ذكرى استشهاد الرئيس عرفات،،، والانتخابات الأمريكية

بقلم: الدكتور عقل صلاح*

في الذكرى السادسة عشر لاستشهاد الرئيس ياسر عرفات، نسلط الضوء على موقف الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أوسلو وحتى الانتخابات الحالية، وعلى مسيرة الرئيس الراحل عرفات، الذي تدرج من رئيس للاتحاد الطلابي إلى رئيس لدولة فلسطين، واستطاع خلال هذه الفترة إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة السياسية الدولية، وشكل السلطة الفلسطينية التي جاءت بناء على اتفاق أوسلو الذي لم يستطع إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؛ لتنصل إسرائيل من تنفيذ الاتفاقيات.

عمل الرئيس على تشجيع اندلاع انتفاضة الأقصى، فقامت إسرائيل بمحاصرته وتسميمه، مما أدى إلى تراجع الدور القيادي الفلسطيني في التأثير على الرأي العام العالمي والسياسة الدولية، وحتى على المستوى العربي تراجعت القضية الفلسطينية وتحولت من قضية العرب الأولى إلى قضية ثانوية، كما قام البعض العربي بالتطبيع مع إسرائيل قبل التوصل لحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ولد ياسر عرفات في 4آب 1929 في القاهرة، واسمه محمد ياسر عبد الرحمن عبد الرؤوف عرفات القدوة الحسيني، واشتهر بأبي عمار. وفي عام 1947 التحق بجامعة القاهرة لدراسة الهندسة، وشارك في العمل الوطني والفدائي عام 1948، وأصبح رئيسًا لاتحاد الطلاب الفلسطيني عام 1952، وفي عام 1953 التقى أبو عمار لأول مرة بجمال عبد الناصر قبل توليه الرئاسة وفي اللقاء عرفه عبد الناصر بالرئيس المصري آنذاك محمد نجيب، حيث قدم له عرفات وثيقة مكتوبة بالدم يطلب فيها أن لا ينسوا القضية الفلسطينية.

وفي عام 1954 قام بتدريب مجموعة من الطلاب الفلسطينيين بعد ثورة يوليو، وشكلت هذه المجموعة أول نواة تحارب الصهاينة في القطاع، وفي عام 1955، ازداد نشاطه الفدائي وتدرب في معسكر في محافظة المنصورة بمصر. وفي عام 1956 سافر عرفات للكويت وتعرف على فاروق القدومي، وكمال عدوان، وخالد الحسن وغيرهم وتم بلورة فكرة حركة التحرير الوطني الفلسطيني-حتف-، وصدر لها بنفس العام أول بيان، وفي عام 1964 انطلقت أول عملية مسلحة لحركة فتح، وفي عام 1965 أعلنت عن تكوين الجناح العسكري “العاصفة”، وتولى عرفات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عام 1967وفي عام 1969 أصبح عرفات رئيسًا للمنظمة، وبعد هزيمة 1967، اندلعت معركة الكرامة في آذار1968، بقيادة عرفات وانتصرت فيها المنظمة.

وفي عام 1988 أعلن عرفات قيام الدولة الفلسطينية من الجزائر في الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني، وفي سنة 1993 تم توقيع اتفاق أوسلو، الذي نص على إقامة السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع، وفي عام 2000 اندلعت انتفاضة الأقصى بدعم مباشر من الرئيس عرفات الذي توصل إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل لاتريد السلام ولاتريد إعطاء الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة. وفي آواخر سنة 2001، فرضت إسرائيل حصارًا على الرئيس عرفات لمدة ثلاث سنوات لم يغادر فيها مقر المقاطعة، وفي 12تشرين الأول/أكتوبر 2004، ظهرت علامات التدهور الشديد على صحته وتم نقله في 24 من نفس الشهر في طائرة مروحية إلى الأردن، ومن ثم نقل إلى مستشفى فرناسي بيرسي بفرنسا، وفي11تشرين الثاني/نوفمبر 2004، تم الإعلان عن استشهاده.

لقد أدى استشهاد الرئيس عرفات إلى زيادة حدة الخلافات الداخلية في حركة فتح بشكل خاص، فقد كان عرفات القاسم المشترك والحاكم الصارم والماسك بجميع الخيوط داخلها، وإلى التأثير على النظام السياسي الفلسطيني بشكل عام. فالرئيس عرفات استطاع نيل احترام الشارع الفلسطيني بكل أطيافه السياسية، والجميع اليوم يستذكره بالخير وعندما تشتد الأزمات بالشعب الفلسطيني يترحمون على أيام أبي عمار.

لقد استشهد الرئيس عرفات من أجل القضية الفلسطينية ورفض أن يحمل القلم ويوقع في كامب ديفيد، وقدم روحه دفاعًا عن القدس وعن الثوابت الفلسطينية، حيث ارتقى لمستوى الرمزية والتقديس عند الشعب الفلسطيني، كما انضم إلى الرموز الدولية القومية والإنسانية أمثال جمال عبد الناصر، ونيلسون مانديلا، الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ شعوبهم.

يقودنا هذا إلى الواقع السياسي الحالي، فبعد انتخاب جو بايدن والافراط في التفاؤل والتعويل على الإدارة الأمريكية الجديدة والسعي للمفاوضات من جديد بعض ضياع القضية الفلسطينية ومضيعة عقدين ونصف في طريق المفاوضات التي لم تثمر ولم تحقق الحلم الفلسطيني بل تعمق الانقسام الفلسطيني وتراجعت القضية الفلسطينية وتوسعت المستوطنات وتم ضم الضفة ومنح القدس للاحتلال، وتم تصفية جميع القضايا المصيرية التي لم يتم الاتفاق عليها في أوسلو وفي كامب ديفيد الثانية التي تسببت في مقتل الرئيس الشهيد عرفات لرفضه التنازل عن القدس وعن كل القضايا الجوهرية. للعلم فقد تم اتخاذ قرار قتل الشهيد عرفات من قبل الإدارة الأمريكية بعهد بيل كلنتون الذي هدد الرئيس عرفات علنيًا بعد عودته من كامب ديفيد.

لقد أحدثت قمة كامب ديفيد الثانية العديد من التطورات التي غيرت مجرى المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وكشفت الانحياز الأمريكي لإسرائيل، ودفعت إسرائيل للكشف عن عدم قبولها بالتنازل من أجل إحلال السلام الحقيقي وقبول دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على أرضها وجوها وبحرها وعاصمتها. تعثرت المفاوضات بسبب الموقف الإسرائيلي الذي اعتاد على أخذ مايريد من العرب والفلسطينيين، وبسبب رفض الرئيس ياسر عرفات التنازل عن الثوابت الوطنية، تم حصاره ليكتمل مسلسل الضغط عليه الذي لم يفلح بتغيير سياسته بل كان له انعكاس واضح على زيادة دعمه للانتفاضة.

وبناء على ما سبق، أنصح القيادة الفلسطينية بعدم التعويل على الإدارة الأمريكية الجديدة فهي لاتختلف كثيرًا عن الإدارات السابقة إلا في بعض الأمور الشكلية، فترامب صريح وواضح ووقح، وغيره من الحزب الديمقراطي ضبابي ويعمل بهدوء ومن تحت الطاولة لخدمة إسرائيل، حقيقة سوف يحدث تغيير ولكنه لن يعطي الفلسطينيين حقهم في إقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، فالإدارة الجديدة لاتختلف عن إدارة ترامب ولا يمكن لها أن تعطي الشعب الفلسطيني ما تم رفضه في كامب ديفيد الثانية. فالواقع العربي الجديد في ظل التطبيع مع إسرائيل والتخلي عن القضية الفلسطينة سوف يساعد الإدارة الجديدة لممارسة المزيد من الضغط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على القبول بما تم رفضه من قبل الرئيس عرفات، فهل يمكن لقائد فلسطيني أن يتنازل عن ماتم رفضه من قبل الشهيد عرفات؟!!

فكل من قمة كامب ديفيد الثانية، والانتفاضة الثانية، واستشهاد الرئيس عرفات، وصفقة القرن، والمفاوضات القادمة مع الإدارة الأمريكية الجديدة، جميعها أحداث مترابطة ومتشابكة كحلقات السلسلة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض فكل منها كان نتيجة لما قبلها.

أما بخصوص الموقف الأمريكي فهو نفسه الموقف الإسرائيلي من جميع القضايا المركزية الخلافية، فالموقف الأمريكي موقف ضاغط على الفلسطينيين للقبول بما تطرحه إسرائيل وهذا ما عبر عنه كلينتون، وما جسده ترامب بمنح القدس لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية للقدس، واستهداف قضية اللاجئين وغيرها من القضايا المصيرية التي حاولوا تصفيتها من خلال صفقة القرن.

واعتقد جازما أن هذا هو الموقف الذي ينطلق منه الرئيس الأمريكي الجديد بايدن، أما الموقف الفلسطيني فيجب أن يبقى متمسكا بالثوابت الوطنية التي دفع ثمنها الرئيس عرفات حياته.

في النهاية، السياسة الأمريكية والإسرائيلية واحدة تجاه القضية الفلسطينية باختلاف الرؤساء، فيجب عدم التعويل على القيادة الأمريكية الجديدة، بل يجب أن نعول على أنفسنا وذلك من خلال إتمام المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في يوم واحد وبعد ستة أشهر انتخابات المجلس الوطني، فلا يعقل أن ننتظر الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية ونبني آمالًا على حدوث تغيير داخلي من خلال انتخابات الغير، ونحن منذ عقد ونصف نحاول إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، فالقضية الفلسطينية تتراجع على جميع الصعد، فالحل بيد الفلسطينيين وهم أصحاب الحق والقضية.

*كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية

عن Amer Hijazi

شاهد أيضاً

العرب وإسرائيل وبناء السلام الإيجابي

بقلم:د. ناجي صادق شراب الفرضية الرئيسية التي يقوم عليها البناء الإيجابي للسلام، هي العمل على …