بقلم: ميشيل جامرسكو
تقود الصين 15 دولة من دول آسيا والمحيط الهادئ عبر أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم تحمل اسم الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.
وتهدف الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة التي تضم دولاً تمتد من اليابان إلى أستراليا، ونيوزيلندا، إلى خفض التعريفات الجمركية، وتعزيز سلاسل التوريد بقواعد منشأ مشتركة، وتنظيم قواعد التجارة الإلكترونية الجديدة.
ولا شك في أن إقرار الاتفاقية سيؤدي إلى الإضرار ببعض الشركات الأمريكية، وغيرها من الشركات متعددة الجنسيات خارج المنطقة، خاصة بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من المحادثات بشأن صفقة تجارية منفصلة لمنطقة آسيا والمحيط الهادي كانت تُعرف سابقًا باسم الشراكة عبر المحيط الهادي.
وبعد انسحاب الهند من مفاوضات الشراكة الإقليمية الشاملة العام الماضي، سعت الدول الخمس عشرة المتبقية للإعلان عن الاتفاقية بنهاية قمة الآسيان الأخيرة، التي استضافتها فيتنام. وقال وزير التجارة الماليزي، عزمين علي، للصحفيين إن توقيع الاتفاقية تتويج لثماني سنوات من التفاوض الشاق، والجدي.
واعتبر شون روش، كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادي في وكالة «إس أند بي» للتصنيف الائتماني، أن الصين نجحت في إحداث انقلاب دبلوماسي في زمن تشديد السياسات الحمائية على مستوى العالم.
ويعد الاتفاق تتويجاً لسعي بكين الذي استمر عقداً من الزمان، لتحقيق تكامل اقتصادي أكبر مع منطقة تضم ما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وقد يمتد التأثير إلى ما وراء المنطقة.
ويرسل توقيع اتفاقية الشراكة الإقليمية الشاملة إشارة واضحة وقوية وإيجابية لتعزيز التكامل الإقليمي، والعولمة الاقتصادية. ويوضح تقدم الصفقة كيف أدى انسحاب ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي – إلى تقليص قدرة أمريكا على موازنة النفوذ الاقتصادي للصين مع جيرانها. وقد يرث هذا التحدي قريباً الرئيس المنتخب جو بايدن.
وإذا استمرت الولايات المتحدة في تجاهل الدول المشاركة في الاتفاقية، أو التنمر عليها، فإن التأثير الأقوى سيتحول لمصلحة بكين، سواء على صعيد دول المنطقة، أو دول العالم الأخرى.
وعلى الرغم من أن الاتفاقية أقل شمولية من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، من حيث السلع والخدمات، إلا أن تنفيذها قد يجعل من الصعب على الشركات الأمريكية التنافس مع شراكة مدعومة من الصين تضم دولاً فيها 2.2 مليار شخص بناتج محلي إجمالي يبلغ نحو 26 تريليون دولار.
ومع ذلك، فإن العديد من الدول المشاركة في الصفقة التجارية تخشى أيضاً أن تصبح شديدة الاعتماد اقتصادياً على الصين. وتعد اليابان من بين الدول التي سعت إلى إعادة تقييم سلاسل التوريد في الصين، وأدى تحرك بكين لحظر الصادرات الأسترالية الرئيسية بعد أن دعت حكومتها إلى إجراء تحقيق في أصل فيروس كورونا،إلى تأكيد خطر الاعتماد المفرط على ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وفي حين أنه لا يزال من الصعب سياسياً على بايدن الانضمام إلى الاتفاقية البديلة للشراكة عبر المحيط الهادي، يعتقد المحللون أن ذلك ربما يكون أقصر، وأفضل طريق للولايات المتحدة لتعميق العلاقات الاقتصادية مع المنطقة
وتأخر الاتفاق النهائي حول بعض البنود في الاتفاقية، خاصة تلك المتعلقة باستعداد كل دولة عضو لتسريع الإجراءات المتوافقة مع الاتفاقية، والالتزام بها، وتطبيقها. وشملت تلك النقاط وضع جداول متكاملة في ما يخص التعرفة الجمركية في دول محددة حيث يتم التفاوض بشأنها ضمن لقاءات ثنائية أحياناً.
وشهدت منطقة جنوب شرق آسيا، التي أُجبرت على مواجهة الفيروس أثناء انتشاره من الصين في وقت مبكر من هذا العام، تعافياً غير متكافئ. وتختلف البلدان الخمس عشرة اختلافاً كبيراً في وضعها الاقتصادي، وعدد وشدة موجات انتشار الفيروس المتتالية، والقدرة والرغبة في تقديم الحوافز المالية والنقدية، وتوقيت الإغلاق والشدة في تطبيق الإجراءات الاحترازية، وتحديد الصناعات المتضررة بشدة.
وعلى سبيل المثال، يتوقع أن يكون الناتج المحلي الإجمالي لتايلاند من بين الأسوأ في عام 2020، حيث تقلص بنحو 7.2% هذا العام، في حين من المتوقع أن تحقق فيتنام نمواً اقتصادياً استثنائياً على مستوى العالم.
وقد فاجأت الهند المشاركين في أواخر العام الماضي عندما تخلت عن اتفاقية التجارة المدعومة من الصين. وقال رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إنه استرشد بتأثير ذلك في حياة وسبل عيش جميع الهنود، خاصة الفئات الضعيفة من المجتمع. ورغم انسحابها، قال مسؤولون إن الهند يمكن أن تنضم إلى المحادثات إذا اختارت ذلك في وقت لاحق لكن خروج الهند أزال أكبر عقبة في وجه توقيع الاتفاقية.
بالاتفاق مع “الخليج”