الدول المانحة و”الرؤية الجديدة” للاقتصاد الفلسطيني

5 أكتوبر 2020آخر تحديث :
الدول المانحة و”الرؤية الجديدة” للاقتصاد الفلسطيني
الدول المانحة و”الرؤية الجديدة” للاقتصاد الفلسطيني

بقلم: الدكتور سعيد صبري*

ما يقارب أكثر من 37 مليار دولار حجم المساعدات والمنح المقدمة من قبل الدول المانحة للسلطة الفلسطينية منذ تاريخ إنشائها بعام 1994 ولغاية 2018 ، وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوروبي أكبر الداعمين للسلطة الفلسطينية حسب احصائيات رسمية تم نشرها سابقا، وقد صُرفت إلى حدٍ كبير على بناء المؤسسات الفلسطينية والنمو الاقتصادي والمساعدات الإنسانية، بالاضافة الى دعم ميزانية السلطة من رواتب وغيرها.

بينما يبقى 61% من مساحة الضفة الغربية خاضعة للسيطرة الاسرائيلية الكاملة ، ذات الاغلبية الأعلى في عدد السكان من المستوطنين والتي تعتبر مناطق محرومة من التنمية الاقتصادية. وفي الوقت ذاته يعاني الاقتصاد الفلسطيني من حالة مزرية، حيث يخضع لعملية ممنهجة لتهجير الاستثمار والمواطن وإضعاف القدرة للاقتصاد على المقاومة والبقاء.

تشير دراسة حديثة نشرت من قبل مؤسسات دولية ان ما يزيد عن 65% من حجم المساعدات والمنح المقدمة من دول العالم ينتهي بها المطاف بالاقتصاد الاسرائيلي ، ويضاف لهذا البند الى البنود العديدة التى تهيمن إسرائيل على اقتصادنا الوطني.

اما القطاع المصرفي فان حجم الأصول في هذا القطاع يصل لـ15 مليار دولار، ونسب الإقراض-الودائع حوالي 50%، تذهب معظمها للتسهيلات التجارية وقطاع العقارات، ونسبة قليلة منها تذهب للقطاعات الصناعية والإنتاجية الأخرى، حيث وصلت مديونية السلطة والموظفين معا للبنوك الى 4.3 مليار دولار في العام 2019، وذلك يمثل نسبة 38% من إجمالي التسهيلات البنكية المعطاة.

في ظل الاستعراض السريع للواقع الاقتصادي والتحديات الاقتصادية الذي يعاني منها سوق صغير ناشيء كسوق فلسطين، ويثار مجموعة من الاسئله والتساؤلات عن مستقبل هذا الاقتصاد الذي كان يعاني من الشح قبل ازمة كورونا والان يعاني وضع صعب ومزري نستطيع وصفه “بالوضع الكارئي” المؤدي نحو” الانهيار الاقتصادي” في ظل شح المصادر الماليه التي كنا نعتمد عليها بالماضي القريب من مساعدات من دول غربية او عربية .

لا اعتقد جازما ان دول العالم ما بعد كورونا لديه الامكانيات المادية لدعم فلسطين اقتصاديا كما قدمت لنا الدعم سابقا، ولا أعتقد في ظل المتغيرات السياسية العالمية والعربية ان يتوفر دعما ماديا مماثلا لما قد تلقيناه سابقا. وقد قضينا 26 عاما ولم ننجح في بناء اقتصاد وطني مكافح للازمات . فهل نحن الآن وفي ظل الشح المالي وتراكم الديون من رواتب موظفين والتزامات حكومية وازمة كورونا ان نبنبى اقتصاد وطني سيواجه الهجمة الشرسة على اقتصادنا ووطننا والمواطن؟

العصا السحرية “رؤية مستقبلة جديدة “: انقاذ الاقتصاد سؤدي للانقاذ المواطن : ساستعرض نماذج ناجحة من التاريخ قد نتشابه بواقعها مع بعض التغيرات في الحقبة الزمنية، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت الدول باعادة صياغة اقتصادها وخرجت بصياغة مباديء أصبحت قوانين لإنشاء اقتصاد ناجح ، يعتمد على خرق نمو اقتصادي متصاعد يتناسب مع الزيادة في عدد السكان والاستفادة من المصادر المتاحة محليا ـ وقد اطلق عليها “متطلبات” لاعادة إحياء الاقتصاد ، وقد حققت تلك المتطلبات ما يلي:

اولا: استطاعت ان تحقق معدلات مرتفعة ومستدامة في النمو الاقتصادي.

ثانيا: حققت تنمية مستدامة اقتصادية- واجتماعية عادلة.

ثالثا: تناغمت مع موجة التغييرات الحاصلة في الاقتصاد العالمي.

فما هي المتطلبات وهل نستطيع ان نعمل على تنفيذها؟ نحن الآن بأمس الحاجة الى اعادة صياغة أهدافنا الاقتصادية بما يتناغم مع المتطلبات والبدء بالذات اولا والبيت الفلسطيني الداخلي لاعادة صياغة للمعايير والتي ستخدم ديمومة العمل للاجيال القادمة.

ان المتطلبات الثلاثة المطلوب العمل عليها وطنيا تتلخص فيما يلي:

اولا: تعزيز الوجود لدولة فعالة ذات هيكلية قوية ومتحدة تستطيع ان تضمن حماية للفرد الفلسطيني والجماعات ، في كافة المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية والدينية ، وان يكون النهج الديموقراطي نهجا لها. كما انه يجب من الحكومة ان تمارس الشفافيه في اعمالها وان تكون خاضعة للمسائلة من ممثلي الشعب .

ثانيا: ان تتبع الحكومه وكافة الهيئات التابعة لها القانون كمرجعية لعملها ، وان تمارس مبدأ الكفاءه في عملها ، وان تتحمل كافة المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية تجاه الشعب بمهنية عالية وهذا يتضمن المؤسسات التالية: التشريعية ، والقضائية، والتنفيذية ، وان نتميز بالمهنية العالية بالعمل والاعتماد اولا واخيرا على الكفاءه كمعيار للعمل .

ثالثا: إنشاء بيئة سليمة وآمنة للأنشطة الاستثمارية والأعمال التجارية، وحماية حقوق الملكية، وتوفير بيئة تنظيمية عادلة وفعالة، ومكافحة الفساد، وتعزيز التوزيع العادل لعوائد النمو، بما في ذلك توفير الحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والمهمشة. وذلك سعيا نحو استقطاب مستثمرين او استقطاب ممولين.

نحن اليوم بحاجة الى صياغة العلاقة مع الممولين مجندين “برؤية جديدة” والتي تتجاوب مع الواقع الجديد ، نظام الشراكة مع الدول المانحة، وبحاجة الى صياغة العلاقة والمتطلبات المحلية بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية الجديدة . وفي هذا الاطار فانني اقترح ان يتم ترسيم العلاقة بالاطار التالي:-

اولا: العمل على البدء باعادة هيكلة المؤسسة الفلسطينية وتنفبذ اصلاحات التي ستؤدي الى رفع الاداء المالي المهني بما فيها النظام الضريبي والجمارك لجعله يتناسب مع متطلبات العالمية حسب المؤشرات المالية لنظام الشفافية العالمي، وايضا العمل على اعادة صياغة الاطار للنظام القضائي ايضا.

ثانيا: الطلب من الجهات المانحة العون لتدعيم اعادة الهيكلة الادارية والتنظيمية والتنفيذية في السلطة

ثالثا: العمل مع الدول المانحة على تشجيع الشراكات مع المؤسسات المختلفة الممثلة للقطاع الخاص وشركائها بالقطاع العام

رابعا: العمل مع الدول المانحة على خلق تكامل اقتصادي بين الضفة الغربية وقطاع غزة

خامسا: تطوير الية داعمة مع الدول المانحة لدعم مدينة القدس وذلك باستحداث صندوق داعم لاعادة بناء القدرة الانتاجية لاقتصاد المقدسي لتعزيز الميزة التنافسية، واعادة تفعيل المؤسسات الفلسطينية بالمدينة المقدسة.

سادسا: تعزيز وتطوير دور القطاع المصرفي الفلسطيني في تمويل الانشطة الافتصادية وذلك بتطوير ادوات واليات وحوافز من قبل سلطة النقد الفلسطيني لصالح الشركات الصغيرة والمتوسطة ودعم الريادة الاجتماعية المبتكرة والتى تتمثل في اغناء المجتمع بحلول تكنولوجية خلاقة .

النتيجة:- ان نعمل ضمن الاطار المقترح سابقا سيؤدي الى ارتفاع بمعدل النمو الاقتصادي من معدله المنخفض الحالي البالغ 1% الى قرابه 5% سنويا ليستمر لمدة قد تصل الى 10 سنوات قادمة وسيتضاعف حجم الاقتصاد ، اي يعني سيرتفع نسبة نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ما نسيته 60% اي من 806$ حاليا الى 1290$.

لنصنع وطنا يحتذى به العالم كنموذج رائد ، ويبقى نموذجا يفتخر به الاجيال القادمه ، فلنوحد الصفوف ونبني رؤية جديدة موحدة .

*مستشار اقتصادي دولي، وشريك وممثل اقليمي لصندوق المبادرات- فاستر كابتل- بدبي