بقلم: راسم عبيدات
بدون مواربة وبدون تنظير وبدون شعارات، وبدون القول بأن الانتخابات ستجري في القدس رغم الاحتلال، ولكي نُخرج بيان الحوار الوطني في بنده المتعلق بالقدس، والذي اكد على أن الانتخابات ستجري في القدس انتخاباً وترشيحاً الى حيز الفعل العملي، حيث البند لم يتحدث عن آليات تنفيذ الانتخابات، وتركه عائماً، فلا مناص من تكوين رؤيا مقدسية وفلسطينية موحدة،حول آليات إجراء الانتخابات في القدس، المقدسيون هم من دفعوا الثمن الأغلى، نتاج اتفاقيات كارثة اوسلو، حيث أجل مصيرها الى ما يسمى بالمرحلة النهائية،وهي بعد أكثر من ربع قرن لم تأت.
على صعيد الأسرى هناك العديد من أسرى القدس، الذين لم يكونوا هم وأسرى الداخل -48 – جزء من اتفاق أوسلو، ما زالوا في سجون الاحتلال، وفي المقدمة منهم الأسير سمير أبو نعمة والذي مضى على وجوده في الأسر 36 عاماً، وليس فقط في قضية الأسرى دفع المقدسيون الثمن الأعلى، بل في إطار الحرب الشاملة على مدينة القدس وبالتحديد من بعد نقل أمريكا في عهد الرئيس المتصهين ترامب لسفارتها من تل أبيب الى القدس 6/12/2017 والاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال 14/5/2018، ونحن نشهد حرباً شاملة على المقدسيين، ” تسونامي” استيطاني وعمليات تطهير عرقي تطال أحياء بكاملها بطن الهوى في سلوان والشيخ جرح وبيت المفتي السابق الحاج أمين الحسيني وقصره وسُعار في هدم المنازل، ومحاولات لتغيير الوضع القانوني والتاريخي والديني للمسجد الأقصى، ناهيك عن مسلسل اعتقالات غير منتهي، وإستهداف متواصل في تفاصيل الحياة اليومية الاقتصادية والاجتماعية.
الجميع يدرك بان مشاركة المقدسيين في الانتخابات التشريعية 1996 و 2006 ، كانت منقوصة ورمزية، حيث لم يسمح للمقدسيين في ممارسة العملية الانتخابية ترشيحاً وانتخاباً بحرية، حيث شارك في كلتا الحالتين 6 آلاف مقدسي في الانتخابات في مراكز البريد الإسرائيلية كرعايا في دولة ثانية، والبقية أجبروا على التصويت في ضواحي مدينة القدس ( قدس 2)، خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس، وصودر حقهم في إقامة مراكز انتخابية وممارسة الدعاية والتجمعات الانتخابية، ولم يكن هناك دور للجنة الانتخابات المركزية والمراقبين … واليوم مع تحديد موعد الانتخابات التشريعية بمرسوم رئاسي في 22/5/2021،فإن قضية مشاركة المقدسيين في تلك الانتخابات تثار حولها الكثير من التساؤلات، هل ستسمح دولة الاحتلال للمقدسيين بالمشاركة في تلك الانتخابات ..؟؟ كما هو الوضع الذي كان قائماً في انتخابات كانون ثاني/2006 ،أم في ظل المتغيرات والتطورات التي حصلت سترفض حتى السماح لقسم منهم بالتصويت في مراكز البريد الإسرائيلية، وخاصة اننا امام انتخابات تبكيرية رابعة في دولة الإحتلال، تتصارع عليها قوى اليمين واليمين والمتطرف، وحاجتها لأصوات المستوطنين، وقولها بأن القدس عاصمة لدولة الإحتلال، تجعلها ترفض أي مشاركة للمقدسيين في تلك الانتخابات.
نسبة مشاركة المقدسيين في انتخابات 1996 و2006 كانت متدنية، ومرد ذلك لحالة فقدان ثقة المقدسيين بالسلطة التي أجلت قضيتهم الى المرحلة النهائية، وكذلك لخوف وإحجام المقدسيين عن المشاركة، نتيجة لبث الإشاعات والدعاية المغرضة من قبل الاحتلال وأجهزته واعوانه بأن مشاركة المقدسيين في تلك الانتخابات من شأنه سحب هوياتهم الإسرائيلية ” الزرقاء” وحرمانهم من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.
اليوم يقف الجميع على المحك، السلطتان والقوى والأحزاب وفصائل وكل المكونات والمركبات المقدسية، لكيفية إدارة معركة مشاركة المقدسيين في تلك الانتخابات، وبما يجعل قضية القدس ان لا تستمر وان لا تنتظر ما يسمى بالمرحلة النهائية، والتي هي ليست سوى بيع أوهام وخداع وتضليل، وبما يجعل دولة الاحتلال تجهز عليها، ولكي تكون القدس اولاً وليس اخراً، ولكي لا نستمر في تكييف عقول أبناء شعبنا في القدس، لتتوائم مع الرؤيا والشروط الإسرائيلية، وخاصة أنني اتلمس الخطر من خلال إطلالتي على نقاش لمجموعة من الشباب حول مشاركة المقدسيين في الانتخابات التشريعية، والشيء الصادم ان عقليتهم تكيفت مع الرؤيا الإسرائيلية لمشاركة المقدسيين في تلك الانتخابات، بالتصويت في ضواحي المدينة، وحتى مجرد الطرح بان يكون اشتباك سياسي مع الاحتلال حول المشاركة المقدسيين في تلك الانتخابات من خلال حقهم بالتصويت في صناديق انتخاب في قراهم وبلداتهم وممارسة الدعاية والتجمعات الإنتخابية، ووجود لجان إشراف ومراقبين، اعتبروه نوع من الشعارات والمزايدة ،وهذا يعكس حجم ما يتعرض له الشباب المقدسي من غسيل للدماغ” و”صهر و” تطويع” للوعي، ليسوا هم المسؤولين عنه، بل قبول السلطة والفصائل الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية لمشاركة المقدسيين في الانتخابات رسخ في عقولهم مثل هذه القناعات .
الخيارات المتاحة أمام المقدسيين للمشاركة في الانتخابات، ان تصر السلطتين والفصائل على مشاركة المقدسيين، استنادا الى الشرعية الدولية والقانون الدولي بأن القدس مدينة محتلة ،وما ينطبق عليها ينطبق على باقي التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشاركة كاملة للمقدسيين ترشيحاً وانتخاباً في (قدس1)، أي القرى والبلدات المقدسية التي تخضع لسيطرة بلدية الإحتلال، والرفض الإسرائيلي المتوقع سيضع السلطتين والفصائل أمام خيارات واستحقاقات إما ان تكون على مستوى المسؤولية والتحدي، او ان تقبل بما يوافق عليه الإسرائيليين، بمعنى ان تعمل على فتح صناديق اقتراع في المدارس والجوامع والأندية، واذا ما جرى اقتحامها من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية واعتقال القائمين عليها، فهنا يجب التفكير ملياً بأن يتم وضع دول الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة امام مسؤولياتهم، وهم الذين يقولون لنا دائماً بأنهم مع حل خيار الدولتين، وبأن القدس مدينة محتلة، بأن يترجموا أقوالهم وبياناتهم ومذكراتهم الى فعل في أرض الواقع، بأن يفتحوا سفاراتهم وقنصلياتهم وممثلياتهم ومقراتهم، لكي يصوت فيها المقدسيين، واذا رفضوا ذلك ينكشف دورهم ويتعري، بأنهم ليسوا اكثر من باعة شعارات ومتواطئين مع الاحتلال في كل ما يقوم به من إجراءات وممارسات قمعية بحق شعبنا الفلسطيني والمتعارضة مع القانون الدولي والاتفاقيات الدولية.
والبحث في البديل والخيار الأخير القبول بما تقبل به دولة الإحتلال،تصويت محدود في مراكز البريد الإسرائيلية،والبقية في (قدس 2)،أي ضواحي مدينة القدس خارج جدار الفصل العنصري، هذا يستدعي أن يتولى المقدسيين امورهم بانفسهم، بأن يجري تشكيل قائمة مقدسية من كل مكونات ومركبات المجتمع المقدسي أولاً، تحت عنوان ” القدس اولاً، وعلى أن تضم شخصيات وازنة من الضفة الغربية وقطاع غزة، من اجل إثبات مركزية قضية القدس والالتفاف حولها.
نعم هناك مخاطر ليست بالبسيطة وشائكة، تعترض قضية مشاركة المقدسيين، في تلك الانتخابات جزء منها مرتبط بإهمال السلطة لقضية القدس، وعدم تلبيتها لاحتياجات المقدسيين والتعاطي بشكل جدي مع همومهم واحتياجاتهم الاقتصادية والاجتماعية، وجزء ذاتي مقدسي، له علاقة بان هناك من نمت لديه مصالح وامتيازات مع دولة الاحتلال، ناهيك عن الفعل الممنهج لدولة الاحتلال وأجهزتها في مدينة القدس بــ “كي” وعي” المقدسيين، وربط شؤونهم الحياتية اليومية مع دولة الاحتلال … ولا بد من ان يأخذ المقدسيون المبادرة ويسلطوا الضوء على قضيتهم ومدينتهم، ويعملوا على تشكيل قائمة مقدسية تتمثل فيها كل المكونات والمركبات المقدسية، مدعومة من صناع القرار والقيادة الفلسطينية.