بقلم : الدكتور سعيد صبري*
عام 2020 ، سينتهي خلال شهر، وما زلنا نعاني مأساه “فايرس كورونا” الذي غير حياتنا كليا، وقلب طباعنا وحياتنا الى وقائع جديدة لم تكن بالحسبان ، فبين اغلاق شامل واغلاق جزئي ـ وبين منع للحركة وتباعد اجتماعي ، دخلت علينا ادبيات وممارسات جديدة ، فهل نحن على اعتاب العودة للحياة العادية بعد الاعلان عن اكتشاف لقاح بيولوجي يحمي الانسان من فايرس كورونا ؟ وهل نحن كفلسطينيين ضمن تلك الدول التي ستتلقى اللقاح؟
انه من المؤكد ان كل زعيم سياسي سيعمل كل ما وسعه لحمايه شعبه من الجائحة ، لكن ليس كل زعيم سياسي لديه الامكانيات لذلك، ان دول العالم تنقسم لفئتين رئيسين : الدول الغنيه واخرى فقيرة . ولا تزال غالبية الناس عرضة للإصابة بفيروس كورونا والقيود المفروضة حالياً هي فقط ما يحول دون حدوث المزيد من الوفيات. ومن شأن اللقاح أن يُعلم أجسامنا مقاومة العدوى عن طريق منعنا من الإصابة بفيروس كورونا، أو على الأقل من خلال جعل كوفيد-19- أقل فتكا.
وبالتالي فإن الحصول على لقاح إلى جانب توفر علاجات أفضل هو “استراتيجية الخروج” من أزمة تفشي الوباء.
ان اللقاحات المعلن عنها عالميا – لقاح فايزر والاخر موديرنا ، صنعت بالولايات المتحدة الامريكيه ، وقد سارعت دول العالم قاطبة ان تتقدم بطلب رسمي للحصول على كميات لحماية مواطنيها ، وفد يطول تسليم اللقاح لتلك الدول نتيجة ان الطلب العالمي اعلى بكثير من حجم الانتاج للمصانع المنتجة. وتقول فايزر إنها تأمل إنتاج ما يصل إلى 50 مليون جرعة في عام 2020 وما يصل إلى 1.3 مليار جرعة في عام 2021، ويحتاج كل شخص إلى جرعتين. وبتصريح من مسؤولة بمنظمة الصحة العالمية تتحدث عن ان فجوة 90/10 في الصحة العالمية، 90 في المئة من منتجات العقاقير في العالم تخدم 10 في المئة من سكان العالم، وذلك جزء من هذه القصة، واكملت المسؤولة بالقول : ” لا يمكن لشركة واحدة أن تقدم ما يكفي، وما لم يتم معالجة مشكلة الإمداد فسنجد دولا غنية تتنافس مع دول فقيرة وستفوز الدول الغنية دائما”
ويبقى التحدي الفلسطيني في توفير اللقاح لكل مواطن والامكانيات المالية المحدودة للسلطة الفلسطينية بايجاد مصدر مالي لشراء اللقاح ، مع العلم اننا سنكون في نهاية القائمة ، وهذا سيتطلب جهد كبير من السلطة الفلسطينية ان تحافظ على المواطن خلال فترة الانتظار ، فهل سنشهد اغلاقات لحماية المواطن ؟ام سنشهد ازدياد باعداد المصابين مع تضاؤل الامكانيات للرعاية الصحية ؟
ما نبحث عنه اليوم فلسطينيا لقاح وطني للانعاش الاقتصادي، في حين تواجه المشاريع والأعمال الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبرى مشكلات الإفلاس والتعثر وما يرتبط بها من تهديدات اقتصادية واجتماعية وأمنية خطيرة ، وفي احدى مدن شمال الضفة الغربية وتحديدا بمدينه نابلس يعرض مجموعة من المستثمرين مشروعهم الصحي للبيع بنصف قيمته السوقية ، واخر بمدينة رام الله، بينما تستعد كبرى المكتبات العريقة باحد مدن الضفة باغلاق ابوابها لعدم حاجة الطلبة من قرطاسية واغلاق الجامعات وتراكم الديون عليهم ، كما اعلنت الكثير من محلات بيع الملابس عن تنزيلات “بسعر التكلفة” قبل الاغلاق، وفي المناطق الصناعيه داخل حدود البلديات مجموعة اخرى من اصحاب تصليح المركبات يبلغون انه سيتم اغلاق ورشاتهم مع نهاية الشهر الحالي، كما انه قد اغلقت ابوابها مجموعة اخرى من الشركات الصغيرة لعدم مقدرتها على الايفاء بالتزماتها للاصحاب العقارات او للمواد الخام ، وتراكم الديون والقروض مما قد يعرضهم للمساءلة القانونية امام الجهات الرسمية.
الوضع الاقتصادي المتدهور يزداد صعوبة ، الذي لم ينجو منه لا طبيبا ولا صناعي ولا تاجر، ولا صاحب فندق او مكتب سياحي او مطعم ، وهذا يتطلب وقفة جادة من اصحاب القرار في البحث عن لقاح وطني اقتصادي يحمى تلك المنشأت الاقتصادية من الاغلاق، الاقتصاد ليس بحاجة الى اجهزة تنفس ، انما بحاجه الى لقاح وطني ورؤية ، فعندما تجد ان ما يزيد عن اكثر من خمسة الى ستة محلات اقفلت ابوابها في احدى التجمعات التجارية بمدينة رام الله بعدما اصبحت التكاليف تفوق العائد . فمعظم النقاش الدائر بين اصحاب العمل تتمحور حول “قلة الفرص” ،” والتعثر” ويجتهدون في تحليل الواقع والبيانات الرسميه ، ويبحثون في الاسباب والمسببات التى طالما لم تقنعهم.
لا يختلف الواقع اليوم بين اي مواطن من شمال الضفة الغربية او جنوبها ، ولا تختلف المعاناة للأسر الفلسطينية بين قطاع غزة والقدس فالجميع يعانون من التعثر في سداد التزماتهم الحياتية البسيطة ، فبينما فقد عدد كبير من الموظفين اماكن عملهم بالشركات والمنشأت الاقتصادية ، والاخرين اصبحوا يعملون بوظائف جزئيه واخرين من ذوى الكفاءات يعملون ولا يتلقون رواتبهم مما ادى الى توقف العجلة الاقتصادية فلم يعد بمقدورها “العائلة الفلسطينة ” الوفاء بالتزاماتها أو سداد ديونها أو حتى امتلاك ما يكفي لسد حاجاتها اليومية.
قد نعزي السبب الرئيسي للوضع الاقتصادي المتدهور لعدم استلام المقاصة، وقد اختلف مع هذا المبرر ، فمن المتوقع ان تستلم السلطة اموال المقاصة والتي لن تتمكن من سداد العجز المالي التي تعانية ، حيث تشير تقارير صادرة عن البنك الدولي ان ميزانية السلطة ستبقى بعجز مالي قدره 800 مليون دولار بعد تسلم المقاصة ومساعدات الدول المانحة كما يتوقع انكماش الاقتصاد الفلسطيني بنسبة 8% هذا العام .
ويبلغ إجمالي عائدات المقاصة الفلسطينية المتراكمة لدى اسرائيل منذ شهر أيار حوالي 3.1 مليار شيكل (حوالي 920 مليون دولار)، وكانت الفجوة التمويلية المتوقعة، قبل استئناف تحويلها، حوالي 1.6 مليار دولار.
فما هي الحلول امام الاقتصاد الوطني لكي يسترد عافيته وما هو اللقاح الاقتصادي المطلوب :
اولا:- نحن بحاجة الان الى خطة طوارىء وطنية للخلاص من المشكلات وتداعياتها على أصحاب هذه المصالح التجارية والعاملين فيها قبل ان يستشرى الوباء الاقتصادي ويدخل المجتمع في أزمة.
ثانيا: توقير برنامج شمولي لتعزيز مكانة القطاعات الحيوية في الاقتصاد وتوفير فرص عمل للشباب والتركيز على الرياديين .
ثالثا: السعي الحثيث من قبل الجهات ذات العلاقة على تبني رؤية وطنية واضحة تحمل في طياتها رسائل عملية للتاجر والمزارع والصناعي والطبيب تطمئنهم على مستقبل اعمالهم وتوفر لهم الحماية وتمنحهم دعما لأنشطتهم في ظل الظروف الاقتصادية الاستثنائية .
رابعا: العمل على مأسسة الاجراءات التى تحكم عملية ادارة وتشغيل الاعمال الاقتصادية والعمل على ديمومة عجلة الاقتصاد بما يحقق الأمن الصحي والاقتصادي للمواطن والشركات.
نحن الأن نقف في تحدي مع الذات الوطنية، وبحاجة الى وقفة جادة مع الواقع، ويتطلب العمل بشكل جدي نحو بناء منظومة وطنية توفر الأمن والأمان الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الفلسطيني، ادعو الى انشأ وطن يستقر المواطن فيه .
*مستشار اقتصادي دولي- وشريك وممثل إقليمي في صندوق المبادرات – فاستر كابتل- بدبي