بقلم: أنطوان شلحت
على الرغم من أن أخصائيين نفسيين كثيرين قد يربأون بأنفسهم أن يكتبوا تحليلات لشخصية وسلوكيات زعماء وقادة سياسيين، استنادًا فقط إلى خطاباتهم ومقابلاتهم الصحافية وما شابه ذلك، من منطلق أن إحدى القواعد الأساسية لمثل هذه التحليلات تتمثل في وجوب عقد حواراتٍ وجهًا لوجه مع الشخصية المُراد تشريحها على سرير التحليل النفسي؛ عرف التاريخ الحديث حالات تحليلٍ كهذه، لعل أشهرها الحالة التي جرى فيها تحليل شخصية الزعيم النازي، أدولف هتلر، من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي. آي. إيه” في نهاية عام 1943، وخلص مُعدّها إلى استنتاج تبيّن فيما بعد أنه صحيح، فحواه أن هتلر، في حال هزيمته، لن يخوض مفاوضات من أجل الاستسلام أو التوصل إلى تسويةٍ، بل سيُقدم على الانتحار.
في دولة الاحتلال الإسرائيلية ثمّة وحدة خاصة في قسم الأبحاث التابع لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) متخصصة في كتابة ما تعرف بـ”تقارير تشخيص” عن زعماء أجانب. ويعمل فيها طاقم مؤلف من أخصائيين نفسيين ومستشرقين. وبموجب ما تخبر مراجع إسرائيلية شتى، يتركز عمل هذه الوحدة في إعداد تقارير عن زعماء دول عدوة أو منظمات “إرهابية”. وسبق لها أن أعدّت تقارير كهذه عن أنور السادات وحافظ الأسد والملك حسين وصدام حسين وياسر عرفات وغيرهم.
وكان في عداد الأخصائيين النفسيين الذين عملوا في هذه الوحدة، البروفيسور شاؤول كمحي، الذي ارتبط اسمه على نحو وثيق برئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، عبر واقعتين: الأولى، كتابة تحليل حول هذا الأخير في نيسان 1998، أثناء أول ولاية له في رئاسة الحكومة، ذكر فيه أن “البروفايل النفساني يستعين بتحليل السلوك”.
الثانية، الاشتراك مع أخصائييْن نفسانييْن آخرين في أيلول 2017، في كتابة تحليل مكمل بعنوان “تحليل سلوك بنيامين نتنياهو 1999 و2017: ما الذي تغيّر”.
دلّت النتائج البارزة لهذا التحليل على ما يلي: ما يزال نتنياهو يرى في نفسه أنه مؤهل أكثر من غيره، وأنه سياسي عبقري؛ يهوى الحياة المرفهة التي توفرها له مكانته ونفوذه السلطوي؛ يستخدم أسلوب التحايل، للدفع بأهدافه، وفي مقدمها ضمان بقائه السياسي؛ متشكك ويستحوذ عليه شعور بالضحوية. وتبعًا لذلك، جميع اللاعبين السياسيين، أو معظمهم، ضده على نحو دائم؛ وتبرز عنده بشكل كبير صعوبة في اتخاذ قرارات حاسمة تتعلق بالمسائل الأساسية المرتبطة بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
يتطرّق التحليل إلى محاور كثيرة، تقف عند ما يعتقد أصحابه أنه ثابت ومتحوّل، بناء على سلوك نتنياهو في سياسته الداخلية والخارجية. والملفت أنه لدى التطرّق إلى وجهة نظره السياسية حيال الصراع الإقليمي يؤكد ما يلي: “لا يبدو أن هناك تغييرًا بارزًا في وجهة النظر هذه. ولكن خلافًا لما كانت عليه الحال في الماضي، حيث أعرب خبراء عن الاعتقاد بأن وجهة النظر قابلة لأن تتغير، يبدو الآن أن الحديث يدور حول وجهة نظر من غير المتوقع أن تتبدّل”.
تتكوّن وجهة نظر نتنياهو حيال الصراع، وفق ما انعكست في خطاباته وكتبه ومقالاته، من العناصر التالية:
(أ) “أرض إسرائيل” (فلسطين) تابعة لليهود، و”عودتهم إليها” هي بمثابة تحقيق لعدالة تاريخية مطلقة.
(ب) الدول العربية المحيطة بإسرائيل ليست ديمقراطية، ولذا فالسلام معها لا يمكن أن يكون سوى سلام قائم على ميزان رعب، وعلى قدرة إسرائيل بأن تدافع عن نفسها بنفسها.
(ج) لا يمكن الثقة بالعرب أو الاعتماد عليهم، ويتمثل هدفهم الأسمى في القضاء على إسرائيل. (د) إسرائيل القوية المعتمدة على ذاتها ستضطر العرب بمرور الأيام الى التسليم بها وبحقها في الوجود.
لم تكن وجهة النظر هذه ثابتةً فحسب، في قراءة التحليل، بل ازدادت تطرّفًا أيضًا بين عامَي 1999 و2017. وثمّة تأكيد أنه من غير الواضح ما إذا كان نتنياهو انجرّ وراء ما بات يُعرف بأنه انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين أكثر فأكثر، أم أنه كان أحد أهم عوامل هذا الانزياح.
عن “عرب ٤٨”