بقلم: موفق ملكاوي
لنعترف ابتداء بأننا مشوشون، وأكثرنا تشوشا وزارة التربية والتعليم – في الأردن – التي بدا واضحا تأرجحها في القرارات العديدة والتصريحات التي جاء كثير منها متضاربا خلال أشهر طويلة.
في هذا المقال، سأكون منصفا للاعتبارات الكثيرة التي تتحرك الوزارة تحت تأثيرها واضطرارها في كثير من الأحيان إلى أن تكون غامضة في تصريحاتها، أو غير قاطعة فيها، على أقل اعتبار، خصوصا في ملفات ثلاثة، هي: عدالة التعليم، المعلمون، والتعليم الخاص.
لسوء حظ وزارة التربية، فإن الملفات الثلاثة ليست هي صاحبة الامتياز الأول والأخير فيها، إذ تتقاطع المصالح والاعتبارات والمسؤولية مع كثير من الجهات، لتصبح ملفات حكومة ودولة، متعدية دور الوزارة الذي رسمته لها في وضع السياسات الشاملة، وتحديد طرق إنفاذها.
في الملف الأول، كان يمكن للوزارة أن تضمن حدا أدنى من العدالة، والتي سنعترف أنها كانت منقوصة في عدد من جوانبها، خصوصا في البيئات الأقل رعاية في الأطراف. لكن، وقبل جائحة كورونا واعتماد التعليم عن بعد، كانت أوجه اللاعدالة أقل سطوعا، وتحددت في تردي البيئة المدرسية أو التأخر في تأمين معلمي بعض المواد، وأحيانا في ضعف الإدارات، والذي كان يتبدى في ضعف الانضباط، سواء من المعلمين أو من الطلبة أنفسهم.
لكن، ومع الجائحة توسعت ملامح اللاعدالة في شمولية التعليم، لتضم واحدا من التحديات التي لا يدخل تخطيها في اختصاص وزارة التربية والتعليم، وهي الفجوة الرقمية التي بدت واضحة بين المراكز والأطراف، كما لو أننا كنا نتحدث عن الفروقات بين دول الشمال ودول الجنوب.
تلك أزمة لا يمكن أن نسأل عنها الوزارة، بل هي نتاج عقم السياسات خلال عقود من التجريب، والتي لم تنتج شيئا سوى زيادة عزل المجتمعات الفقيرة، وتجذير تخلفها واتكاليتها، لتظل عالة على برامج الأمان الاجتماعي التي هي الأخرى لا تتصف بأي عدالة وشمولية.
الفجوة الرقمية باقية، وليس من المتوقع أن تختفي في الأردن قريبا، فالمسألة ليست مجرد قرار، بل هي سياق كامل لتوزيع مكاسب التنمية بعدالة. هذه الفجوة تشمل، ليس فقط القدرة على امتلاك التكنولوجيا، بل أيضا المهارات المطلوبة للاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، وهي مهارات سنجد أنه يفتقر إليها طلبة ومعلمون.
في هذا السياق، أيضا، يمكن النظر إلى محددات الثقافة الموجودة، وأقصد بها ثقافة التعليم وتقاليده التي استتبت على مدى عقود، وتحددت، ليس كمرسل ومستقبل فحسب، بل أيضا بـ»ثقافة الغرفة الصفية» التي احتكم إليها الطالب والمعلم، وهي ثقافة لم «يتدرب» الطرفان على الخروج من اشتراطاتها.
الملف الثاني، هو المعلمون، الذين احتموا خلف مجلس نقابتهم، خلال معركة كسر عظم مع الحكومة. وعلى اختلاف توجهاتها وتصريحاتها، ظلت الوزارة في خطابها الذي أطلقته للعموم، وأرادته خفيا باتجاه المعلمين، أن يكون التأكيد واضحا على عودة التعليم الوجاهي، لكن أن يظل الباب مفتوحا واسعا على التحول نحو التعليم عن بعد في أي لحظة. إنها رسالة مهمة، أرادت من خلالها أن تتخطى أي عقبات يمكن أن تنشأ في لحظة ما، خصوصا أنها لا تريد أن تدخل في دوامة شبيهة لما حدث العام الماضي، حين نفذ المعلمون أكبر إضراب في تاريخ الأردن.
الملف الثالث، كان قطاع التعليم الخاص، فثمة مستثمرون فيه. لقد مثّل هذا القطاع واحدا من الأسانيد المهمة للتعليم الحكومي، وأزاح عن كاهله عبئا من مئات الآلاف من الطلبة.
في هذا الجانب، كان الخطاب موجها للأهالي، بأن يطمئنوا إلى أن التعليم في المدارس الخاصة سيكون وجاهيا. لقد أرادت الوزارة أن تحقق معادلة الحكومة في الحفاظ على استمرارية القطاع الخاص. هو ليس ملفها، لكنها تبرعت بالتصدي له، أو تم انتدابها لهذا التصدي بلا أي ضرورة.
ملفات ثلاثة وقعت الوزارة أسيرة لها، وظلت تتحرك بحذر في منعطفاتها. نعم لقد حاولت، ولكنها تعثرت كثيرا، لدرجة أننا لا نستطيع أن نمنحها علامة النجاح.
رغم ذلك نقول بكل صراحة، إن الملفات التي قيدت حركة وزارة الدكتور تيسير النعيمي، هي ملفات دولة لم تستطع أن تتبنى سياسات عادلة لجميع أطراف المعادلة. واليوم، ونحن نشهد تضاعفا في عدد حالات كورونا المحلية، ربما تكون هناك قرارات مهمة مرتقبة، من بينها التحول إلى التعليم عن بعد. ربما من الأجدى أن تكون الوزارة واضحة وصارمة حين تواجه مثل هذا القرار، وألا تضع في اعتباراتها الحساسيات الكثيرة التي تثيرها هذه الملفات.
عن “الغد” الأردنية