رغم التقدّم … لعنة الانقسام تحاصر حوار القاهرة

16 فبراير 2021آخر تحديث :
رغم التقدّم … لعنة الانقسام تحاصر حوار القاهرة
رغم التقدّم … لعنة الانقسام تحاصر حوار القاهرة

بقلم: هاني المصري

بادئ ذي بدء، وحتى لا يُساء فهم ما هو وارد في هذا المقال، أقول إنّ حوار القاهرة، والحوار الوطني بشكل عام، أفضل من التراشق بالاتهامات والتحريض المتبادل.

إنّ أجواء التعاون والحميمية والتفاهمات المسبقة، وحتى الاتفاقات الثنائية، أفضل من الخصومة والإقصاء والتخوين والتكفير والمغالبة، وإن إنهاء الانقسام المستمر منذ أكثر من 13 عامًا والممتدة جذوره عميقًا في الأرض الفلسطينية أمر صعب بسرعة وضربة واحدة، فهو يستمد عناصر استمراره من البنية السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية التي نمت على جنباتها جماعات مصالح الانقسام، التي همها إدامة الانقسام كونه يحقق لها نفوذًا وثروة ومكاسب ومناصب لا يمكن تحقيقها ولا المحافظة عليها في ظل الوحدة. وندرك أن إدارة الانقسام أقل سوءًا من تعميقه، وأن الاتفاق على الانتخابات أولًا أفضل من لا شيء.

من المهم ما تم الاتفاق عليه في حوار القاهرة من الاتفاق على حرية الانتخابات ونزاهتها واحترام نتائجها، والالتزام بالجدول الزمني الذي حدده مرسوم الانتخابات، والتأكيد على إجرائها بالقدس تصويتًا وترشيحًا، وعلى تولي الشرطة في الضفة والقطاع مسؤولية أمن مقرات الانتخابات، إضافة إلى الاتفاق على إطلاق الحريات العامة، والإفراج الفوري عن المعتقلين على خلفية سياسية، وتوفير الحرية الكاملة للدعاية الانتخابية، وضمان حيادية الأجهزة الأمنية، وتوفير فرص متكافئة في أجهزة الإعلام الرسمية، والاتفاق على تعديلات على قانون الانتخابات، فيما يتعلق بخفض سن الترشح وتمثيل المرأة واستقالة الموظفين وغيرها، وعلى عقد اجتماع آخر في شهر آذار القادم لبحث المنظمة واستكمال تشكيل المجلس الوطني، وعلى تطبيق المسارات الثلاثة.

يقتضي ما سبق، وما رافقه من متغيّرات فلسطينية وإسرائيلية وإقليمية ودولية، وخصوصًا أميركية، الاستعداد للتفاعل معها لتقليل مخاطرها، وزيادة مكاسبها، وتوظيف الفرص المتولدة عنها، مع الإدراك أن ما يحدث ليس نتيجة ضغط خارجي ولا مؤامرة ولا طبخة فقط، وإنما مسارعة الفلسطينيين إلى تأهيل أنفسهم في ظل توفّر نقطة التقاء بين الإرادة الفلسطينية مع الإرادات العربية والإقليمية والدولية.

ما سبق مهم، ولكن الأهم هو: هل وكيف سيتم الالتزام بتطبيق كل ما سبق، والاتفاق على ما لم يتم الاتفاق عليه، بما يضمن أن تكون الانتخابات خطوة إلى الأمام، وبداية تغيير شامل، وليست إعادة إنتاج للوضع القائم وللسياسات السابقة التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.

بداية حكاية الانتخابات

بدأت الحكاية بمحاولة ثنائية فتحاوية حمساوية لإنجاز الوحدة عبر مؤتمر صحافي ضمّ كل من جبريل الرجوب وصالح العاروري في تموز الماضي، ومرت بمحطة اجتماع الأمناء العامين، وتفاهمات إسطنبول في أيلول الماضي، وكانت تستهدف في البداية تحقيق الوحدة الميدانية والمقاومة الشعبية، وتطوّرت إلى السعي من أجل الوحدة الكاملة بعد توفر أساس سياسي يتمثل بقرار التحلل من الاتفاقات وبالموقف الفلسطيني الجماعي ضد خطة ترامب – نتنياهو الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا قدم فرصة ثمينة للبناء عليه.

ثم حدثت الانعطافة الحادة عبر إعادة العلاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل بشكل انفرادي، أي الهبوط بالموقف الفلسطيني، وضرب الأساس المشترك على خلفية سقوط ترامب ونجاح بايدن، وعودة الأوهام والرهان على إحياء عملية التسوية وإمكانية تجسيد حل الدولتين، من خلال إعادة إنتاج المفاوضات.

من المهم استئناف المفاوضات، لكن بعد تغيير موازين القوى وامتلاك القدرة على فرض مرجعية لها تتضمن الحقوق الوطنية الفلسطينية المتضمنة في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

وبدلًا من الوقوف أمام هذه الانعطافة، ووقفها، والبناء على الأساس المشترك، تم الإقدام على قفزة جديدة تتمثل في تصوّر إمكانية عقد الانتخابات أولًا كمدخل لإنهاء الانقسام. وهذه نقطة ضعف قد تكون قاتلة إذا لم يتم على الأقل الجمع بين مسار الانتخابات، ومسار إنهاء الانقسام وإفرازاته بشكل متوازٍ وضمن جدول زمني متفق عليه.

وظهرت الثمار المرّة للانعطافة عن الأساس السياسي باستبدال الاتفاق على تفعيل المقاومة الشعبية، وتشكيل قيادة موحدة لها، وتشكيل لجنة من شخصيات وطنية وازنة، تقدم رؤية إستراتيجية لتحقيق إنهاء الانقسام والمصالحة والشراكة في إطار منظمة التحرير خلال مدة لا تتجاوز خمسة أسابيع كما جاء في قرارات اجتماع الأمناء العامين؛ بوضع كل البيض في سلة الانتخابات المترابطة، التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، وتأجيل إنهاء الانقسام وكل شيء إلى ما بعد قيام المؤسسات التمثيلية التي وضع كل شيء على ظهرها، ما يحمّلها أكثر ما تحتمل، ويمكن أن يكسر ظهرها عشية أو غداة المحطة الأولى.

وعندما نسأل: لماذا صدعتم رؤوسنا منذ وقوع الانقسام بأن طريق الوحدة إنهاء الانقسام أولًا من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق وطني، وتمكينها من الحكم في قطاع غزة قبل الإقدام على حل الملفات الأخرى، وسبق وقلنا – مرارًا وتكرارًا – ونعيد التأكيد بأنه لا يمكن إنهاء الانقسام من دون الاتفاق على رزمة شاملة تتضمن توحيد المؤسسات وإنهاء الهيمنة والتفرد على السلطتين في الضفة والقطاع وعلى المنظمة وتكون الانتخابات تتويجًا لها، انطلاقًا من الاتفاق على البرنامج الوطني وأسس الشراكة والديمقراطية التوافقية.

ردد أحد طرفي الانقسام، سابقًا، بأن الأولوية لإنهاء الانقسام أولًا وعودة غزة تحت قيادة السلطة، بينما اعتبر الطرف الآخر بأن الأولوية هي الدخول إلى المنظمة، والاعتراف بسلطة الأمر الواقع، بما يشمل تمويلها وصرف رواتب موظفي القطاع. أما الآن، فقد وافق الطرفان على الاعتراف بالانقسام والتعايش معه، على أمل التعامل معه بعد الانتخابات، مع العلم بعدم وجود ضمانة لإنهائه.

الانتخابات أولًا أم إنهاء الانقسام أولًا أم سيرٌ متوازٍ؟

يُقال لتبرير اللجوء إلى الانتخابات أولًا: إننا جربنا إنهاء الانقسام أولًا وإعادة بناء مؤسسات المنظمة أولًا ولم ننجح. والسؤال: إذا كان المريض بحاجة إلى عملية قلب مفتوح (لإنهاء الانقسام)، هل من الممكن معالجته بعملية استئصال المرارة (بالقفز نحو الانتخابات أولًا من دون توفير متطلبات نجاحها كاملة)؟ وهل معالجة عدم قدرة شاب على الزواج تكون بإباحة الزنا له؟

من دون إنهاء الانقسام أولًا، أو بالتوازي مع تطبيق مسارات عدة، من ضمنها التحضير لانتخابات على أساس برنامج وطني تحرري ديمقراطي لا يمكن إخراج الوضع الفلسطيني من المأزق الشامل الذي يعيش فيه، بل يمكن في أحسن الأحوال إدارة الانقسام، وفي أسوئها تعميقة أكثر وأكثر. فالانتخابات وسيلة وليست غاية، ولا يجب أن تنفصل عن معركة التحرر الوطني والديمقراطي التي يخوضها الشعب الفلسطيني.

تكمن كلمة السر في الاتفاق على البرنامج السياسي، وما يتضمنه من فتح أفق سياسي يهدف إلى جعل وظيفة الانتخابات في سياق جهد متكامل يستهدف إنهاء الاحتلال وتجسيد استقلال الدولة، وليس تمديد المرحلة الانتقالية وسلطة الحكم الذاتي إلى الأبد، والاستمرار في الالتزامات التي لم تعد إسرائيل ملتزمة بها منذ أمد طويل، والكف عن الرهان على إحياء عملية سياسية سقفها إدارة الصراع وليس التوصل إلى حل، ما من شأنها فتح الطريق إلى حل تصفوي آخر لا يختلف كثيرًا عن خطة ترامب، التي لم تمت، بل جمّدت، لأن صاحبها الأصلي (نتنياهو واليمين الإسرائيلي) يتعزز نفوذه في إسرائيل، في نفس الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بمواصلة الضم الزاحف وتوسيع الضم واستكمال تهويد القدس وأسرلتها.

جاء حوار القاهرة لإخراج الاتفاق الذي سبق الاتفاق عليه بين حركتي فتح وحماس، وبالتالي لم يدخل ولم يُمَكّن من الدخول في عمق وجذور التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية، ولا تكفي عبارة هنا وعبارة هناك في البيان الختامي مفصولتان عن سياقهما تتحدثان عن مرحلة التحرر الوطني أو إنهاء الانقسام والشراكة.

إن عدم الاتفاق على برنامج موحد والعمل معًا مع استمرار الانقسام يعني بالنسبة إلى طرف مواصلة برنامجه، وبالنسبة إلى الطرف الآخر غض النظر والتعايش مع هذا الأمر المهم جدًا لعل وعسى تؤدي هذه المرونة إلى الاعتراف به، وفتح الأبواب العربية والدولية، وخصوصًا الأميركية، المغلقة أمامه.

يُقال إنّ المجلس التشريعي والمؤسسات التمثيلية هي المخولة والأقدر على البت في القضايا الأساسية، بما فيها البرنامج الوطني، بينما في الحقيقة فإن عدم حدوث تغيير جوهري في الخارطة الفلسطينية من خلال الانتخابات، وفي ظل غياب البرنامج المتكامل المتفق عليه هو عمليًا سياسة وتزكية لبرنامج بعينه، وهو البرنامج الذي أوصلنا إلى الوضع المأساوي الذي نعيش فيه.

أما الحديث عن وثيقة الوفاق الوطني ومقررات اجتماع الأمناء العامين باعتبارهما البرنامج، فهذا ضحك على الذقون، فهما خطوة مهمة على طريق رسم البرنامج، لكنهما مجرد هيكل عظمي ينقصه اللحم والدم والأعصاب والمخ.

لم ينه حوار القاهرة الانقسام ولا ترسباته، ولم يكن على جدوله تحقيق ذلك، لأن الاتفاق المسبق بين “فتح” و”حماس” يقوم على تأجيل هذه القضية ومعظم القضايا المهمة إلى ما بعد الانتخابات، مع أن عدم الاتفاق عليها، أو على بعضها على الأقل، سيجعل الانتخابات وحدها مغامرة كبرى ليس بالضرورة أن تقود إلى إنهاء الانقسام، بل يمكن، وعلى الأرجح، أن تقود إلى شرعنته واستنساخ الأمر الواقع، وبقاء القديم على قدمه، واحتفاظ كل طرف بما لديه. فكل التنازلات التي قدمتها “حماس”، من الموافقة على التمثيل النسبي، إلى اعتبار الرئيس مرجعية، كانت ممكنة لأنها احتفظت عمليًا بسيطرتها الانفرادية على غزة، وموعودة بأن تدخل منظمة التحرير من دون اشتراط تخليها عن قطاع غزة، على أمل أن تحصل على الاعتراف بها.

وفي هذا السياق، فإن الحديث عن حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات يمكن أن يحدث أو لا يحدث، من دون أن يعني إنهاء الانقسام، بحيث تكون حكومة طربوش ما يؤدي إلى الشقاق مجددًا، ويمكن ألا يحدث إذا فازت “حماس” وحلفاؤها بالأغلبية في ظل سيف المقاطعة الأميركية والإسرائيلية، وربما الدولية والأوروبية، لأي وزير حمساوي أو لحكومة حمساوية أو يشارك فيها وزراء ينتمون إلى “حماس” وغيرها من المنظمات المدرجة على “قائمة الإرهاب”. ويتقاطع مع ذلك ما قاله مسؤول بريطاني بأن حكومته لن تتعامل مع أي وزير لا يعترف بإسرائيل و”ينبذ العنف والإرهاب”، وهذا الموقف قد ينسحب على معظم الدول الأوروبية.

ما سبق يعني أن الحصول على الاعتراف الدولي والشرعية الدولية لا يتم بتغيير أنفسنا وتقديم التنازلات، وإنما بتحقيق وحدتنا على أساس برنامج وطني قادر على التحليق دوليًا.

الانتخابات والتجديد

تكون الانتخابات خطوة كبيرة إلى الأمام إذا حملت تجديد وتغيير القيادة والنخبة الحاكمة، وبرنامجها، وسياساتها، وأساليب عملها، وليس من المحتمل أن يحدث ذلك، خصوصًا في ضوء المساعي لهندسة الانتخابات من خلال تشكيل قائمة وطنية واحدة تضم الجميع، أو أكبر عدد ممكن من الفصائل، وهذا ليس مجرد خيار من خيارات متعددة كما نسمع، بل الخيار الأول والمفضل، والذي من دونه تتحول الانتخابات إلى مغالبة و”دعوسة” من كل طرف للطرف الآخر. وهذا طبيعي لأن الانتخابات تقوم على أرض هشة معرضة للانهيار في أي وقت، لأنها لم تشمل الاتفاق على القضايا المحورية، بينما عندما تجري الانتخابات في ظل أرضية صلبة فسيكون التنافس مضبوطًا كونه يتم ضمن اتفاق شامل.

القائمة الوطنية الموحدة مقبولة – مع أنها ليست مفضّلة دائمًا – في حالة واحدة، وهي إذا قامت بعد إنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات، على أساس برنامج وطني كفاحي موجه ضد الاحتلال، بهدف تعطيل قدرته على التدخل في مسار الانتخابات ومصادرة نتائجها. أما إذا قامت من دون ذلك، فهي تهدف إلى التحايل على الشعب بقائمة واحدة ستفوز بالتزكية في ظل الانقسام وبرامج مختلفة، ومصادرة حقه في اختيار قائمة من قوائم متنافسة عدة تطرح برامج متعددة.

وما يزيد الأمر سوءًا أن تجديد شرعية السلطة يستهدف تأهيلها من أجل استئناف المفاوضات بأفق سياسي أقل من سقف أوسلو.

قضايا شائكة

تعاني المحاولة الراهنة، رغم حرص “فتح” و”حماس” والفصائل الأخرى على النجاح”، كما سبق وأوضحت من أنها تقوم على أرض هشة، بدليل عدم الموافقة على تضمين البيان الختامي عبارة تشير إلى قرارات المجلسَيْن الوطني والمركزي بخصوص العلاقة مع إسرائيل.

وثمة دليل آخر، وهو تأجيل البحث في إفرازات الانقسام وترسباته التي تتعلق بحقوق موظفين وأسرى ونواب ومتضرري وضحايا الانقسام وعائلاتهم إلى ما بعد الانتخابات. فهل هذا معقول؟! ومن يرفض أن يعالج هذه المسائل وهو ضعيف وشرعيته متآكلة، فما الذي سيضمن أنه سيفعل ذلك بعد فوزه في الانتخابات؟

حتى اعتماد القانون النرويجي الذي يسمح للكتل باستبدال النواب المعتقلين، بما يحدّ من قدرة الاحتلال على مصادرة المجلس التشريعي، فهو الآخر أُجّل ليكون على جدول أعمال المجلس التشريعي المنتخب، في حين من الضروري اعتماده قبل الانتخابات للمساهمة في توفير انتخابات حرة ونزيهة وتحترم نتائجها، وتعطيل قدرة الاحتلال على مصادرتها.

وبالنسبة إلى محكمة قضايا الانتخابات، فتم الاتفاق على اختيار القضاة عبر المحاصصة الفصائلية، وهذا غير قانوني، على أن يرفع الأمر إلى مجلس القضاء الأعلى ليقدّم توصية إلى الرئيس بإصدار مرسوم يقضي باعتمادهم، وهذا أمر غير قانوني أيضًا، لأن المجلس ومجمل السلطة القضائية مطعون في شرعيتها بعد القرارات الأخيرة بقوانين، التي أجهزت على ما تبقى من استقلال للسلطة القضائية، فهل بمثل هذه القوانين والمعالجات تتوفر مستلزمات وبيئة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة؟

وهناك حل يتضمن إلغاء القوانين الأخيرة والمحاكم الإدارية والمحكمة الدستورية، أو إصدار قرار بقانون بتجميدها، وإحالة أمر البت فيها إلى المجلس التشريعي الجديد، عندها يشعر الجميع بالأمان والثقة. أما العناد ورفض ذلك فيعني أن السلطة التنفيذية يمكن أن تحتفظ بحقها في مصادرة نتائج التشريعي، كليًا أو جزئيًا، إذا أرادت ذلك، ولا ننسى أن المحكمة الدستورية رفعت توصية بحل المجلس التشريعي السابق بقانون تفسيري وتم ذلك.

وثمة نقطة أخرى في غاية الأهمية، وهي كيف ستتعامل محكمة قضايا الانتخابات وهي تنظر بحق الترشح لشخص صادر بحقه قرار من محكمة بغزة غير معترف بها؟ وكذلك بالنسبة إلى اعتماد الشرطة في الضفة والقطاع لتوفير أمن المقرات الانتخابية، في ظل أن الشرطة في غزة خاضعة لسلطة غير معترف بها.

وهذه المسألة يمكن حلها من خلال دراسة المشروع الذي أعده مركز مسارات بشأن إعادة بناء جهاز الشرطة في الضفة والقطاع على أسس مهنية، بعيدًا عن الحزبية، وخلال مدة أقصاها ثلاثة أشهر.

كما إن إقرار مسألة تتابع وليس تزامن الانتخابات مخالف للقانون الأساسي. وهو أُقر للنظر في مسألة استكمال أو عدم استكمال محطات الانتخابات الأخرى الرئاسية والمجلس الوطني في ضوء نتائج المجلس التشريعي.

هل يصل قطار الانتخابات إلى محطاته الثلاث؟

لقد انطلق قطار الانتخابات، وقطع نصف المسافة، ويمكن أن يصل أو لا يصل إلى محطته الأولى (الانتخابات التشريعية) إذا لم تذلل عقبات مهمة، مثل توفير متطلبات التصدي لتدخلات الاحتلال، خصوصًا بالنسبة إلى القدس وتهديد مرشحين محتملين لمنعهم من الترشح، واعتقالهم إذا ترشحوا وفازوا، ومثل هل سيتم تطبيق ما اتفق عليه في حوار القاهرة من إطلاق سراح المعتقلين وغيرها من القضايا الواردة في البيان، خصوصًا أن الكثير منها رفع إلى الرئيس للبت فيها، ويمكن أن يوافق أو لا يوافق عليها؟

ويتوقف كذلك على هل ستخوض حركة حماس الانتخابات بشكل موحد، أم ستدعم أو تتغاضى عن دعم أنصارها لقوائم أخرى غير القائمة الموحدة؟ وهل ستخوض حركة فتح الانتخابات في قائمة واحدة، أم ضمن قوائم عدة، خصوصًا إذا كان من ضمنها قائمة تضم مروان البرغوثي وناصر القدوة، أو برئاسة القدوة، على أن يخوض البرغوثي الانتخابات الرئاسية؟ واذا حصل ذلك فقواعد اللعبة كلها ستتغير، لأن لا أحد عندها سيضمن عقد الانتخابات ولا ضمان نتائجها كما خطط لها.

حلول مقترحة

هناك الكثير من النقاط التي أثارت جدلًا، مثل عدم حسم مسألة الإشارة إلى عبارة رئيس الدولة في قانون الانتخابات المعدل، الأمر الذي يخالف أن رئيس الدولة هو رئيس الشعب الفلسطيني كله، كما جاء في وثيقة الاستقلال، ويخالف القانون الأساسي الذي يعدّ مرجعية السلطة والانتخابات حيث ينصّ على انتخاب رئيس سلطة وليس دولة. فبقاء هذا المصطلح يمكن أن يعرض الانتخابات إلى الطعن في شرعيتها القانونية.

كما أن الانتخابات في القدس لم تحدد الإجراءات التي ستتخذ في حال وافقت أو لم توافق إسرائيل على إجرائها، خصوصًا أن يوم إجرائها يصادف يوم سبت، حيث تكون مراكز البريد التي ستشهد إجراء الانتخابات مغلقة بسبب العطلة الأسبوعية. وهناك إمكانية لحسم الأمر من خلال الأخذ باقتراح قدمه حزب الشعب الذي يتضمن تعديل قانون الانتخابات بحيث يشمل فتح مقرات في مدينة القدس، أو الأخذ باقتراح آخر يقوم على تحدي الاحتلال بفتح مقرات في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وفي المدارس، وفي مؤسسات أجنبية ودولية إذا وافقت، وإذا قامت قوات الاحتلال بمنعها فإنها ستظهر أمام العالم بأسوأ صورة حين تمنع الفلسطينيين من ممارسة حقهم الديمقراطي.

وفي هذا السياق، من الخطورة التساهل ودعوة أهل المدينة إلى التصويت في الضواحي أو إلكترونيًا، لأن هذا يشكل نوعًا من التعايش مع القدس باعتبارها عاصمة موحدة لإسرائيل.

أدرك جيدًا أن فلسطين والفلسطينيين يدفعون ثمن استمرار الانقسام وتبعاته وتداعياته، ما يعني أن إنهاء الانقسام عملية طويلة وليست مجرد قرار، ولا يمكن تجاوز ذلك الواقع بالوحدة الشكلية تحت راية الانقسام، لكن يمكن البدء بها قبل الانتخابات ومتابعتها بعدها.

كان المطلوب، ولا يزال، تشكيل حكومة انتقالية قبل الانتخابات، وعندها كانت الكثير من العراقيل ستلاقي حلًا.

ومن الثغرات الكبيرة تأجيل موضوع المنظمة واستكمال انتخابات المجلس الوطني لبحثها في الاجتماع القادم الذي سيعقد في آذار القادم، الذي من المفضل توسيع المشاركة فيه ليشمل ممثلين عن التجمعات الفلسطينية والقطاعات المختلفة، وخصوصًا من المستقلين والمرأة والشباب والكفاءات، ويتم التحضير له منذ الآن.

إن ملف المجلس الوطني يحتاج إلى وضع آليات منذ الأمس قبل اليوم، فهناك حاجة لتحديد أين يمكن إجراء انتخابات المجلس الوطني، وإعداد سجل الناخبين، وتشكيل لجنة انتخابات، ووضع قانون الانتخابات، والبحث مع الدول التي يقيم فيها فلسطينيون لإقناعها بتمكينهم من ممارسة حقهم الانتخابي على أرضها، وأن هذا لا يتعارض مع أمنها وسيادتها واستقرارها.

لا تزال هناك إمكانية لتعديل جوهري وليس تغيير كامل في المقاربة الجاري تطبيقها، لكي يكون هناك توازن بين الممكن وأفضل الممكنات والضرورات، فالمقاربة المعتمدة تقوم على تحقيق الممكن على أساس ليس بالإمكان أبدع مما كان، وهذا خضوع للواقع السيئ. أما المطلوب فهو اعتماد مقاربة تحقق أقصى وأفضل الممكنات، وليس الممكن فقط، كونها وحدها تفتح الطريق للاستجابة للضرورات.