بقلم: أنطوان شلحت
مع أنّ الفترة القصيرة التي جرى تحديدها بين حلّ الكنيست الإسرائيلي نفسه والموعد الذي تقرّر لإجراء الانتخابات العامة للكنيست المقبل (ثلاثة أشهر)، هي التي تُستحضر على الفور لتبرير ما تسمى “ظاهرة الديكتاتوريات” داخل الأحزاب في دولة الاحتلال، والتي انسحبت بالأساس على أحزاب جديدة، أبرزها “أمل جديد” الذي أسسه الوزير والنائب السابق، جدعون ساعر، المنشقّ عن حزب الليكود، فإنّ مراجعة سريعة لتاريخ الأحزاب الإسرائيلية تُظهر أنّ هذه الظاهرة آخذة بالتعمّق أكثر فأكثر، منذ أعوام كثيرة.
وليس الكاتب هنا أول من كشف أنّ ظاهرة الديكتاتوريات داخل الأحزاب الإسرائيلية تنعكس منذ فترة طويلة، لا سيما لدى تركيب القوائم الانتخابية، أو لدى إقامة التحالفات.
وإذا ما شئنا استحضار قرائن من الفترة القصيرة الماضية، يمكن الإشارة إلى أنّ هذا السلوك يصحّ على رئيس الحكومة الحالي، بنيامين نتنياهو، كما تبيّن بوضوح، على سبيل المثال، حينما فرض على حزبه (الليكود) قراره الشخصي بشأن توحيد الحزب مع حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة أفيغدور ليبرمان، وأقام تحالف “الليكود بيتنا” الذي خاض انتخابات الكنيست الـ19 عام 2013، وحصل على 31 مقعدًا أهلته لتأليف الحكومة.
وقد وعد نتنياهو، من غير أن يعرض اتفاق الوحدة على أعضاء حزبه، ليبرمان بالمحل الثاني في القائمة الموحدة، وخصّص لأعضاء حزبه أماكن واقعية في قائمة التحالف للكنيست المقبل.
وليبرمان نفسه يحكم حزبه المذكور حكمًا من دون أيّ ضوابط، فمنذ تأسيس “إسرائيل بيتنا” عام 1999، شكّل ليبرمان وحده قائمة الحزب لانتخابات الكنيست، وقرّر ماذا سيكون البرنامج الحزبي، ومن سيتولون مناصب وزارية، ومن سيكونون أعضاء كنيست عاديين.
ويسلك يائير لبيد أيضًا هذا السلوك، فهو منذ أنشأ حزبه “يوجد مستقبل” عام 2012، يقرّر وحده ما يحدث فيه، ولن يتغيّر هذا النهج، كما يكرّر القول.
وفي أحزاب اليهود الأرثوذكس (الحريديم)، وأحزاب الصهيونية الدينية، الحاكم المطلق هو زعامتها الروحية المتمثلة في مجالس الحاخامين. وينسحب هذا على معظم الأحزاب المنحلّة.
فمثلًا، كان إيهود باراك الحاكم الفرد في حزبي “استقلال” و”إسرائيل ديمقراطية” وعندما اعتزل الحياة السياسية اختفى هذان الحزبان من الخريطة السياسية.
وكذلك كانت تسيبي ليفني الحاكم المطلق في حزب “الحركة” وعندما قرّرت اعتزال العمل السياسي لم يعد ثمّة وجود لهذا الحزب.
ومع أنّ الوضع في حزبي “العمل” و”ميرتس” يبدو أفضل في الظاهر، نظرًا إلى إجراء انتخابات تمهيدية فيهما، فإنّ رئيسي الحزبين ينتهجان في العادة طريقًا مشابها.
يدلّ هذا على أنّه، باستثناء التصويت في الانتخابات العامة الذي يقرّر هوية الحكم، ليس للمواطنين أيّ تأثير على المؤسسة السياسية في ما يختص بالسياسة المتعلقة بالمجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وهو ما سبق أن أكّده أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، غابي شيفر، ولفت إلى أنّه في واقع الأمر، ليس المواطن هو مصدر السلطة في إسرائيل، كما يقتضي جوهر النظام الديمقراطي، بل رؤساء الأحزاب، وهذا يؤثر في السياسة وفي تنفيذها أيضًا.
وفي قراءته، يشكل إخفاق حملات الاحتجاج الاجتماعية – الاقتصادية حتى الآن، وسياسات الحكومات الأخيرة، إثباتًا على أنّه ليس لمواطني إسرائيل أيّ تأثير في ما يجري في الدولة، ورؤساء الأحزاب الذين يفوزون في الانتخابات، ويشكلون الائتلافات يفعلون ما يحلو لهم، ويبدو أنّ هذا هو ما سيكون بعد الانتخابات المقبلة كذلك.
بكلماتٍ أخرى، يمكن القول إنّ المواطنين مجرّدون إلى درجةٍ كبيرة من القوة. ويُنظر إلى ذلك، أكثر فأكثر في الآونة الأخيرة، باعتباره إحدى المعضلات المركزية للديمقراطية الإسرائيلية التي ستتسبّب باستمرار أمراضها وثغراتها، لا سيما أنّ إسرائيل لم تكن يومًا ديمقراطية عاديّة، بل كانت حتى عام 2018 “يهودية وديمقراطية” وأصبحت، إثر سن “قانون القومية” في ذلك العام “دولة قومية للشعب اليهودي” تستند، من ناحية دستورية، إلى تراتبية واضحة تعلو فيها يهودية الدولة على ديمقراطيتها.
عن “عرب ٤٨”