الأمور أصبحت ضاغطة على الاقتصاد الفلسطيني، وجعلته يعاني من أزمة سيولة خانقة، ومن دون السيولة فإن الاقتصاد لا يتحرك، وحتى لو فُتحت المحلات وبدأ الاقتصاد يتحرك، فإننا نعاني عدم وجود قوة شرائية، ولا يوجد طلب، وإذا لم تُحل أزمة المقاصة خلال شهر، فأعتقد أن الوضع الاقتصادي الفلسطيني سيكون صعباً للغاية، ولذلك من الصعب تعايش الاقتصاد مع أزمة المقاصة”.
ووفق عبد الكريم، فإن الحكومة تحاول الاستفادة من بعض الهوامش، ولكن هذه الخيارات لم تعد قائمة، خصوصاً أن الجباية المحلية مرتبطة بحركة الاقتصاد، والخيارات التي تتكئ عليها السلطة الآن، بعد شهر لا تقدر الاتكاء عليها، علاوةً على أنّ المخاطر الآن تهدد سلامة واستقرار النظام المصرفي، وسابقاً راهنت البنوك على حل أزمة المقاصة، لكن إذا لم يكن هناك أُفق تكون الأمور أكثر حذراً.
مَن يدفع ثمن الخسارة؟
ويشير عبد الكريم إلى أن القصص الإنسانية وراء تضرر الاقتصاد تُظهر المعاناة، صحيح أننا نخسر في اقتصادنا، لكن السؤال الآن: من يدفع ثمن الخسارة؟ فمن يدفع فئة لا تقوى على مواجهة الأزمة وحدها.
وفيما يتعلق بتحمل الموظفين دفع نصف الراتب، يوضح عبد الكريم أن الضغوط تأتي من المتعاقدين مع الحكومة، التي نقلت جزءًا من الأزمة للقطاع الخاص والموظفين والبنوك ولهيئة التقاعد، والحكومة في معظم الأزمات دائماً تُحمل الأزمة لأطراف أُخرى، حيث لا توجد لديها بدائل.
ويتابع: “هل الموظفون لديهم القدرة على أن يخرجوا للمطالبة بحقوقهم ورواتبهم من الحكومة؟ الإجابة: لا. الموظفون لا يقدرون على الاستمرار، لكنهم لا يستطيعون التظاهر، لأن المانع لذلك أنهم سيواجَهون بالتشكيك والتساوق مع الضغوط، وأن الحكومة تخوض معركة سياسية لا تتحمل هي مسؤوليتها”.
التحذير من إعادة المقاصة دون إنجازات
وبشأن إقدام السلطة الوطنية الفلسطينية على عدم قبول أموال المقاصة إثر وقف الاتفاقات رداً على مخططات الاحتلال لضم أجزاء من الضفة الغربية، يعتقد عبد الكريم أن السلطة لم تخطئ بذلك، “فالموقف السياسي الإسرائيلي المعادي كان يستوجب رداً فلسطينياً يتوازى مع الحدث، والتحلل من الاتفاقات، وبالتالي شمل ذلك المقاصة، ولو لم تقدم السلطة على خطوة عدم قبول المقاصة من أساسه لكان الأمر مختلفاً، لكن الإشكالية الآن بمن ينادون بإعادة المقاصة، فعودتها دون إنجازات تفتح شهية الإسرائيليين على الضم، وستقول إسرائيل للعالم إن الضم مقابل حل أزمة المقاصة، فالتراجع الآن خطير”.
ويتابع: “ربما يتدخل طرف ثالث لحل الأزمة عبر ضمانات مثل تدخل الاتحاد الأوروبي أو البنك الدولي، بحيث ينوب ذلك الطرف عن الفلسطينيين بالتسوية، من دون تنازلات، وتحول المقاصة إلى خزينة السلطة”.
ويشير عبد الكريم إلى أن الحل يكمن بأن تكثف الحكومة جهودها مع كل المعنيين بشأن أزمة المقاصة، إما بتدخل طرف ثالث يتدخل لدى الجانب الإسرائيلي ويقوم بهذه الوساطة من دون الجلوس المباشر بين الطرفين، أو أن يتدخل طرف ثالث يقدم ضمانات مصرفية تمكن المصارف التي تقرض السلطة بضمان المقاصة للبنوك في نهاية العام، وبوجود تعهدات من ذلك الطرف القوي، “وهو ضمان نسميه الصندوق الدوار في حال عدم دفع السيولة”.
المطلوب خطة إنعاش اقتصادي
لوقف الانهيار التام للاقتصاد
يؤكد أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية د.نائل موسى، في حديث لـ”القدس” دوت كوم، أن المرحلة التي نمر بها أوجدت تراجعًا كبيرًا في الاقتصاد الفلسطيني بشكل كبير جداً، “إن الموظفين العموميين يساهمون في تغذية الطلب في الاقتصاد في الفلسطيني، وبالتالي الرواتب ومدفوعات السلطة تساهم في زيادة الطلب في الاقتصاد الفلسطيني وتحريك العجلة الاقتصادية، لكن المشكلة منذ 3 أشهر أن أولئك الموظفين يتقاضون نصف راتب، إضافة إلى أن كورونا والإجراءات الحكومية (غير المدورسة) قاسية وغير مبررة، فالإغلاقات لم تمنع تفشي كورونا، وفي الإغلاق كان الاختلاط غير الصحي موجوداً”.
ويضيف موسى: “إن الموظفين تماشوا وصبروا، لكن هناك حدوداً لصبرهم، ففي العام الماضي توقفت الرواتب، ودُفع نصف راتب، لكن كانت الحياة الاقتصادية مستمرة، اليوم هناك إغلاق بسبب كورونا، وأزمة رواتب لدى الموظفين، فالوضع ليس سهلاً”.
ويتابع: “الإغلاقات خفضت قدرة الاقتصاد، وكثير من المنشآت كانت تتراكم عليها مستحقات، وانخفض دخلها خلال هذه الفترة، ما أدى إلى تراجع الاقتصاد الفلسطيني، وأيضاً ظهرت مشكلة تراجع الشيكات، وكل ذلك سيؤثر على الوضع الاقتصادي الفلسطيني المستقبلي، ويتطلب خطة إنعاش اقتصادي قوية لمنع الانهيار التام للاقتصاد الفلسطيني، وكل ما يجري سيُدخل الاقتصاد الفلسطيني في دوامةٍ صعبةٍ جداً، والخروج منها ليس بالشيء السهل”.
ويؤكد موسى أنه يتطلب من مراكز الأبحاث والحكومة أن تقوم بإعداد خطة طوارئ جدية تدرس فيها الخيارات المتاحة، وتدرس الإمكانات التي تؤكد الخروج باستراتيجية وطنية من أجل منع انهيار الاقتصاد الفلسطيني، وتعديل الحالة السابقة، في ظل تراجع الدعم الدولي بسبب وباء كورونا، ما يفرض علينا المزيد من العمل الجاد بخطة النهوض بالاقتصاد الفلسطيني، ووقف عملية الانهيار القائم.
ويضيف موسى: “إن وقف عملية الانهيار والنهوض بالاقتصاد بحاجة إلى خطة دعم، وأن تعيد الحكومة المقاصة، أنا لا أرى مبرراً لاستمرار عدم قبول المقاصة، خاصة مع تأجيل خطة الضم، العام الماضي كان هناك خصم لأموال الشهداء والأسرى، والآن تأجلت خطة الضم”.
ويؤكد موسى أن “المقاصة ليست منحة إسرائيلية، بل هي أموال فلسطينية، وإسرائيل تقتطعها مقابل عمولة قيمتها 3% من قيمة المقاصة، والمقاصة جاءت نتيجة اتفاق أوسلو، وتحصل السلطة بموجبها على الجمارك والمكوس والضرائب التي تؤخذ على السلع التي نستهلكها عبر إسرائيل، واتفاقية أوسلو جعلت جباية الضرائب والمكوس على السلع مورداً خارجياً، على عكس الدول الأُخرى التي تجعلها مورداً محلياً”.
ويتابع: “كل دول العالم تعتمد على هذا المورد محلياً، وهي من تقوم بتحصيله، لكن اتفاقية أوسلو جعلت السيطرة على المعابر للإسرائيليين، ونتج عن اتفاق باريس أن تقوم إسرائيل بجباية أموال المقاصة”، مشيراً إلى أن أموال المقاصة تشكل 67% من الإيرادات المحلية، “والأصل أن نبحث عن طريقة الحصول على تلك الموارد والحفاظ عليها”.
ويشدد موسى على أنه “من أجل إنعاش الوضع الاقتصادي، يجب أن تتخلى السلطة عن بعض مواردها الداخلية عبر إعفاءات ضريبية، وتكون ضمن خطة إنعاش للمستقبل، بحيث تكون الإعفاءات الضريبية مستقبلية، لأن الناس لم يعملوا فترة أزمة كورونا، والإقدام على هذه الخطوة يؤلم السلطة، خاصةً أن المقاصة متوقفة، ما يوجب على السلطة إعادة النظر من موقفها بشأن أموال المقاصة”.
ويتابع: “لا بد من أن يكون هناك فريق اقتصادي قوي بجلسة موسعة لبحث الخيارات والإمكانات، ووضع خطة نهوض حقيقية تقوم بها السلطة من أجل وقف التدهور الاقتصادي الحالي”، فيما يشير إلى أن سياسة الإغلاقات خاطئة، “في أول 20 يوماً كان الإغلاق جيداً وجريئاً لوضع خطة لتوعية الناس وحصر الفيروس، لكن بعد ذلك لم يكن ناجحاً وموفقاً”.