بقلم: يونس العموري
قد يكون العنوان صادما او خياليا ، وقد يكون نوعا من أنواع الفعل الاحتجاجي وممارسة الصراخ باعتي اشكاله، وقد أكون ظالما لفلسطين ، ولكنها خربشة المعايير والموازيين وفي ظل خربشة الموازيين ومعايير الحق والباطل واختلاط الحقائق بعضها ببعض، تطل علينا الشعارات الكبرى التي لا يمكن فهمها واستيعاب حيثياتها ومفاهيمها بالظرف الراهن، حيث انقلاب هذه المفاهيم وتفريغها من محتوياتها… حيث تتصاعد حمى الشعارات والساحة الفلسطينية تستعد لخوض الانتخابات العامة، وكما هي العادة تُستحضر القدس في شعارات الكتل والفصائل والقوى.
تلك الشعارات التي شكلت نبراس الفعل الجماهيري والوطني بتلك المراحل الصادقة مع الذات والمنسجمة والتوجهات التطلعية للجماهير التواقة للحرية والاستقلال، والحق بتقرير المصير، وإقامة الدولة ذات السيادة وممارسة الذات الفلسطينية في ظلها وكنفها.
كل هذا كان في الخلفية البرامجية لجماهير الشعب الفلسطيني التي تشكل وعيه على هذه الشعارات المنسجمة والقناعات التاريخية بالحق والحقوق وانتزاع هذه الحقوق من خلال الحراك النضالي الكفاحي بكافة أشكاله وأساليبه ووسائله، البعيدة عن مواسم الاستقطاب لانتخابات هنا او هناك.
وكانت أن انطلقت التحركات الشعبية وتمت برمجتها وصقلها في الإطار التحرري من خلال الفعل الكفاحي للتنظيمات الفلسطينية التي حملت السلاح وابتدعت أساليب العمل في سبيل تحقيق غايات وآمال الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، وبالتالي كان أن تشكل الإطار الفلسطيني الجامع الذي من شأنه احتضان الكل الوطني على أسس تلك الشعارات والمفاهيم لتحقيق الأهداف الإجماعية لجموع الشعب المُشتت والمُشرد في شتى انحاء المعمورة. وبالتالي كان لصياغة مفهوم الدولة وممارسة السيادة على أرضها الركيزة الأساسية في الوعي الفلسطيني، من خلال الكفاح في سبيل انجاز الاستقلال الوطني، تلك الدولة التي تعني باختصار اندحار الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية بصرف النظر عن شكل وطبيعة تلك الدولة وصراع المفاهيم حول مدركاتها وشكلها ودستورها وطبيعة حكمها وقوانينها الاجتماعية. وكانت القدس على الدوام قد شكلت القلب النابض لتلك الدولة ( الحلم ) فما كان بالإمكان القول إقامة الدولة الفلسطينية فقط لا غير، فلا بد من أن تتبع هذه العبارة مقولة وعاصمتها القدس، وبالتالي تصبح الديباجة الطبيعة للمفهوم (الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس ) ليستوي المعنى، وأن أي كيان فلسطيني من الممكن أن ينشأ لا بد أن تشكل القدس أساسه، وبالتالي لا معنى لهذا الكيان ولا يمكن استيعابه دون القدس المحررة. إلا أن هذا الشعار قد أصبح فارغا ومجوفا وغير متصل بحقيقة الأمر في ظل الوقائع الفلسطينية الراهنة، حيث أن الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية وقطاع غزة) والتي تشكل في ثناياها كيانا فلسطينيا ( السلطة الوطنية الفلسطينية) بغض النظر عن مدى واقعيتها وتجسيد حقيقتها على الأرض، إلا أن الأمر المعلوم والمعروف أن ثمة كيانا فلسطينيا يُعرف باسم السلطة يمارس فعله على الأرض بشكل أو بآخر وله استحقاقات معينة على الصعيد الدولي والعربي.
وفي خضم موسم الانتخابات الراهن تطل علينا مرة أخرى شعارات كبرى فاقدة لمصداقيتها حيث انه من الملاحظ ان هذا الكيان يسعى لتطوير ذاته من خلال ما يسمى بفعل البناء للمؤسسات على طريق إعلان الدولة المسماة فلسطين.
ودولة فلسطين العتيدة يُصار العمل على ترسيخ وقائعها من خلال الفعل المؤسساتي وبنائها في ظل الهجمات المسعورة على القدس، وفي ظل قضم القدس وإعلاء البنيان الاستيطاني التي انتهت خواتمه واكتملت مداميكه وتغيرت معه معالم القدس، وصار الهجوم على القدس بوضح النهار أمرا طبيعيا وقد يكون روتينيا في عرف بناة الدولة. وضياع مساحات القدس وتحديث قوانين الاحتلال بما يخدم توجهات مخططاته صار الخبر الذي من الممكن أن يحتل المساحة الثانية وقد تكون الثالثة في أولويات الأخبار المنشورة، وأن نشر كخبر رئيسي فسيأتي النشر في إطار الصراع الإعلامي المحموم ما بين أقطاب اللعبة الإعلامية وحرفيتها في القدس والتعاطي مع الصناعة الإعلامية لصناعة النجوم إذا ما جاز التعبير.. خصوصا في حمى الانتخابات وفي ظل واقع القدس الراهن التي صار النضال في سبيلها إعلاميا بامتياز، ومن خلال الندوات والمؤتمرات وصياغة أعتى اشكال الصراخ الكلامي ورفع الشعارات، والتي كما أسلفنا قد أصبحت فارغة المضامين ومجوفة المعاني، نلحظ أن ثمة خطى متسارعة جدا من قبل سلطات الاحتلال لحسم ما يسمى بيهودية القدس وتجسيدها كعاصمة أبدية وفعلية لكيان الاحتلال.
وفي هذا السياق تجيء كافة المخططات على مختلف أشكالها وتنوع آلياتها التنفيذية، وعلى مختلف الجبهات الاقتصادية والاجتماعية والمواطنة والسكان، واللعب على سياسة الأقلية والأكثرية والتأثير بالديمغرافية المقدسية، والتلاعب بأسس الجغرافية السياسية وابتلاع الاراضي لصالح التمدد والتغول الاستيطاني، وابتداع وسائل الحرمان الجديدة من الإقامة في كنف القدس من خلال خلق قوانين الولاء والانتماء للدولة العبرية. والكثير مما نسمع ونشاهد.
وبناة الدولة الفلسطينية يصرخون كل لحظة بضرورة إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. ولا ادري عن أي قدس يدور الحديث الآن. فالقدس لم تعد عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة وفقا للمخططات الإسرائيلية الراهنة، وهي تتجه بخطى حثيثة لتصبح وبلا منازع (أورشليم عاصمة الدولة الإسرائيلية اليهودية) والوقائع على الأرض تشير بهذا الاتجاه وبوصلة الحقائق المقدسية اليوم تؤشر بذلك. وصراخ الشعارات يملأ الدنيا ضجيجا والضجيج هذا ليس له علاقة بترسيخ وتعميق المفهوم الشعاراتي الوطني.
والكل يلاحظ حجم العمل في أراضي السلطة الفلسطينية لتعزيز مفهوم الدولة، وحيث ذلك اعتقد أن المفهوم هنا لا بد من إعادة النظر فيه من خلال قلب المفهوم في ظل انقلاب المعايير، والتمرد على لغة الشعارات الفاقدة للمضامين الفعلية. وحتى تستوي الأمور في نصابها الصحيح لا بد من ثورة على كل ما يطرح الآن وبالظرف الحالي من قبل دعاة الضجيج.
والثورة هذه لا بد أن ترسم لذاتها مفاهيم جديدة وشعارات تحقق غاياتها. والغاية هنا هي القدس أولا، وثانيا وعاشرا. وحتى نكون صادقين مع الذات ومع المقدسيين ومع جموع الشعب كل الشعب فدولة القدس هي التي لا بد من التأسيس لها، وفعل التأسيس يتطلب مواجهة مع كل ما من شأنه أن يغير ويشوه القدس ويحيلها بالتالي الى ( أورشليم ). وهذا يعني إعلان دولة القدس أولا، والعمل على إعلان دولة القدس، بمعنى أن الفعل الوطني وكافة الجهود الشعبية والجماهيرية لا بد أن تصب في القدس، وأن تنطلق من القدس، وأن يتم تعزيز صمود القدس وبناء مؤسسات القدس، وترسيخ الوجود العربي الفلسطيني في القدس، وضخ كل الأموال والميزانيات للقدس، ولا بد أن يكون محور العمل الفلسطيني وبكافة المناحي والاتجاهات أساسه القدس أولا.
وهذا يعني أيضا أن البناء لا بد من ان يكون باتجاه القدس وبناء مؤسسات الدولة في القدس وفرض سياسة الامر الواقع الفلسطيني في القدس، وإن هددوا بتفعيل ما يسمى بقانون الغائبين فيجب أن نفعل وقائعنا بالنظر نحو القدس ككل لا الشرقية منها فقط. وإن قالوا إن قوانينهم تقول ما تقول فلا بد من إصدار وتفعيل قوانيننا نحن أيضا. واستصدار هذه القوانين لا بد من أن تجد لذاتها طريقا سليما وصحيحا. فقانون العاصمة وإحياء أمانة القدس الكبرى والدعوة للعصيان، وعدم الرضوخ للقوانين. وليكن بكل حي خيم للاعتصام ولتكن المواجهات الكبرى مع أدوات الاحتلال التنفيذية سيدة الموقف ولتعود المؤسسات الفلسطينية الى أماكنها في القدس ولترتفع يافطات مؤسسات القدس ولنعيد افتتاح بيت الشرق من جديد، ولتكن لنا بيوت شرقية وغربية وبأسماء متعددة الاتجاهات والمعاني … وليكن الشعار الأبرز يا سادة بناة مؤسسات الدولة ومخططاتها وخططها دولة القدس أولا .. وليكن الشعار( دولة القدس وعاصمتها فلسطين )!