بقلم:جيمس زغبي
صادف الأسبوع الثاني من آذار ذكرى حدثين مدمرين. ففي 11 آذار 2020، توفيت زوجتي الغالية «إيلين». التي اقترنت بها قبل 51 عاماً. كانت قد أصيبت بسكتة دماغية في تشرين الثاني 2019؛ وبعد فترة طويلة من العلاج وإعادة التأهيل، كان من المقرر أن تعود إلى البيت في 13 آذار. ولكن في 10 آذار، أصيبت بسكتة دماغية ثانية وتوفيت في اليوم التالي.
الجنازة التي خططنا لإقامتها في الأسبوع التالي أرجئت، لأنه بعد بضعة أيام على وفاة إيلين، في 13 آذار، فرضت مقاطعة كولومبيا أول إغلاق جزئي لها بسبب كوفيد 19، ما حدّ من التجمعات بشكل كبير.
شعور غريب أن أحاول الآن تذكر الحال التي كنا عليها آنذاك. كنا ما نزال في المراحل الأولى من الوباء، وكانت هناك إشارات مختلطة صادرة عن البيت الأبيض. كانت عائلتي وأصدقائي معاً في المستشفى مع إيلين. وانضم إلينا الأطباء الذين كانوا يعالجونها والممرضون والموظفون الذين كانوا معها خلال فترة إعادة التأهيل. لم يكن أحد يرتدي كمامات، ولا حتى الموظفون الطبيون في وحدات العناية المركزة.
آنذاك، اعتقدنا بسذاجة أننا سنقيم الجنازة في غضون بضعة أسابيع. كان الفيروس في الصين وإيطاليا ثم نيويورك. ولكن ليس هنا، ليس في كل مكان. ولم تكن لدينا أي فكرة عما تخبّئه السنة.
ولكن خلال الأشهر التي أعقبت ذلك، علمتُ أن بعض العمال الطبيين الذين كانوا يعتنون بإيلين قد أصيبوا بالفيروس. كانت وحدتا إعادة التأهيل الخاصتين بالمصابين بالسكتات الدماغية في المستشفيين، حيث كانت تعالج قد حُوِّلتا إلى وحدتين لمعالجة التأثيرات العصبية لمرض كوفيد 19. وقد حكوا لي قصصاً مروعة عن مرضاهم، الذين أُرغموا جميعهم على الخضوع للعزل، وقضاء أسابيع وشهور وحيدين، بل إن بعضهم ماتوا من دون أن يروا أفراد عائلاتهم، في ما عدا عبر تطبيقات الهاتف الذكي. كانت الخسارة البشرية كبيرة جداً. ولا يسعني إلا أن أحمد الله، لأننا كنا مع إيلين كل يوم طوال هذه الفترة حتى النهاية.
وبعد مرور عام على ذلك، تبدو أرقام الوباء مهولة. فعلى صعيد العالم، مات أكثر من مليونين و500 ألف شخص، مقابل 500 ألف شخص هنا في الولايات المتحدة؛ وأصيب 120 مليون بالفيروس، مقابل قرابة 30 مليون في الولايات المتحدة. لقد دمّرَنا هذا الفيروس وقتلَنا، بالمعنى الحرفي للكلمة. وكل هذا حدث في العام الماضي فقط.
ولكننا تعلّمنا أنه على الرغم من نفي ترامب للعلم، إلا أن هذا الوباء حقيقي. وعلى الرغم من الجهود الرامية للتنديد بالإغلاقات والكمامات وتسييسها، إلا أن هذه الإجراءات الوقائية مهمة جداً. وليتنا استمعنا إلى العلم، ولم نكن ضحايا للإهمال والحسابات السياسية. فلو تحركنا بشكل مبكر وحاسم لمواجهة هذا التحدي، كم من الأرواح كنا سنستطيع إنقاذها؟ وكم من المعاناة كنا سنتفاداها؟
ولئن كان النظر إلى الوراء من أجل استيعاب إلى أي حد كنا أبرياء وغير واعين قبل عام مزعجاً، فإنه من الصعب النظر إلى الأمام ومحاولة تخيل أين سنصبح بعد عام من الآن. فاليوم لدينا اللقاحات (تلقيتُ الجرعتين)؛ غير أنه إذا كانت معدلات الإصابة والوفيات في تراجع، فإنها ما زالت مرتفعة بشكل غير مقبول – وأعلى مما كانا عليه خلال الارتفاعات الأولى في أبريل وأغسطس من العام الماضي. وما زال لدينا أشخاص قد يتسبب سلوكهم الأرعن والمتهور في تمديد الأزمة.
ففي نهاية الأسبوع قبل الماضي، مثلاً، عقدت منظمة مُحافظة اجتماعها السنوي. كانوا الكثيرون في المؤتمر لا يرتدون كمامات بينما كانوا يستمعون إلى المتحدثين، بمن فيهم ترامب، وهم ينددون بالإغلاقات ويستخفون بارتداء الكمامات باعتبارها إجراءات غير ضرورية وانتهاكاً للحرية الشخصية. وفي الأسبوع الماضي، أمر حاكمان «جمهوريان» بإنهاء ارتداء الكمامات وقيود أخرى في ولايتيهما.
المهنيون الصحيون يقولون لنا الآن إنه إذا تلقى عدد كاف منا اللقاح، فإننا قد نستطيع العودة إلى نوع من الحياة العادية بحلول الخريف. غير أنه ما زالت هناك أسئلة معلقة من دون إجابات. فهل سيستطيع الناس العودة إلى مكاتبهم؟ وهل سنشعر بالراحة في تجمعات كبيرة؟ ثم ماذا سيكون مصير أولئك الأطفال الذين أضاعوا عاماً من الدراسة ويحتاجون لحياة اجتماعية وأولئك الأطفال الذين أصبحوا يعانون من الاكتئاب والخوف من التفاعل؟ وكيف سنتأقلم مع هذا «الوضع العادي الجديد»، أياً يكن شكله؟
ثم هناك سؤال آخر يواجهني وعائلتي وعائلات كثير من الأشخاص الذين ماتوا خلال هذا العام الفائت – نصف المليون الذين قضوا جراء الوباء وأولئك الذين كانت وفاتهم ناتجة عن أسباب أخرى مثل «إيلين». فلأن الحزن في عزلة لا يمنح شعوراً بالراحة والمواساة، نتساءل حول متى سنستطيع إقامة الجنازة التي نحن في أمس الحاجة إليها – حتى نستطيع الحزن بشكل جماعي، كما نحتاج لذلك نحن البشر، مع تجمع أقربائنا وأصدقائنا حولنا لنتذكر أولئك الذين فقدناهم ونواسي بعضنا بعضاً؟ بالنسبة لي، وأنا على يقين بأن الأمر نفسه ينطبق أيضاً على الكثيرين ممن فقدوا أحبة لهم العام الماضي، يظل موت «إيلين» جرحاً مفتوحاً مؤلماً. ولا شك أن الحزن والحداد الجماعي الذي تمنحه الجنازة ما كان ليُغلقه، ولكنه ربما كان سيمثّل بلسماً يساعد على علاجه.