تفاهمات فتح وحماس من منظور إسرائيلي

26 أكتوبر 2020آخر تحديث :
تفاهمات فتح وحماس من منظور إسرائيلي
تفاهمات فتح وحماس من منظور إسرائيلي

بقلم: العميد أحمد عيسى*

كثيرة هي الجهات الإقليمية والدولية (العربية وغير العربية) التي ترصد وتتعقب اتجاهات التطورات المتسارعة في المجتمع الفلسطيني (الذي تشظى على أثر نكبة العام 1948، ونكسة العام 1963، وانقسام العام 2007( إلى عدة مجتمعات كل له أولوياته واهتماماته الخاصة به، وذلك لتأثير هذه التطورات على استقرار المجتمعات الداخلية لهذه الجهات، علاوة على تأثيرها على الاستقرار الإقليمي والدولي.

من جهته يختلف الاحتلال الإسرائيلي عن باقي هذه الجهات بعدم اكتفائه بمجرد رصد وتعقب هذه التطورات، بل فضلاً عن ذلك يسعى دائما إلى توظيف ما تراكم لديه من معرفة ومعلومات عن الشعب الفلسطيني الخاضع لسيطرته منذ عامي 1948-1967، في ضبط مسارات هذه التطورات لإنتاج مآلات تخدم غاياته وأهدافه بعيدة المدى، لا سيما وأن حجم المعرفة والمعلومات المصنفة التي تراكمت لدى مؤسسات التقدير الإسرائيلية لا تمكنها من التنبؤ بالسلوك الفلسطيني المتوقع نتيجة المؤثرات الخارجية فحسب، بل تسمح هذه المعرفة لهذه المؤسسات ايضا بالوقوف على أنماط واتجاهات تفكير القيادة السياسية للمجتمع.

ويظهر المُعلن من القراءة الإسرائيلية للتقارب الآخذ في التطور بين حركتي فتح وحماس منذ أيار الماضي، أن تيار اليمين النيوصهيوني بزعامة نتنياهو المهيمن على الحكم في إسرائيل يرى أن حالة التحول الجارية على صعيد النظامين الدولي والإقليمي تمثل فرصة لإسرائيل في حسم صناعة الوجود والتحول إلى دولة طبيعية من دول المنطقة، الأمر الذي لا يتطلب من إسرائيل إعاقة ومنع تطور هذا التقارب الى حد الشراكة وحسب، بل يتطلب منها العمل بالمقابل على إستنباث قيادة سياسية فلسطينية تتعامل بإيجابية مع التحولات الجارية على الصعيدين العالمي والإقليمي، ويتطلب منها كذلك توظيف المعرفة التي ولدتها سيطرتها على كل جوانب الحياة الفلسطينية في إعادة صياغة قيم المجتمع الفلسطيني لإنتاج هذا النوع من القيادة.

ويتجلى ذلك أيما تجلي في المذكرات الصادرة عن المؤسسات المتخصصة في دراسات الأمن القومي الإسرائيلي والتي تتعلق بالتقارب بين حركتي فتح وحماس، وكذلك في تقارير البعض من الصحفيين في إسرائيل، علاوة على تجليه في تصريحات البعض من كبار ضباط الإستخبارات العسكرية.

وفي هذا الشأن يرى معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي (INSS) في مذكرة نشرها يوم الأربعاء الموافق 14/10/2020، أن التقارب بين حركتي فتح وحماس يتناقض مع المصلحة الاستراتيجية الإسرائيلية.

وفي مكان آخر يجادل ميخائيل ملشتاين في مقالة له نشرتها صحيفة يديعون أحرنوت يوم الاثنين الموافق 12/10/2020، أن هذا التقارب ينطوي على مخاطر استراتيجية لإسرائيل.

بالمقابل يعتقد اللواء المتقاعد عيران ليرمان نائب رئيس معهد القدس للأمن والاستراتيجية المقرب جداً من رئيس الوزراء نتنياهو في مذكرة له نشرت على صفحة المعهد بتاريخ 10/10/2020، أن اقتراب حركة فتح من حركة حماس وتركيا أردوغان يعرض المصلحة الأساسية للقيادة الفلسطينية للخطر.

وفيما يرى معهد دراسات الأمن القومي أن الوقت لا زال مبكراً للجزم أن الحركتين جادتان فعلاً في تطوير استراتيجية مشتركة، يعتقد اللواء درور شالوم رئيس شعبة البحوث في جهاز الإستخبارات العسكرية في مقابلة أجراها معه موقع إيلاف السعودي الإلكتروني أن المصالحة الفلسطينية الداخلية بعيدة جداً في اللحظة الراهنة، ويضيف أن التقارب بين حركتي فتح وحماس ليس أكثر من تكتيك للرئيس أبو مازن يحاول من خلاله كسب الوقت بانتظار نتائج الإنتخابات الأمريكية في نوفمبر القادم، إذ يعتقد اللواء شالوم أن الرئيس أبو مازن لا زال يفضل التفاوض مع إسرائيل على المصالحة مع حركة حماس.

ومن جهته يجادل نائب رئيس معهد القدس للأمن والاستراتيجية أن بحث فتح المعلن عن التقارب مع حركة حماس والرئيس التركي أردوغان ليس أكثر من موجة غضب قصيرة المدى كانت قد تولدت عند الفلسطينيين نتيجة لمباركة مصر السريعة لإتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وإزدادت أكثر نتيجة لعدم دعمها لمشروع القرار الفلسطيني بإدانة هذا التطبيع في جامعة الدول العربية. ويضيف اللواء المتقاعد عيران أن قيادة فتح والسلطة ستدرك في التحليل النهائي أن لا بديل عن الوجود الاستراتيجي المصري بين الفلسطينيين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

وعن كيف يمكن لإسرائيل أن تعيق هذا التقارب وتمنع الفلسطينيين من تطوير استراتيجية جديدة تقوم على إنهاء الإنقسام وتحقق الشراكة بين حركتي فتح وحماس، يحاول الصحفي الإسرائيلي المخضرم يوني بن مناحيم في مقال له نُشر باللغة العربية على موقع مركز الناطور للدراسات والأبحاث يوم الأربعاء الموافق 14/10/2020، إبراز أن الدافع المحرك لهذا التقارب لدى قيادة حركة فتح لا سيما لدى اللواء جبريل الرجوب الذي يقود الحوار مع نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، هو المصلحة الشخصية وليس المصلحة العامة، إذ يسعى الرجوب إلى تعزيز مكانته في الصراع على الوراثة من خلال الاقتراب من حركة حماس.

ويضيف بن مناحيم أن الرئيس أبو مازن يحاول من خلال هذا التقارب أن يكسب الوقت بانتظار نتائج الانتخابات الأمريكية، فإذا فاز المرشح الديمقراطي بايدن برئاسة البيت الأبيض في تشرين الثاني القادم، ستكون فرص إتمام الشراكة بين الحركتين ضئيلة. ويختم بن مناحيم مقالته بالقول أن المقاومة الشعبية التي يرفع الفلسطينيون رايتها هي نمط من أنماط الإرهاب منخفض الوتيرة، والأهم أن الشعب الفلسطيني غير مهتم بمواجهة واسعة النطاق مع إسرائيل في الوقت الحاضر.

وفيما يتفق ميخائيل ملشتاين في مقالته مع بن مناحيم حول الأجندة الشخصية للواء الرجوب، إلا أنه أشار إلى احتمالات نجاح هذا التقارب في انتاج استراتيجية مشتركة، ولذلك قدم توصيتين للحكومة الإسرائيلية، تنطوي الأولى على تهديد مباشر لقيادة حركة فتح وتوصي الحكومة بالتوضيح للرجوب علناً أو سراً ماذا سيكون الثمن في حال تم تنفيذ الشعارات التي يتم التلويح بها. وتدور الثانية حول البحث عن حل الأزمة مع السلطة الفلسطينية، لأن إستمرار الأزمة يشكل أرضية لنمو وتطور أفكار متطرفة تهدد الإستقرار الأمني والمدني في الضفة الغربية الذي يعتبر بحد ذاته كنزا استراتيجيا لإسرائيل.

وفيما يؤكد رئيس شعبة الدراسات في الاستخبارات العسكرية على أن الأجندات الشخصية لكل من الرجوب والعاروري هي المحرك لهذا التقارب، إلا أنه يضيف أن حركة حماس تنتظر الفرصة للإنقضاض على منظمة التحرير الفلسطينية بعد رحيل الرئيس عباس، وفي ذات السياق وضح أن على إسرائيل تبني منهج البناء من أسفل إلى الأعلى في سعيها للإتفاق مع الفلسطينيين، أي الإستجابة للإحتياجات المعيشية للفلسطينيين بعيداً عن المطالب السياسية للقيادة الفلسطينية.

ومن جهتها المعاهد المتخصصة في دراسات الأمن والإستراتيجية في إسرائيل فتظهر المذكرات الصادرة عنها أنها فيما تتفق على ضرورة منع الفلسطينيين من تطوير استراتيجية تقوم على الشراكة بين حركتي فتح وحماس لتشكيلها خطرا على المصالح الإسرائيلية وفقاً لرؤية معهد دراسات الأمن القومي، وتشكيلها خطرا على مصلحة القيادة الفلسطينية طبقاً لرؤية معهد القدس، ومن جهة أخرى تظهر هذه المذكرات أنه فيما تتفق هذه المعاهد على ضرورة مبادرة إسرائيل إلى تحسين الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية والإنساني في قطاع غزة والمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقتين، والعمل على إعادة السلطة الفلسطينية لطاولة المفاوضات من خلال إدخال بعض التعديلات على خطة الرئيس ترامب والاستعانة ببعض الدول العربية، حيث يرى معهد دراسات الأمن القومي أن الإمارات قد تلعب دورا مهما في هذا الشأن، إلا أن معهد القدس يرى أن الدور الأساسي يجب أن يكون لمصر.

وفي الختام أرى أنه على الرغم من خوض إسرائيل أكثر من عشرة حروب مع دول المنطقة، ومواجهتها انتفاضتين فلسطينيتين كبيرتين، وتوقيعها معاهدتي سلام مع دولتين عربيتين، خلال العقود السبعة الماضية، إلا أنها لم تنجح في حسم صناعة وجودها والتحول الى دولة طبيعية في المنطقة، الأمر الذي لن تنجح فيه في ما هو قادم من الزمن حتى بعد توقيعها معاهدات التطبيع والتحالف مع البعض من الدول العربية، ولكن يبقى من المشروع التساؤل، هل ستنجح إسرائيل في منع حركتي فتح وحماس من تطوير استراتيجية فلسطينية مشتركة؟

*المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي