بقلم: سهيل كيوان
تأتي الهجمات الصهيونية المنهجية على الأحياء العربية في المدن العربية وآخرها في يافا والقدس، وتحشيد الإعلام ضد سكانها العرب، واستخدام العنف الشرطوي ضد كل اعتراض على ممارسات المستوطنين العنصريين الاستفزازية، ضمن المشروع الصهيوني الكبير، الذي لن يهدأ ولن يتوقف، حتى تفريغ فلسطين من سكانها الأصليين.
هذه الهجمات التي ينفذها زعران يقودهم حاخامات تحت غطاء ديني وصلوات كثيفة يرفعون خلالها كتب التوراة، تشبه إلى حد كبير الحملات الصليبية التي بدأت 1098 واستمرت حتى عام 1291، في فلسطين وبلاد الشام، والتي وصفها الفيلسوف نيتشة، بأنها “قرصنة من العيار الثقيل”.
وذلك لأن جوهر الحملات هو اقتصادي، وهدفَ إلى السيطرة على المنطقة العربية وخصوصًا فلسطين وبقية بلاد الشام، وقد جرى تغليفه في قالب ديني بادعاء حماية الصليب المقدس، وقد رسم الفرسان المشاركون في هذه الحملات الصلبان على صدورهم. تمامًا مثلما تغلف الاعتداءات الصهيونية الاقتلاعية بالصلوات والأدعية والكهنوت الديني والتسميات التوراتية.
وما يثبت لنا أن الجوهر هو اقتصادي سياسي هو المهاجرون اليهود أنفسهم.
فأعداد المهاجرين اليهود إلى فلسطين من الولايات المتحدة إلى فلسطين تحتل مكانة متأخرة، وتقع في المرتبة السادسة، إذ لم يصل من أميركا إلى فلسطين خلال مئة عام سوى 140 ألف مهاجر، بينما يعيش هناك أكثر من خمسة ملايين و300 ألف يهودي، وهو ثاني تجمع لليهود بعد فلسطين في العالم. صحيح أن أكثرهم يؤيد دولة إسرائيل، ولكن أكثرهم ليس مستعدًا لترك أميركا للعيش في فلسطين.
الإجابة بسيطة، وهي أن بنية الدولة الأميركية ودستورها يفصل الدين عن الدولة منذ تأسيسها، هذا يعني أن المسيحي أو اليهودي أو المسلم أو الهندوسي أو السيخي أو البوذي أو الملحد من أي مكان في العالم، عندما يصل أميركا ويحصل على جنسيتها يصبح مواطنًا متساويًا وكامل الحقوق والواجبات وله فرص تقدم متساوية مع غيره إذا ما كان جديًا، القانون يحمي الجميع ويساوي بينهم، ولا توجد قوانين تستهدف فئات دينية أو جماعات إثنية معيّنة، أي أن أميركا دولة جميع مواطنيها، رغم وجود عنصرية ضد السود والملونين من قبل بعض الفئات من البيض، ولكنها تجاوزات قانونية والدستور ومعظم الشعب الأميركي يعترض عليها، وهذا ظهر من خلال الإطاحة بترامب الذي لم يخف عنصريته.
فصل الدين عن الدولة أتاح لليهود أن يزدهروا اقتصاديًا وأن يؤسَّسوا أحياء لهم، وهذا شكّل عامل جذب كبير لكل اليهود من أرجاء العالم، خصوصًا في الحقب التي انتشرت فيها العنصرية ضدهم كما في أوروبا، عندما بلغت ذروتها إبان صعود النازية إلى سدة الحكم.
أما الهجرة من دول الاتحاد السوفييتي وشرق أوروبا إلى فلسطين فكانت بسبب الفقر المُدقع، وقد وصل أكثر من مليون مهاجر بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وبسبب العدد المحدود الذي كانت تستوعبه الولايات المتحدة سنويًا، تحوّل معظمهم إلى فلسطين، والدليل أن حوالي 27% ممن جاؤوا من الاتحاد السوفييتي ليسوا يهودًا أصلا، كذلك فإن بينهم مئات آلاف ممن لا تعني اليهودية لهم شيئا، لكنهم بحثوا عن جدٍ من أجدادهم من أتباع اليهودية كذريعة للهجرة والحصول على الامتيازات الاقتصادية المخصصة للمهاجرين.
أما المهاجرون من الدول العربية مثل المغرب والعراق وتونس ومصر، فذلك أن هذه الأنظمة تواطأت مع الحركة الصهيونية، التي افتعلت هجمات على الأحياء اليهودية في المدن العربية بعد إعلان تقسيم فلسطين عام 1947، كذلك فقد كانت ردود فعل فوضوية على حرب فلسطين استغلها لصوص حرَّضوا الجماهير ضد مواطنيهم اليهود بهدف السَّلب والنّهب، وقد استغلتها الحركة الصهيونية بل وزادتها اشتعالا، باعتراف بعض قادة الحركة الذين عملوا في العراق مثل موشيه هليل وغيره ممن قادوا الدولة في بداياتها، وبتواطؤ الأنظمة الخاضعة للاستعمار التي نفَّذت ما أُمرت به.
في أميركا حوالي خمسة ملايين إنسان من أصل عربي، ولا أظن أن هؤلاء يرغبون في العودة إلى بلدانهم الأصلية في الأفق القريب بسبب أوضاع أوطانهم المزرية التي تعاني من الفقر والظلم والاستبداد والعنصرية على أسس طائفية في بعضها، وبلا شك أن ملايين أخرى من العرب مستعدة للهجرة إلى أميركا وأستراليا وكندا وأوروبا إذا ما تمكن هؤلاء من الحصول على الإقامة في هذه الدول.
بقاء عرب في فلسطين لا يتّفق والفكر والإستراتيجية الصهيونية، ولهذا تشتدُّ الهجمات، في يافا وغيرها، ينفِّذها زعران ولصوص وفاشيون بغلاف ديني.
المشروع الصهيوني في حالة مدٍ أمام الوضع العربي المتردّي، ويشعر قادته المتطرفون بأنهم قادرون على تنفيذ خطوات واسعة لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى. الأيام حبلى بالكثير من الشّر والمعاناة والتحديات، وهذا يتطلب مستوى أرقى وأكثر تقدّمًا وجدّية في أداء القيادات والجماهير العربية على حدٍ سواء.
عن “عرب ٤٨”