ماذا بعد أن أصبح بايدن الرئيس الأميركي الجديد؟!

30 يناير 2021آخر تحديث :
ماذا بعد أن أصبح بايدن الرئيس الأميركي الجديد؟!
ماذا بعد أن أصبح بايدن الرئيس الأميركي الجديد؟!

بقلم: فيصل أبو خضرا

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

كثُر الجدل في الساحتين الفلسطينية والعربية منذ هزيمة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وفوز الرئيس الحالي جو بايدن، فهناك من يعتبر أن سياسة بايدن تجاه الشرق الأوسط وخاصة تجاه القضية الفلسطينية ستكون أفضل من سياسة سابقه وتوفر فرصة لاستئناف عملية السلام للتوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، فيما يعتبر آخرون ان هناك ثوابت في السياسة الأميركية لا تتغير بتغير الرئيس وفي مقدمتها الانحياز لإسرائيل والحفاظ على تفوقها العسكري في المنطقة وعدم الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني كما أقرتها الشرعية الدولية والتعامل بازدواجية مع القانون الدولي ومع مبادىء العدل والحرية وحقوق الإنسان، وهو ما يدفع إلى التساؤل هل نحن أمام مرحلة جديدة من السياسة الأميركية أم ان هذه السياسة لن تختلف جوهريا عن ثوابت سياسة الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عقود؟

لقد علمتنا التجربة المريرة مع السياسات الأميركية أن من الصعب الاعتماد على نزاهة أي ادارة امريكية ماضيا وحاضرا وبالتالي فإن من المشروع الشك بنزاهة أية إدارة أميركية جديدة ما لم تثبت العكس، فها هي الإدارة الجديدة كما يظهر من التعيينات الجديدة في المناصب العليا سواء السياسية أو العسكرية أو الأمنية، بدءاً من وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الى بقية المعينين في هذه الإدارة بما في ذلك اعداد الصهاينة الذين بيدهم مراكز صنع القرار، وكذا ما صدر من تصريحات لبعض مسؤوليها كلها تشير الى ان الثابت في سياسات ومواقف كل هؤلاء هو دعم إسرائيل وضمان أمنها، ولم يشر اي منهم بوضوح إلى ضرورة انهاء الاحتلال غير الشرعي للأراضي الفلسطينية او الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، رغم الحديث عن ان هذه الإدارة تفضل حل الدولتين انطلاقا من حرصها على بقاء إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية على حد تعبير وزير الخارجية الجديد انتوني بلينكن الذي أشار ايضا الى ما وصفه بالتعقيدات أمام حل الدولتين وتأكيده ان الإدارة الجديدة لن تعيد السفارة الأميركية من القدس إلى تل أبيب.

لذلك علينا ان لا نراهن كثيرا على المفاوضات التي لن تسفر سوى عن الحد الذي سوف توافق عليه ادارة بايدن وما تقبل به دولة المحتل وهو ما يختلف تماما عما يأمله الجانب الفلسطيني. فأين هي المواقف الأميركية أو الإسرائيلية التي تبشر بخير فيما يتعلق بالقدس عاصمة فلسطين او المستعمرات غير الشرعية المقامة على الأراضي المحتلة او قضية اللاجئين وحقهم بالعودة والتعويض او الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة؟

صحيح ان الإدارة الأميركية اعلنت اعتزامها استئناف المساعدات للسلطة الفلسطينية ولوكالة الغوث واستعدادها لفتح الممثليات التي أغلقها ترامب الا ان كل ذلك لا يلامس الحقوق الفلسطينية الجوهرية بل يشكل عودة للسياسة الاميركية المتبعة منذ عقود والتي ثبت فشلها في ايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية مع تكريس الإدارة الجديدة لوقائع غير شرعية فرضها ترامب كنقل السفارة للقدس والاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وهو ما يعني انحرافا عن السياسة الأميركية التقليدية لصالح مزيد من الدعم للاحتلال الإسرائيلي.

وصحيح القول إننا لسنا عدميين ونسعى بكل جهد لإقناع الولايات المتحدة بتغيير سياساتها تلك لتصبح أكثر عدلا وانصافا ولتنسجم مع الشرعية الدولية فيما يخص القضية الفلسطينية ، إلا ان تحقيق هذا الهدف يتطلب ايضا عدة استحقاقت فلسطينية ثم عربية وإسلامية تضع خطوطا حمراء في كل ما يتعلق بالقضية وبالمصالح العليا للشعب الفلسطيني والامة العربية.

لذلك نقول ان علينا الآن بذل كل جهد في استكمال المصالحة وتحقيق الوحدة بغض النظر عن الإدارة الأميركية الموجودة في البيت الأبيض او الحكومة التي تحكم إسرائيل. وربما تشكل حوارات القاهرة المقبلة الفرصة الأخيرة لتحقيق هذا الهدف وبناء جبهة فلسطينية قوية موحدة قادرة على الصمود والمضي قدما في مسيرة النضال الطويلة والشاقة وقادرة على التعامل مع كل المبادرات والمقترحات انطلاقا من ثوابت وطنية وخطوط حمراء لا يجوز لأحد تجاوزها.

وإذا ما نجحنا في ذلك وبدأنا بتنفيذ الخطوات المطلوبة بما فيها الانتخابات التي اعلن عنها الأخ الرئيس محمود عباس والتي من شأنها تجديد الشرعية الفلسطينية واستعادة الوجه المشرق للنظام السياسي الفلسطيني وللديمقراطية والتعددية السياسية والشراكة حول برنامجنا الوطني في انهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وضمان حق اللاجئين في العودة والتعويض، عندها سنفرض على العالم اجمع الاستماع للصوت الفلسطيني الواحد وان نثبت للعالم إصرارنا على انتزاع حقوقنا المشروعة.

هذا الموقف الفلسطيني سيشكل بالتأكيد نواة صلبة لوحدة القرار العربي من الجميع بما في ذلك الدول التي سارعت لإقامة علاقات مع إسرائيل، مما يعني زخما فلسطينيا عربيا قادرا على التعامل بشكل افضل سواء مع الإدارة الأميركية الجديدة او مع التحديات التي تفرضها إسرائيل.

وهنا لابد ان نقول ان شعبنا الفلسطيني اجمع بجميع اطيافية وقواه السياسية يشكر ويحيي الرئيس عبد الفتاح السيسي المساند للشعب الفلسطيني ومصر الشقيقة حكومة شعبا الداعمة دائما لشعبنا وحقوقه ومطالبه العادلة والحريصة دوما على الوحدة الفلسطينية، فها هي مصر تحتضن مجددا الحوار الفلسطيني الذي نأمل ان يتكلل بالنجاح.

وهنا نؤكد ان من الواجب ان تتفق حماس وفتح وباقي الفصائل على خطة عمل واحدة بما في ذلك كيفية التعامل مع الادارة الأميركية الجديدة والتحديات الأخرى آخذين بعين الاعتبار المتغيرات الدولية والإقليمية ومستندين إلى قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرارات مجلس الأمن.

وهنا لا بد ان نستذكر دورة المجلس الوطني الذي انعقد في الجزاير عام ١٩٨٨م برئاسة الشهيد الرمز ياسر عرفات،، والذي حدد الأسس والثوابت التي يطالب بها الشعب الفلسطيني واهمها الدولة الفلسطينية في حدود العام ١٩٦٧م والقدس الشرقية عاصمة فلسطين وعودة للاجئين الى وطنهم فلسطين.

صحيح ان هزيمة ترامب وفشل صفقة القرن وفوز بايدن وقرب تحقيق الوحدة الفلسطينية يدفعنا للتفاؤل بعض الشيء ويفرض علينا فتح حوار مع إدارة بايدن خصوصا اذا نفذ وعده باعادة القنصلية الامريكية الى القدس الشرقية،التزم بحل الدولتين وفق الرؤية الدولية لهذا الحل ، ولكن هذا الحوار وهذا التعاطي مع الإدارة الأميركية الجديدة يجب ان يتم بروية ودراسة وحذر، وان لا ننسى بان بايدن اعلن يوما انه ليس يهودياً ولكنه صهيوني، ولكن ما من شك انه أقل سوءا من الجاهل ترامب.

كما ان علينا ان نكون واقعيين وان نركز طلباتنا في قرارات مجلس الامن والشرعية الدولية خاصة بالنسبة لحقوق شعبنا وعدم شرعية كل اشكال المستعمرات ، وان القدس العربية جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة التي يجب على إسرائيل الانسحاب منها. ولكن المفاوض الفلسطيني يجب ان يكون لديه من المرونة والذكاء ما لا يتعارض مع التمسك بالثوابت عند التعاطي مع هذه القضايا. وفي هذه المناسبة فإننا على ثقة ان الأخ الرئيس محمود عباس سيختار الفريق المفاوض من ذوي الخبرة في الشؤون والعقلية الامريكية والقانون الدولي وقرارات المجتمع الدولي وتاريخ القضية.

وهنا فإننا نأمل من اخواننا في حماس بان لا يكونوا حجر عثرة امام المفاوض الفلسطيني الملتزم بالثوابت المتفق عليها والقبول بالشرعية الدولية كأساس لاي حوار سياسي او دبلوماسي … والله المستعان