وضعت دلال عريقات، ابنة القيادي الفلسطيني الراحل صائب عريقات، شرحًا مفصلًا، للأسباب التي جعلت السلطة الفلسطينية، تقبل باستعادة أموال المقاصة.
وقالت عريقات وهي “أستاذة الدبلوماسية والتخطيط الاستراتيجي في الجامعة العربية الامريكية”: إنه بعد أن تم استلام أموال المقاصة، فالمواطن الفلسطيني سواء أكان مؤيداً أو رافضاً للقرار، ما زال يحاول فهم توقيت هذا القرار.
والسؤال الذي لم يُجب عليه أحد، هو لماذا قررت القيادة الفلسطينية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أن تتراجع فجأة عن قراراها السابق، وتستلم أموال المقاصة؟ الحاجة الاقتصادية سبب مباشر بالتأكيد، ولكن الوضع الاقتصادي تدهور منذ أشهر، فالمواطن الفلسطيني هو من تحمل تبعات هذا القرار منذ شهر مايو/ أيار، وذاق المر في سبيل دعم ومساندة قرار القيادة الوطني، باعتبارها في حِلٍّ من الاتفاقيات الموقعة، ورفضها استلام أموال المقاصة، تحت شروط إسرائيلية ترتبط بخطط الضم والاستيطان، وباقتطاع مستحقات الأسرى والشهداء.
وأضافت: لقد بحثت طويلاً منذ إعلان القرار لأحاول الوصول لتفسير منطقي لقبول القيادة الفلسطينية المفاجئ باستلام الأموال دون مقابل، وبعد البحث والتقصي وبعد مراجعة وقراءة دقيقة لبنود اتفاقية باريس الاقتصادية الموقعة عام 1994، وفيما يخص أموال المقاصة، اتفق الطرفان أن تقوم إسرائيل بتحصيل ضرائب معينة نيابة عن السلطة الفلسطينية، وتحول هذه الإيرادات المحصلة وفقًا لبنود بروتوكول باريس، وكما اتفق عليه الطرفان في المواد 3 و5 و6 من الاتفاقية.
وتابعت دلال: وجدت في البند الثالث من الاتفاقية نصاً صريحاً قد يفسر السبب، الذي تم اتخاذ القرار بناءً عليه، خوفاً من خسارة المستحقات والأموال وأشارككم النص: “لغرض حسم الضريبة، الفواتير تكون صالحة لمدة 6 أشهر من تاريخ إصدارها”. إذاً، نستنتج انه وفقًا لبروتوكول باريس وإجراءات المحاسبة المتعارف عليها بين الجانبين، وكذلك وفقًا للقانون الإسرائيلي، يجب أن يتم حساب ضريبة القيمة المضافة في غضون ستة أشهر من تاريخ الفاتورة!
وقالت دلال عريقات: إنه بحسابات سريعة، نجد أن آخر شهر لاستلام اموال المقاصة، كان في شهر نيسان/ أبريل أي أن الشهر السادس بناء على النص السابق هو شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وحسب القراءة القانونية الصريحة للاتفاق، فإن لم تقبل وتراجع السلطة الفلسطينية حسابات أموالها المستحقة بعد تشرين الأول/ أكتوبر يسقط حقها القانوني في المطالبة حسب النص.
وذكرت “لتبسيط المشهد للمواطن، هذا تماماً مثل التعامل مع الشيكات البنكية، حيث إننا لا نملك الحق في صرف أي شيك بعد انقضاء 6 أشهر من تاريخ استحقاقه!”.
وبينت، أنه “لذلك بعد شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وحسب نص الاتفاق والقانون الاسرائيلي في حسابات الضرائب، لن يتمكن الفلسطينيون من المطالبة بأي مبلغ أو التقدم بطلب للحصول على السداد بناءً على الفواتير الصادرة أو الموقعة بعد نسيان/ أبريل 2020”.
وواصلت دلال حديثها: “كم كنت أتمنى ممن اتخذ القرار، أو من خبراء الاقتصاد وممثلي القطاع الخاص الفلسطيني وأصحاب الاختصاص ومراكز البحوث الاقتصادية ومن تحكم أعمالهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم اتفاقية باريس الاقتصادية، ان يقدموا تفسيراً منطقياً، ينم عن قراءة ومعرفة بتفاصيل هذا الاتفاق الذي لن أخوض في تفاصيله اليوم”، إلا أنني سأعيد توضيح بعض النقاط بخصوص اتفاق باريس:
-الاتفاق جاء لينظم العلاقة الفلسطينية/ الاسرائيلية في مجالات الضريبة والجمارك والأعمال والتجارة (الاستيراد والتصدير) والمعاملات النقدية والتأمين والتقاعد والعمال والمقاصة وصندوق تعويض ضحايا حوادث الطرق ومشاريع السياحة.
- المادة الثانية للاتفاقية، نصت على انشاء لجنة اقتصادية مشتركة (JEC) لمتابعة تنفيذ الاتفاق ومعالجة المشاكل التي قد تبرز من وقت لآخر، ومن حق كل جانب أن يطالب بمراجعة أي مسألة تتعلق بالاتفاق عن طريق هذه اللجنة. أليس من حق المواطن أن يتعرف على أعضاء هذه اللجنة المسؤولة عن مصير شعب بأكمله من الناحية الاقتصادية؟ ونتساءل متى طالب الجانب الفلسطيني لهذه اللجنة بمراجعة أو تعديل أي من بنودها؟
- الاتفاق قد تطرق لموضوع العمل بنظام الكمبيوتر الذي يربط الجانبين لغرض حسم الضريبة لأعمال تجارية ولمقاصة ضريبة القيمة، الذي سيحل مكان إجراءات المقاصة المحددة في فقرات الاتفاق، متى نوثق هذه الأرقام والفواتير ومتى تصبح مشاركة هذه المعلومات حقاً للمواطن؟ متى يتفعل الكمبيوتر؟ وتصبح مشاركة المعلومة واجباً على المؤسسة العامة وحقاً عاماً؟
- اتفاق باريس نص في مادته الأولى أنه وجد لتنظيم العلاقات الاقتصادية خلال الفترة الانتقالية!! وهنا أُذكر ان الفترة الانتقالية انتهت عام 1999.
الحصول على المعلومة هو حق عام، ومن نابع احترامي لعقول الشعب الفلسطيني والمواطنين، الذين تحملوا كبد وعناء المرحلة السابقة، رأيت أنه من واجبي محاولة تقديم تفسير مبني على دراسة وتقصٍ للحقائق والقوانين التي تحكم كل مناحي حياتنا كشعب تحت الاحتلال.
أما فيما يخص قرارات القيادة الأخرى المتعلقة بإعادة العمل بالاتفاقيات، وإعادة التنسيق الأمني والمدني وإعادة العلاقات الدبلوماسية والسفراء مع الدول العربية المطبعة، فللأسف لم أصل حتى هذه اللحظة لتفسير منطقي يقبله العقل، بعيداً عن منطق القوة والرضوخ للدبلوماسية القسرية، التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني إقليمياً ودولياً.