التطبيع… عندما تعدّد السجّانون في إغلاق الأبواب على الأسرى

21 سبتمبر 2020آخر تحديث :
التطبيع… عندما تعدّد السجّانون في إغلاق الأبواب على الأسرى
التطبيع… عندما تعدّد السجّانون في إغلاق الأبواب على الأسرى

بقلم: عيسى قراقع*

يبدو أن المطبعين في البحرين والإمارات ومن على شاكلتهم لم يعرفوا يوماً مصاعب الطريق إلى الحرية ولم يمروا بها، فكان سهلاً عليهم الاستسلام والتحالف مع العدو الصهيوني في مشهد تجاوز حد التطبيع إلى حد الخيانة.

المطبعون لم يروا في إسرائيل كسلطة محتلة سوى مصالحهم ورفاهيتهم ودونيتهم عندما باعوا أنفسهم وأصبحوا عبيداً لدى الأعداء، انبهروا بشواطئ البحر المتوسط الجميلة، بحرنا، وبالمدن والمستوطنات الضخمة، لكنهم لم يروا أن تحت هذه المدن وفي عمق هذا البحر تقبع بيوتنا المهجرة المنكوبة ومقابر أجدادنا ودمائنا وأمواجنا العالية.

المطبعون كأنهم لا يعرفون عن أكثر من مليون فلسطيني اعتقلوا في سجون الاحتلال الاسرائيلي، ضحوا بأعمارهم وشبابهم لأجل فلسطين قلب الوطن العربي وروح الأمة العربية، ضحوا لأجل الكرامة والشرف العربي ومن أجل القدس درة تاج العرب والمسلمين والعالم قاطبةً، ولولاهم لما ظل عربي على قيد الحياة.

المطبعون الذين وقعوا اتفاق التخاذل في واشنطن لم يدينوا الاحتلال بكلمة واحدة، لم يفرجوا عن طفلاً أسيراً أو امراة أو مريضاً، لم يزيلوا حاجزاً عسكرياً أو مستوطنة، فإذا كانت الأيادي الاسرائيلية هي التي تغلق الأبواب على الأسرى فقد تعددت الأيادي الآن، ظهرت أيادي عربية تحمل الأقفال والمفاتيح والقيود البغيضة.

المطبعون لا يعرفون شيئاً عن كريم يونس وماهر يونس ومروان البرغوثي وأحمد سعادات والمئات من الأسرى الذين تكبر عظمتهم وشموخهم داخل السجون سنة وراء سنة أكثر من مساحة دولهم وإماراتهم وأبراجهم، ولا أدري كيف تسمى تلك بدول حرة يجهل حكامها التاريخ ومن يصنع الإرادات الحرة، هؤلاء المطبعون ظهروا أقزاماً صغرت في أعينهم العظائم.

التطبيع هو التطبيق العملي للرؤية الأمريكية التي تسمى صفقة القرن، الخطة الأمريكية تنص على تشجيع الولايات المتحدة الأمريكية بقوة الدول العربية على البدء في تطبيع علاقاتها مع دولة إسرائيل لاقامة ما يسمى سلام الرفاهية والإزدهار على حساب حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.

التطبيع هو المصادقة العلنية على صفقة القرن التي تتماهى مع الموقف الإسرائيلي ومع سرديته في تجريم العمل النضالي الفلسطيني والتعامل مع الأسرى كإرهابيين، المطبعون يشاركون الإسرائليون في نزع مشروعية نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وتجريد المكانة القانونية للأسرى بصفتهم أسرى حرية.

التطبيع هو موافقة هذه الدول المتخاذلة على تأبيد الأسرى في السجون والزنازين المظلمة وابقائهم تحت رحمة السجانين، التطبيع أضفى شرعية على قوانين القمع العنصرية الاسرائيلية والانتهاكات الجسيمة بحق أبناء شعبنا وبحق أسرانا في السجون.

التطبيع هو محاولات بائسة لبناء جدران عزل جديدة حول قضية الأسرى كقضية تحتل مكانة جوهرية في الوجدان الفلسطيني والعربي، وأن اطلاق سراح الاسرى يعتبر محكاً لبناء سلام عادلٍ في المنطقة، الأسرى قاتلوا من أجل حرية كل عربي شريف مما جعل من اتفاقية التطبيع تمثل خنوعاً اخلاقياً وقومياً وسياسياً.

لم يعرف المطبعون أن الأسرى يعيشون على قوة الأمل، تجاوزوا كل أشكال اليأس والإحباط والمنعطفات الخطرة، الإرادة الحية تجعل للقدمين جناحين، وإذا كان الأعداء يشنون حرباً على الأسرى ويطرقون الأبواب بشدة، فلن يسمح الأسرى للمطبعين الدخول إلى أرواحهم وأحلامهم ومايربطهم بقضيتهم العروبية من وشائج تاريخية وثقافية وقومية.

المطبعون يحاولون تبرئة الاحتلال من جرائمة وتبييض صفحاته السوداء وممارساته الوحشية بحق شعبنا الفلسطيني والعربي، المطبعون استعدوا لوضع ثرواتهم ونفطهم تحت النهب في ايدي الأعداء لاستثمارها في انتاج أدوات القمع العسكرية والأمنية وتعميق الإحتلال، هي مباركة من المطبعين للمحتلين وتشجيعهم على مواصلة جرائمهم المنظمة وانتهاك القانون الدولي وزيادة حلكة الظلام على المناضلين في السجون ووحشة القبور على الشهداءفي التراب.

لم يفهم المطبعون أن الحرية لا يمكن تعليبها أو تسليعها بمشاريع تنموية واقتصادية، لهذا كان موقف الشعب الفلسطيني الذي فضل العيش مع النضال من أجل الحرية في ظل المخاطر والتحديات على العيش مع الإذلال والعبودية في ظل ما يسمى سلام الإزدهار هو الضمان الأكبر أمام عدم تمرير تلك المشاريع التطبيعية التآمرية.

هي رسالة من أكثر من خمسة آلاف أسير وأسيرة يقبعون في سجون الإحتلال موجهه الى هؤلاء المطبعين تقول لهم: ان ارادات الشعوب هي الباقية دائماً، وهي المنتصرة دائماً، وأن تلك الأنظمة المطبعة ليست أكثر من أسماك ميتة متعفنة تطفو على السطح.

الأسرى يقولون لكل حاكم عربي يهرول للتطبيع مع دولة الإحتلال ما قاله الشاعر العربي محمد مهدي الجواهري:

باقٍ وأعمارُ الطغاةِ قصارُ

من سفرِ مجدك عاطرٌ موارُ

والمجدُ أن تهدي حياتك كلها

للناس لا برمٌ ولا اقتارُ

والمجدُ أن يحميك مجدك وحده

في الناس لا شرط ولا أنصارُ

والمجدُ اشعاع الضمير لضوئه

تهفو القلوب وتشخص الأبصارُ

والمجدُ جبارٌ على أعتابه

تهوي الرؤوس ويسقط الجبارُ.

*عضو المجلس التشريعي، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين السابق