الصندوق الأسود والاقتصاد
من الذي سيكون المرشح لنيل لقب “كبش الفداء” ومن الذي سيتحمل لوم أزمة “كورونا” وما خلفته من ركود اقتصادي وانهيارات للأسعار الأسهم والعملات، هل نظام الرعاية الصحية ام الإقتصاد وعدم وجود تخطيط اقتصادي صحيح ام الشعب؟
الريادة التى نسعى لها ، في كل مراحل الجائحة تتمثل في نقل الإقتصاد الى واقع جديد، واقع مبنى على خطط استراتيجية تتجة نحو التعافي معززة بمؤشرات اقتصادية ايجابية، تدفعنا جميعا نحو التفاؤل بغدٍ واعد ، ولن نستطيع ان نحقق ذلك الا بتكاتف كل الإيدي .
لقد شهد العالم وشهدت فلسطين تجربة مريرة في العام المنصرم 2020 بسبب جائحة كورونا، وقد فقدنا مئات المواطنين بسبب هذا الفايروس اللعين، وما يبعث الأمل ان القادم أفضل، بتوفر اللقاح لكل مواطن ، بالرغم من الزيادة في إنتشار المرض وتنوعه الذي يضعف التفاؤل، لكن باعتقادي الإرادة الإنسانية ستتغلب على الطبيعة لا محال. ويبقى العالم ما بعد الجائحة يواجهة استحقاقات متنوعة تتعلق بالإقتصاد والتوازن المالي والصحة العامة. فقد شهدنا تراجعاَ كبيراً في معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة في معدلات البطالة ، وتباطؤ في برامج تحفيز الإقتصاد المحلى وتخفيف معاناة الملايين من أبناء شعبنا .
كان وما زال على الحكومة الفلسطينية بذل جهود حثيثة لتنشيط الإقتصاد الوطني ومواجهة الإستحققات ، فزيادة النمو الاقتصادي ضرورة وطنية لتوفير الوظائف وتوسيع القاعدة الاقتصادية والمالية لدى الحكومة الفلسطينية من خلال الضرائب لتعويض الإنقاق الحكومي الكبير، ودونما تحفيز الاقتصاد وتحقيق معدلات نمو حقيقية، فلا اعتقد ان خطة التعافي من الجائحة ستكون سهلة، وكلما تعثر الإقتصاد كلما تراكمت الإستحقاقات لتعديل المسار نحو التعافي.
إن المشهد القادم يتمثل في بقاء حالة الحذر الشديد لدى المستهلكين ولفترات طويلة بعد عملية انحسار “أزمة كورونا”، وسنشهد نموذجا اُطلق علية “استهلك، استنفذ، او استغنى عنة”، الأمر الذي سؤثر سلباً على انفاق المستهلكين بكافة القطاعات الانتاجية والمبيعات بأسواق التجزئة وتشير التنبؤات للأداء الإقتصادي الفلسطيني في سنه 2021 الى انكماش بنسب متفاوته ، وتوقع البنك الدولي عودة الاقتصاد المحلي للنمو لكن بوتيرة بطيئة لا تتجاوز 2.3 في المئة في 2021، و2.4 في المئة في 2022، مع استمرار أثر الصعوبات المالية والاقتصادية خلال الأمدين القصير والمتوسط، تماماً كما حدث في عامي 2007-2008 بعد الأزمة المالية العالمية.
على الحكومة الفلسطينية وبهذه المرحلة ان تسعى باتجاه خلق بيئة واعدة للنمو الاقتصادي والشراكات الخارجية بواقع جديد تحت عنوان ” دبلوماسية الاقتصاد”، بعد التخلص من آثار جائحة “كورونا” التى لطالما أثرت بشكل سلبي على كافة مناحي الحياة الإقتصادية ، والعمل تباعاٌ على التوجة نحو وضع أجندات للمستقبل لأكساب المواطنين الثقة بالسياسات وتطوير نهج التطوير.
نحن مقبلين على مراحل متغيرة على المستوى العالمي والإقليمي سواء السياسية منها او الإقتصادية، ونحن في هذه المرحلة يتطلب منا كفلسطينيين حكومة ومؤسسات قطاع خاص الإستعداد الجيد للمرحلة المقبلة والتى تطلب تخطيطاً سليماً، وعملاً حثيثاً نحو بناء شراكات دولية قوية تستند الى مبدأ الإنفتاح الإقتصادي على العالم والإستثمار الجيد للموارد الإقتصادية ، فهل نحن جاهزون للقادم؟
ربما نتساءل عن الشيء الذي يكون حلواً بمرارته، ونتعجب من أنفسنا عندما نستمتع بمرارة الشيء حتى إننا نراه حلواً حتى لو خالف هذا الواقع والحقيقة.
اولاً، ان يتم توزيع اللقاحات على ابناء الشعب الفلسطيني بشكل عادل، وهذا سيساعد بعودة المستهلكين والشركات إلى حياة طبيعية، قد تستغرق اكثر من النصف الأول من العام الحالى 2021.
ثانياً، توفير الدعم النقدي والمالي للاقتصاد الذي يعاني من موجات الوباء، وذلك سيضمن انتعاش معظم القطاعات الاقتصادية ويساعد على حسر الوباء.
أما وما زال الحال يراوح مكانه، علينا ان نقدم إقتراحات عملية لخلق بنية اكثر تجاذباُ ، وتشكل حماية للمستقبل المجهول القادم، وعليه فأنني أقترح المقترحات التالية من أجل العمل على ترتيب البيت الفلسطيني:-
اولاً، العدالة الإجتماعية وذلك في توزيع العبء الضريبي ، ولا يقتصر على إعفاء او إلغاء الشريحة الضريبية الأعلى (20%) على دخل الشركات ورجال الأعمال والإكتفاء بشريحة (15%) .
ثانياً: وحدة الوطن الفلسطيني الواحد: الضفة الغربية- القدس- وقطاع غزة والعمل وحدة الأنظمة الإقتصادية.
ثالثاً: العمل على تحفيز الاقتصاد وخلق فرص استثمار جديدة بغرض النمو المستدامة.
رابعاً: العمل على تشجيع المنشآت الصغيرة على التسجيل والعمل ضمن القطاع المنظم، مع إنشاء مرجعيات لتطمين صغار المستثمرين بشأن تخفيض الالتزامات المترتبة عليها نتيجة التسجيل. والاستفادة من برامج تسهيل الاجراءات الممول من مؤسسة التمويل الدولية بالتعاون مع وزارة الاقتصاد.
خامساً، رسالتنا على القطاع الخاص الفلسطيني البدء بالعمل الحثيث نحو زيادة حجم الإنتاج، وتأهيل وتدريب العاملين، وتزويدهم بالمعدات اللازمة، لرفع تنافسية المنتج الفلسطيني ، في مواجهة السلع المستوردة.
سادساً، تكثيف الجهود الوطنية للإصلاحات على كافة الأصعدة المؤسساتية القضائية والادارية بمؤسسات القطاع العام والعمل بشكل حازم على مكافحة الفساد ووقف هدر المال العام.
سابعاً:- تفعيل دور صندوق التشغيل وتبني سياسات تدعم الإنتاجية للعمل الفلسطيني، من خلال التركيز على تصديرالسلع والخدمات الفلسطينية ذات القيمة المضافة العالمية ، بدل عن زيادة تصدير العمالة الفلسطينية، من خلال التركيز على موضوع التنمية البشرية وتحسين الإنتاجية ، والاهتمام ببرامج التدريب المهني والتقني وتطوير نظام التعليمي الجامعي بما يتلاءم وحاجة سوق العمل الفلسطينية.
العمل نحو أَفق وطني، مهمة قيادية، تطلب ترسيم سياسات تتوافق مع الواقع، تعالج وتنهض نحو مستقبل أفضل، آخذين بعين الإعتبار الوحدة الوطنية ، فلتتكاتف الأيدي لبناء وطن موحد.
* مستشار اقتصادي دولي- وشريك إقليمي لصندوق دعم المبادرات- فاستر كابتل –دبي