الرشوة فساد مقنن

29 سبتمبر 2020آخر تحديث :
الرشوة فساد مقنن
الرشوة فساد مقنن

بقلم: د. حنا عيسى – أستاذ القانون الدولي

الرِشْوَة (جمعها رِشا) نــوع من الفساد، يُطلق على دفع شخص أو مؤسسة مالاً أو خدمة من أجل الاستفادة من حق ليس له، أو أن يعفي نفسه من واجب عليه. وتنقسم التشريعات الحديثة في نظرتها إلى الرشوة إلى اتجاهين: الاتجاه الأول يرى أن الرشوة تتكون من جريمتين مستقلتين أحدهما يرتكبها الراشي والأخرى يرتكبها المرتشي، وهذا يعني أن كل جريمة يصح فيها العقاب مستقلة ومنفصلة عن الأخرى، فكل منهما تعتبر جريمة تامة بكل عناصرها وأوصافها وعقوباتها، وعليه فان فعل الراشي لا يعد اشتراكا في جريمة المرتشي بل هو فعل مستقل يعاقب عليه القانون منفردا. ويصطلح على تسمية جريمة الراشي ” جريمة الرشوة الايجابية ” وجريمة المرتشي “الرشوة السلبية”. أما الاتجاه الثاني فيرى أن جريمة الرشوة هي جريمة واحدة، جريمة موظف يتاجر بوظيفته، فالفاعل الأصلي هو الموظف أو القاضي المرتشي أما الراشي فهو شريك له يستعير منه اجرامه.

وهو ما يعطى لإبطال حق، او إحقاق باطل، وهي اسم للمال الذي يقصد به التوصل الى المهدى اليه، وهي ما يعطيه الشخص الى الحاكم او غيره ليحكم له او يحمله على ما يريد، وهي كل مال دفع ليبتاع به من ذي جاه عونا على ما لا يجوز.

*اسباب الرشوة:

1- انعدام الضمائر.

2- عدم الايمان.

3- الظروف الاقتصادية والفقر.

4- فساد الانظمة.

5- الأسباب السياسية: الرشوة داء منتشر في أغلب الأنظمة السياسية، فهي لا تقتصر على الدول النامية والمتخلفة، بل نراها سارية في المجتمعات المتقدمة وإن كان بنسب أقل.

فالرشوة تكون بنسبة أعلى في الأنظمة السياسية التي لا يوجد عندها مساحة كبيرة من الديمقراطية والشفافية والمساءلة. ولا تتاح فيها حرية التعبير والرأي والرقابة، بحيث لا تخضع تصرفات السلطة السياسية للتنقيب والمساءلة والنقد، في ظل عدم وجود أجهزة إعلام حرة قادرة على كشف الحقائق وإظهار مواطن الفساد. كما يساعد على انتشار الرشوة ضعف السلطة القضائية بحيث تبدو فاقدة لاستقلالها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، الأمر الذي يؤدي إلى أن القانون لا يطبق على الجميع وأن هناك أشخاص فوق القانون تبعاً لمنصبهم السياسي والإداري.

6- الأسباب الإدارية: وتلعب الإدارة دوراً كبيرا في مكافحة الرشوة، لا بل تعد مسؤولة مسؤولية تامة عن مكافحتها، ولعل أهم الأسباب الإدارية التي تؤدي إلى تفشي الرشوة، مـا يلي:

– غموض الأنظمة وتناقض التشريعات وكثرة التفسيرات.

– تخلف الإجراءات الإدارية والروتين والبيروقراطية.

– ضعف دور الرقابة وعدم فعاليتها وافتقارها إلى الكوادر المؤهلة والمدربة.

-عدم اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب.

7- الأسباب الاقتصادية: وهي من أهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار الرشوة، وهذا الأمر يعود إلى:

-انخفاض مستوى المعيشة وتدني الأجور مقابل الارتفاع المستمر في الأسعار.

– سوء توزيع الدخل القومي: الأمر الذي يجعل الأموال تتمركز لدى حفنة من الأشخاص، وهذا الأمر يؤدي إلى زيادة حد الانقسام الطبقي، حيث تصبح الطبقة الغنية أكثر غنى والطبقة الفقيرة أكثر فقراً.

8- الأسباب الاجتماعية: الرشوة تعتبر سلوك اجتماعي غير سوي قد يلجأ إليه الفرد أو الجماعة كوسيلة لتحقيق غايات لا يستطيع الوصول إليها بالوسائل المشروعة أو بالطرق التنافسية المتعارف عليها:

– ضعف الوعي الاجتماعي: فكثيراً ما نجد أن الانتماءات العشائرية والقبلية والولاءات الطبقية وعلاقات القربى والدم سبب رئيسي في هذه الانحرافات الإدارية، بحيث يتم تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة.

– تدني المستوى التعليمي والثقافي للأفراد: حيث أن شريحة كبيرة من أفراد المجتمع تفتقر إلى الثقافة العامة، ناهيك عن الثقافة القانونية، فجهل المواطن بالإجراءات الإدارية، وجهله بالقانون يجعل منه فريسة سهلة المنال بالنسبة للموظف الذي يحاول دوماً تعقيد الإجراءات للحصول على الرشوة.

– ضعف إحساس الجمهور بمدى منافاة الرشوة لنظم المجتمع: فبعد أن كان المرتشي يعد في نظر المجتمع مرتكباً للخطيئة أصبح الأفراد يشعرون بأن دفع مقابل لإنجاز بعض أعمالهم لا يعتبر رشوة، بل يجتهدون لإسباغها بنوع من المشروعية، فالبعض يسميها إكرامية أو حلوان أو ثمن فنجان قهوة أو أتعاب … الخ.

9- ضعف الوازع الديني والأخلاقي: حيث يعتبر الوازع الديني هو الرادع الأقوى والأجدى من جميع العقوبات الوضعية.

*اضرار الرشوة:

1- سبب لقطع الحق من صاحبه وإيصاله إلى غيره الذي لا يستحقه.

2- الرشوة ترغم صاحب الحق أحياناً أن يدفع شيئا من ماله حتى يدرك حقه.

4- الرشوة تدعو إلى الاتكالية: إذ إن الذي يأخذها يميل إلى الاتكال وسرقة أموال الآخرين.

5- الرشوة سبب لنشر البغض والحقد والفوضى وهضم الحقوق.

6- تدمير المبادئ والأخلاق: إن انتشار ظاهرة الرشوة في مجتمع من المجتمعات يعني تدمير أخلاق أبناء هذا المجتمع وفقدان الثقة بين أبنائه، وانتشار الأخلاقيات السيئة كالتسيب واللامبالاة، وفقدان الشعور بالولاء والانتماء، وسيطرة روح الإحباط.

7- إهدار الأموال وتعريض الأنفس للخطر.

*علاج الرشوة:

1- الإصلاح السياسي وهو محور الارتكاز للإصلاح الإداري والقضاء على الفساد من خلال المحاور المتمثلة في صور الممارسات السياسية غير السليمة وأشكالها.

2ـ الإصلاح الإداري من خلال التنظيم والأدلة الإجرائية على مظاهر التسيب وتحسين الدور الرقابي للدولة.

3ـ الإصلاح الاجتماعي من خلال التعليم والأسرة والمجتمع بنبذ الفئوية والفردية في مجال الوظيفة العامة وتدريس القيم والأخلاقيات الوظيفية.

4ـ تفعيل وتطبيق القانون من خلال تطوير النظم والتشريعات الحالية وتطبيق القانون على المسيء، حتى يكون عبرة لغيره.

5ـ وجود وثيقة إصلاح وطني شاملة يتعهد الجميع على العمل بها وتفعيله واتخاذ الخطوات اللازمة للتغيير المجتمعي الشامل.

6 – تطبيق القانون للقضاء على التجاوزات والتخلص من المحسوبات والقضاء على الواسطة.