- 21-09-2020 | 08:12
- سعيد صبري
بقلم: الدكتور سعيد صبري*
بعد قرابة أكثر من ستة أشهر من بدء جائحة كورونا، وبعد ان كنا كفلسطينيين سباقين في تطبيق معايير صحية للجم الوباء عن أبناء شعبنا وحمايتهم وذلك بفرض اجراءات الحجر والحد من التنقل ، اعتقادا منا انها الوسيلة الانجع لحماية المواطن، رافعين شعار “صحتكم أولا”، مما أدى الى تدمير الاقتصاد الفلسطيني، يستعيد الفايرس مكانته وهجومه علينا مرة اخرى ونحن ما زلنا مكبلين في ذيول المصائب الاقتصادية المتنوعة التي خلفها ذاك الفايرس الشنيع.
أكدنا سابقا ان الاقتصاد هو الأساس، وطالبنا بتوازن بين الاقتصاد والصحة، الا ان المواطن الفلسطيني الذي يجمع قوته اليومي من العمل اليومي لم يلمس سوى شعارات وخطابات وتصريحات “اننا نعمل من اجل ذلك التوازن المنشود بين الاقتصاد والصحة”.
تشير احصائيات صادرة عن جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني ان عدد العمالة شهد انخفاضا وصل الى 12% في الربع الثاني من هذا العام اي بين شهري نيسان وحزيران من هذا العام ، حيث انخفض عدد العاملين من 1.009,900 عامل في الربع الاول الى 888,700 عامل بالربع الثاني. وتشير الاحصائيات ان17% نسبة الانخفاض بقطاع غزة بينما وصل بالضفة الغربية الى 10% . ومن الواضح ان النسبة الاعلى للانخفاض سجلت بين العاملين الذين يعملون لحسابهم الخاص( مشاريع احادية الملكية) حيث انخفض عددهم بمقدار 101 الف عامل، وهم من اصحاب الدخل المحدود ، ممن يعملون بقطاعي التشييد والانشاءات وقطاع السياحة.
ومن اثار الحجر المنزلي الذي تم فرضه بسبب جائحه كورونا عزوف عدد كبير من جيل 15 عاما فاكثر من دخول سوق العمل والذي ادى الى انعكاس سلبي بنسبه المشاركه في القوى العاملة التى وصلت الى 39% بالربع الثاني مقارنة بنسبة المشاركة بالربع الاول من هذا العام التى وصلت الى 43%.
في حين نعاني من زيادة في اعداد البطالة الفلسطينية بين الشباب حيث تشير الاحصائيات ان نسبة البطالة قد وصلت الى 321.400 فلسطيني، يضاف اليها اعداد اضافية من جيوش البطالة بعد اغلاقات كورونا، حيث يقدر نسبه العاطلين عن العمل من الذكور بـ 23% ومن الاناث 41%. كما ان الحلول المقترحة من قبل سلطة النقد الفلسطيني والحكومة الفلسطينية تتمثل بطرح برنامج الاستدامة (وقيمته 300 مليون دولار) ولغاية الآن لم يستفد منه سوى عدد محدود من الشركات الكبيرة. ويقدر حجم الاستفادة بـ 30 مليون دولار لغاية الآن بينما لم يوفر حلولا للقطاعات الانتاجية الصغيرة والتي تمثل 90% من القطاع الاقتصادي.
وهنا يجب ان نتوقف أمام معضلتين أساسيتين :
الاولى :هل الاقتصاد الفلسطيني يتحمل العواصف. والثاني: أين التعاون والتناغم بين القطاع العام والخاص الفلسطيني .
لقد تم تحديد معايير اقتصادية عالمية ثابتة يقيم على اثرها النظام الاقتصادي للدول ومدى قدرته على التحمل و كذلك درجات المناعة للاقتصاديات ويتم تحديدها باربع نقاط رئيسة :- اولا: الاستقرار الاقتصادي الكلي ( المالي والنقدي) وثانيا:- الاستقرار السياسي والأمني وثالثا: الحوكمة وسيادة القانون ورابعا: الشراكات المجتمعية (الشركاء الاقتصادين والاجتماعين).
وحين إسقاط تلك المعايير العالمية على الاقتصاد الفلسطيني نجد انه يعاني من عدم توافق وتطابق بين تلك المعايير والواقع الحالي للاقتصاد الوطني ، في حين نعاني من الاستقرار المالي والنقدي ، نعاني الكثير من الحوادث الامنية من قتل وخلافه مما يؤثر على النسيج الوطني، يضاف اليها عوامل الحوكمة وسيادة القانون والثغرات بهذا الشأن، وضعف الشراكة بين القطاع العام والشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين.
القطاع الاقتصادي بمهب الريح، ان الاقتصاد الفلسطيني بين عدم مقدرة الحكومة دفع الرواتب وسداد التزماتها وبين جفاف مصادر الدخل الحكومي من مساعدات اجنبية وعربية وبين عدم دفع المقاصة ، وبين الانكماش الاقتصادي، الذي نشهده بالاقتصاد الفلسطيني يترتب على الحكومة الفلسطينية العمل ضمن استراتيجية جديدة تبني على اساس خلق شركات محلية بينها وبين الشركاء الاجتماعيين والاقتصاديين.
وبدلا من اطلاق نداء استغاثه ، يجب ان نفكر كيف نستطيع ان نتعاون لكي نغيث الاقتصاد الفلسطيني ، وفي هذا السياق اقترح جملة من الاقتراحات لاصحاب القرار:-
اولا: القطاع الخاص الفسطيني: نحن بأمس الحاجة الأن لتكثيف العمل بين القطاع العام والخاص الفلسطيني وتحديدا من خلال “المجلس التنسيقي للقطاع الخاص” الذي ينضوى تحت مظلته 12 مؤسسة من القطاع الخاص من مؤسات تمثل قطاعات صناعية، وتجارية، الى قطاع خدماتية ومالية ، ان صوت القطاع الخاص يجب ان يسمع ليس في الاعلام او على المنابر بل في تأطيره بعمل مشترك بين القطاعين العام والخاص وعلى القطاعين العمل على العناوين التاليه: اولا: الحد من البيروقرطيه، وتقليل كلفة النقل، وتجميد الزيادة بالرسوم الحكومية واعفاء قطاعات كاملة، والسماح بالتملك الكامل للمستثمرين.
• انني ارى بالقطاع الخاص الفلسطيني أساسا وشريكا استراتيجيا في الخروج من هذه الازمة والوضع الاقتصادي السيء، مع التأكيد ان القطاع الخاص يجب ان يتحمل جزءا من المسؤولية كما يجب ان يلقى على عاتقه مسؤوليات يستطيع تحقيقها ، كجذب وتنشيط الاستثمارات الوطنية والاقليمية والاجنبية، كما ان الدور المكمل الذي قد يرتقى به القطاع الخاص يعزز النمو الاقتصادي ، ويوفر فرص عمل جديدة للشباب ، ان مرونة وامكانيات القطاع الخاص في المشاركة والابتكار ايضا من أهم العناوين التى قد يخلق تميز فلسطيني محلي وعالمي من خلاله ، واخيرا وفي ظل الازمة المالية اجد ان تخفيض وطأه الانفاق الحكومي ، ومشاركة المخاطر مع القطاع الخاص . ان الشراكة بين القطاع العام والخاص تساعد على ابراز دور للحكومة في التركيز على السياسات والاستراتيجيات واعطاء دور محوري للقطاع الخاص في التنفيذ اضافة الى توفير رأسمال القطاع الخاص من معارفه وخبراته.
• البدء حالا بتأسيس وحدة مركزية للشراكة بين القطاعين العام والخاص ، والعمل على وضع الاطار التشريعي والقانوني المنظم للشراكة بين القطاعين واتخاذ اجراءات لضمان شفافية منظومة الشراكة بين القطاعين .
• تجميع الخبرات بين القطاعين العام والخاص في “بيت للخبرة”، بدل من تشرذم تلك الخبرات في اطر مختلفة ، وتوحيد الجهود لاصحاب الخيرات في اطار وطني يجمع الشفافية بين القطاعين العام والخاص والذي يصبح عنوانا منشودا لدعم الاقتصاد الفلسطيني.
ان توحيد الجهود والطاقات والكفاءات في سبيل اعادة احياء الاقتصاد الوطني، مهمة وطنية، جنودها الشعب فلنعمل سويا لحماية الاقتصاد وبناء وطن.
*مستشار اقتصادي دولي وشريك وممثل إقليمي لصندوق المبادرات- فاستر كابتل- بدبي