الأسير المريض حسين مسالمة…الطريق الى الانتخابات بالموت!

25 يناير 2021آخر تحديث :
الأسير المريض حسين مسالمة…الطريق الى الانتخابات بالموت!
الأسير المريض حسين مسالمة…الطريق الى الانتخابات بالموت!

بقلم: عيسى قراقع*

هي مفارقات ملتبسة في الوضع الفلسطيني، ففي الوقت الذي تجند فيه الجميع قيادة وشعباً وفصائل ومؤسسات استعداداً للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني وفق مراسيم السيد الرئيس ابو مازن، يستعد الأسير الفلسطيني المريض بسرطان الدم حسين مسالمة وبعد 18 عاماً من اعتقاله في سجون الاحتلال، وفي ظل غياب العدالة الانسانية والثقافة الديمقراطية المبنية على احترام قواعد حقوق الانسان، لخوض الانتخابات القادمة ولو بالموت.

يضع الأسير مسالمة روحه المزهوقة في صندوق الاقتراع، ويضع جثته في أي قائمة تتنافس لخوض الانتخابات، يدلي بصوته للحياة الآخرة لعل ديمقراطية الأبدية أكثر رحمة من ديمقراطية الدنيا المشغولة بكل شيء سوى تقديس الحق في الحياة.

الأسير حسين مسالمة يستلقي بهدوء وبلا جماهير صاخبة على سرير مشفى سوروكا الاسرائيلي فاقداً للوعي، يتنفس بواسطة الأجهزة الطبية، مقيد اليدين والقدمين بالسرير، لا يتكلم ولا يتحرك، لا يعقد مؤتمراً صحفياً يشرح فيه عن أوضاعه الصعبة وبرنامجه الانتخابي، لكن الحراس الاسرائيليين الذين يحرسون جسد الاسير المريض يقولون: أنهم سمعوا الأسير يصرخ في النوم السرمدي داخل منطقة اللاوعي كأنه يقاتل كابوساً أكثر شراسة من الموت المنتظر، ربما يطالب الأسير ان يرى والديه قبل الرحيل، ربما يحاول ان يسمع صوته للمجتمع العالمي حول جرائم دولة الاحتلال الطبية التي ترتكب عمدا بحق الاسرى، تركوه فريسة للامراض القاتلة، وربما يطالب بوقف الانتخابات حتى يتصالح الموت مع الحياة.

الحراس الاسرائيليون منزعجون من ضجيج الموت في احلام الاسير مسالمة، يقود معركة الانتخابات مع الموت، يبذل جهدا مضنياً لاقناع الناس ان اي عملية ديمقراطية لا تستقيم فوق جثث الأسرى وانفاسهم المخنوقة، نتغنى ببطولاتهم وصمودهم وهم احياء وتشطب اسمائهم وهم اموات، هل للموت صوتٌ انتخابي؟ يتساءل الأسير حسين مسالة.

الأسير مسالمة في الطريق الى الانتخابات بالموت، وبين انتخابات اولى وانتخابات ثانية كثر الموت وتصاعد الاستيطان وازدادت عمليات الاعتقال والبطش، وسنة وراء سنة يسقط الشهداء في السجون، وسنة وراء سنة يتحرر الموت من السجن بلا توابيت.

الأسير حسين مسالمة في طريقة الى الانتخابات بالموت، جنازة قادمة بلا مشيعيين، الجثث الاسيرة مازالت محتجزة، جنازة قادمة للمشاركة في الانتخابات بلا تمويل محلي ولا خارجي ولا عزاء، جنازة بلا يافطات ودعايات ومنابر واجتماعات وصور، هي مشاركة المعلقين على المشانق يعيدون النهاية الى البداية فإما حرية واما قيامة.

جنازات الاسرى يمشي فيها كل المرشحين الانداد، هؤلاء الذين لم يستطيعوا ان يعيدوا اسيرا الى بيته او انقاذه من براثن القهر والقمع، لم يتمكنوا من استعادة ارضٍ ولا شجرة ولا جثة، لم يهدموا مستوطنة او يزيلوا حاجزا، هي بلاغة الرثاء في خطاب لزمن يعود الى الوراء، لغة متكررة مستهلكة ومصنعة بلا عاطفة محشوة بعدم اليقين والبكاء.

الأسير حسين مسالمة لم يبق من حكمة سوى عامين فقط، أمنيات كثيرة حملها طوال فترته التي يقضيها في السجن، لم يتوقع ان تسبق مراسيم الانتخابات مراسيم موته، لم يتوقع ان يكون كل هذا الموت تتويجاً لتجديد الدماء في النظام السياسي بينما مرض السرطان يفترس دمه وجسده، لم يتوقع أن هذا السلام المتوقع والمدعوم بكل الاموال واللقاءات والمفاوضات والتحركات والاستراتيجيات وبقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة والشرعيات الدولية، كل شيء موجود في نظريات وانظمة عملية السلام والفقه القانوني والتسويات باستثناء كرامة الانسان وحريته.

الأسير حسين مسالمة يقول: أصدق بأنني لا زلت حياً عندما أرى الأسرى كريم يونس وماهر يونس ونائل البرغوثي أحياء أحراراً على أرضهم وبين عائلاتهم، أصدق انني لازلت حياً عندما أرى الأسير شيخ الاسرى والأكبر سناً فؤاد الشوبكي في بيته ومع اسرته ليقضي ما تبقى له من العمر، أصدق انني مازلت حياً عندما تتوقف أنياب السرطان والنسيان عن نهش جسدي وتسميم دمي، أصدق انني لازلت حياً عندما يتساوى الحي مع الميت في هذا الصراع وأمام الصندوق الانتخابي حتى يكون للحياة معنى.

الأسير حسين مسالمة دخل في غيبوبة، زارته أمه فلم تتعرف عليه، جسدٌ غائبٌ ومخطوفٌ عن الواقع والأمومة، نادت والدته عليه كثيراً، نداء بعيدٌ بعيد، نداء تطلقه كل الامهات يومياً فيرتد في رجع الصدى ويطعن القلب بالألم والحسرات.

الأسير حسين مسالمة شاهدٌ آخر على تلك الاجساد الاسيرة المنهكة القابعة في مايسمى مشفى الرملة الاسرائيلي، أمراض مزمنة تتوغل في اجسامهم، أرجلٌ وايادٍ مبتورة، أكياس طبية تتدلى من بطونهم المفتوحة، يموتون في اليوم ألف مرة، هم خارج عملية الانتخابات، خارج الوعي السياسي، خارج الحسابات الاقليمية والدولية، ليسوا اكثر من كلمات في لغة الوسيط الخشبية الذي يحاول ان يضع مبررات للغياب بين الذاكرة والانسان والقرار.

الأسير حسين مسالمة في الطريق الى الانتخابات بالموت، هذا الطريق لا يوجد فيه حواجز عسكرية اسرائيلية، لا جدران ولا اسلاك ولا زنازين، موت فوق نظام الاحتلال، موت فيه حرية مطلقة لا تصدها القيود والرصاص وقنابل الغاز وجائحة كورونا، موت أبيض فيه حرية اكثر من حرية الاحياء.

الأسير حسين مسالمة في طريقه الى الانتخابات بالموت، ينافس بقائمة عددها 226 شهيداً ارتقوا داخل السجون، يدعونا الى انتخابهم في البرلمان الفلسطيني وليكن اسمه برلمان الشهداء، يقول: صوتوا ايها الناس للشهداء، صوتوا للاسرى المناضلين الصامدين، هؤلاء ليس لهم مصالح شخصية ومنفعية، ليس لهم مصالح دنيوية ولا زمنية، لنعيد التوازن الى التوازن والنصاب الى النصاب، هو صوت الحرية والخلاص.