بقلم: المحامي علي أبو هلال
أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1999 يوم 25 تشرين الثاني، اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وقد اعتاد مناصرو حقوق المرأة في مختلف دول العالم إحياء يوم 25 تشرين كيوم لمناهضة العنف وذلك منذ عام 1981، حيث يصادف هذا اليوم ذكرى الاغتيال البشع الذي استهدف، في عام 1960، النساء الأخوات الثلاث ميرابيل اللائي كنّ من الناشطات السياسات في الجمهورية الدومينيكية، وذلك بأمر من الدكتاتور الدومينيكي رافائيل تروخي.
وتأتي مناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة هذا العام في ظل ظروف بالغة القسوة والتعقيد أدت إلى تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والصحية للنساء في عموم الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليس بسبب انتشار جائحة كورونا التي زادت من أعباء النساء بشكل كبير، بل باستمرار وجود الاحتلال الصهيوني الذي لا يزال ينتهك حقوقها الإنسانية إلى جانب الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي أدى إلى تعطيل المجلس التشريعي وحله وعرقل إمكانية إقرار قوانين موحدة أكثر عدالة وانصافاً تجاه النساء.
يواصل الاحتلال الإسرائيلي من جهته ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق لمرأة الفلسطينية بشكل مباشر، أو غير مباشر من خلال تعرض ابناءهن وأزواجهن للإصابة أو الموت، إضافة إلى انتهاكات مختلفة كمداهمة وهدم المنازل، وحملات الاعتقال اليومية التي طالت خلال هذا العام ٥٢ امرأة، فيما لا تزال ٣٩ امرأة معتقلة في الدامون، فضلاً عن القيود الشديدة على حرية التنقل والحركة، بسبب الحواجز ونقاط التفتيش الثابتة والمتحركة، إلى جانب اعتداءات المستوطنين ضد المدنيين بمساندة من قوات الاحتلال، وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي، يعتبر الانقسام السياسي أحد الاسباب التي أدت إلى ازدياد معاناة المرأة الفلسطينية، من خلال تعطل ومن ثم حل المجلس التشريعي الفلسطيني، ما حال دون إقرار وسن العديد من التشريعات والقوانين التي تمس حقوق المرأة، وتحقق الحماية لها.
وتشير العديد من المؤسسات الفلسطينية الحقوقية، أنه منذ بداية هذا العام رصدت “مقتل (8) نساء على خلفيات مختلفة، (5) نساء في الضفة الغربية، (3) نساء في قطاع غزة، أمّا العام الماضي فقد وثقت (14) حالة قتل للنساء، بينهن (8) نساء في الضفة الغربية و(6) نساء في قطاع غزة، من بينهن (3) قتلن على خلفية ما يسمى بجرائم الشرف، وما زالت النساء والفتيات الفلسطينيات يعانين من العنف الممارس بحقهن على أساس الجنس، والذي ازداد في الآونة الأخيرة في ظل انتشار جائحة كورونا وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وأدى إغلاق المحاكم ضمن إجراءات مواجهة فايروس كورونا إلى عرقلة وصول النساء الى العدالة والقضاء، ومنعهن من رفع القضايا لدى المحاكم، ومنع تنفيذ الاحكام القضائية الصادرة عنها، ما انعكس سلباً على وضعهن المعيشي الاقتصادي والاجتماعي والنفسي.
وفيما يتعلق بالعنف الذي تعرضت له المرأة أوضح مسح أجرته وزارة شؤون المرأة على 6 آلاف أسرة في قطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس، تبين “أن العنف النفسي هو الأكثر نسبة حيث بلغ (55%)، يليه العنف الاقتصادي بنسبة (53%) ثم العنف الاجتماعي بنسبة (27%) والعنف اللفظي بنسبة (24%). بالإضافة إلى أن العنف الجسدي ازداد خلال جائحة كورونا، وهناك (47%) من النساء لجأن الى طلب الحماية خلال الجائحة، في ظل استغلال الرجل إغلاق المحاكم وصعوبة الوصول الى المراكز المختصة”.
تؤكد هذه المعطيات أن المرأة الفلسطينية لا تزال تعاني من انتهاكات جسيمة، وتتعرض بصورة مستمرة لاعتداءات خطيرة، تمس حياتها وحقوقها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية، من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل عدوانه على الشعب الفلسطيني بكل فئاته وخاصة النساء، أو من قبل فئات في مجتمعنا الذين يستندون إلى الموروث الثقافي المتحيز ضد المرأة.
ان تحقيق حرية المرأة وحماية حقوقها المدنية والسياسية يأتي في إطار حرية وحقوق شعبنا الذي يناضل ضد الاحتلال، من أجل ضمان حقوقه الوطنية المشروعة وفي مقدمتها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وهذا يتطلب اسناد نضال الشعب الفلسطيني ونضال المرأة الفلسطينية للخلاص من الاحتلال وتحقيق الاستقلال الوطني الناجز، وقيام المجتمع الدولي بموجب التزاماته التعاقدية بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي، لرفع الحصار واحترام حقوق الانسان والالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الانسان تجاه الشعب الفلسطيني.
كما يتطلب من مجتمعنا ومن المؤسسات الفلسطينية الرسمية والأهلية، مساندة حقوق المرأة وحمايتها، وذلك بالإسراع بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف، وسن العديد من التشريعات والقوانين التي تحمي حقوق المرأة وفي مقدمتها قانون العقوبات الذي يكفل لها الحقوق والحماية المتساوية.
*محاضر جامعي في القانون الدولي