إسرائيل بين نظريتي الجدار الحديدي وبيت العنكبوت

23 أغسطس 2021آخر تحديث :
إسرائيل بين نظريتي الجدار الحديدي وبيت العنكبوت
إسرائيل بين نظريتي الجدار الحديدي وبيت العنكبوت

بقلم العميد: أحمد عيسى
المدير العام السابق لمعهد فلسطين لأبحاث الأمن القومي

قرن من الزمن تقريباً يفصل بين النظريتين، إذ نشر زئيف جابوتنسكي زعيم التيار التصحيحي في الحركة الصهيونية، والملهم الفكري لرئيس الوزراء الأول دافيد بن غوريون، والأب الروحي لحزب الليكود وقياداته المتعاقبة من مناحيم بيغن حتى بنيامين نتنياهو، مقالته المشهورة (الجدار الحديدي) العام 1923.
بالمقابل أطلق السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني عبارته الشهيرة بيت العنكبوت التي يقدم فيها حقيقة قوة إسرائيل العام 2000 بأنها أوهن من بيت العنكبوت، وذلك خلال مشاركته اللبنانيين الذين تجمعوا في البلدة اللبنانية الجنوبية بنت جبيل فرحين مهللين بتذوق طعم النصر على الجيش الذي لا يقهر، وفعلاً لم يكن هذا الجيش قد تذوق طعم القهر حتى ذلك الحين، حين إنسحب من جانب واحد من جنوب لبنان التي إحتلها بالقوة العسكرية بعد حرب إستمرت لأكثر من ثمانين يوماً مع قوات الثورة الفلسطينية العام 1982.
ويعتبر إنسحاب أو بالأحرى هروب الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان تحت ضغط المقاومة اللبنانية المسلحة، هو الإنسحاب الأول للجيش الإسرائيلي منذ الإعلان على قيام الدولة العام 1948، من أرض عربية سيطر عليها بالقوة العسكرية دون ترتيبات سياسية وعسكرية مع الدولة التي أحتلت أراضيها، الأمر الذي يتناقض البتة مع قواعد وثقافة نظرية الجدار الحديدي، التي قصدها جابوتنسكي، والتي ترتكز على قيام إسرائيل على مراكمة الحد الأقصى من القوة العسكرية عملياً، ثم زرع ذلك كحقيقة لا تقبل التشكيك في الذهن العربي لإجباره على التسليم بها ومن ثم طلب التسوية مع الصهيونية مرة واحدة وللأبد.
وفيما بدا خطاب بيت العنكبوت وكأنه تلاعب بالكلمات والألفاظ من إمام مسجد مهنته الخطابة، في لحظة حماسة وشعور بنشوة النصر كما هي حالة الخطاب العربي والإسلامي الذي إعتادت على سماعه الأمتين العربية والإسلامية، إلا أن ثبات هذا الخطاب لأكثر من عقدين، ثم تتالي هزائم الجيش الإسرائيلي وفشله في تحقيق النصر في حروبه التي شنها على لبنان العام 2006، وغزة العام 2008، 2012، 2014، 2021، لم يثبت أن إسرائيل لم تعد جداراً حديدياً كما أراد لها جابوتنسكي أن تكون وحسب، بل الأهم من ذلك أن هذا الثبات على الخطاب وضبط السلوك وفقاً لثقافة بيت العنكبوت يكشفت أن نظرية بيت العنكبوت ليست مجرد لحظة حماس عابرة، بل هي ثمرة وإنعكاس لمسيرة طويلة من التربية تشكل فيها العقيدة الدينية مرتكزا إلى جانب مرتكزات أخرى كالعدالة الإجتماعية والهوية الوطنية ورفض الظلم والتجبر، غايتها بعث القومية العربية الإسلامية على أسس جديدة يتم من خلالها إعادة بناء النفسية العربية الإسلامية، وكنتيجة لهذه التربية لم تعد النفسية العربية والإسلامية مهزومة مستسلمة لقوة الغرب وإمتداداته في المنطقة التي تعتبر الحركة الصهيونية أهم تجلياتها.
وفي ذلك يجادل المفكر العربي الفلسطيني سيف دعنا، المحاضر في جامعة ويسكونسن الأمريكية في مقالة نُشرت في مجلة الأراضي المقدسة العام 2009 أن إستعمار العالم العربي والإسلامي لفترات طويلة، لا سيما منذ إنهيار دولة الموحدين في الأندلس العام 1212 كما شرحها بن رشد، وتدمير بغداد العام 1258 قد أفضى إلى إحتلال العقل والنفسية العربية الإسلامية، الأمر الذي يستدعي من أجل إستعادة العزة تدمير هذه النفسية وإعادة هيكلتها من جديد، لا على صعيد النخبة وحسب، بل على صعيد الطبقات الإجتماعية التي تتكون منها المجتمعات العربية والإسلامية.
وقد جاء خطاب السيد نصر الله الأخير الذي شرح فيه موجبات إستيراد سفينة وقود من إيران للبنان لتمكين اللبنانيين من صناعة خبزهم وإنارة بيوتهم ومداواة مرضاهم في مستشفياتهم، واعتباره هذه السفينة أرض لبنانية، في رسالة تحذيرية منه لكل من أمريكا وإسرائيل من إحتمالات الإعتداء عليها، تجسيداً واضحاً لمغادرة النفسية العربية الإسلامية من بوابة لبنان لثقافة الهزيمة والإستسلام وتأكيداً جديداً منه لنظرية بيت العنكبوت، لا سيما وأن أحد أهم موجبات الإستيراد هذه وفقاً لما ذكره في الخطاب هي إستعادة العزة التي بدت وكأنها فقدت أمام ضغوط التجويع الغربية والعربية على لبنان، الأمر الذي يعيد للأذهان موجبات الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر في تأميم قناة السويس المصرية العام 1956 حيث كانت إستعادة عزة النفس المصرية هي أهم هذه الموجبات كما أوضح ناصر في خطاب إعلان التأميم الشهير الذي ألقاه في الإسكندرية في تموز العام 1956.
من جتها حركة حماس الفلسطينية قد تكون نجحت في تنفيذ الشق العملاني من نظرية بيت العنكبوت، الأمر الذي يتجلى في جرأتها على قصف تل أبيب بعشرات الصواريخ فيما لم يتجرأ اي من الجيوش العربية والإسلامية على فعل ذلك منذ النكبة الفلسطينية العام 1948، لكنها بالمقابل كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين عامة قد فشلت بإمتياز في تبني وتنفيذ منهج تربوي تعيد من خلاله بناء العقل والنفس العربية والفلسطينية على أسس العدالة والوطنية ولفظ الهزيمة.