بقلم: د.كلثم جبر الكواري
لم يعد من السهل التهاون في تطبيق الإجراءات الاحترازية ضد «كوفيد- 19«، خاصةً بعد أن تناسل، وأفرز فصائل جديدة، الله وحده العالم بما قد يليها، وإن قيل إنّها أقلّ فاعلية من الأصل، لكن العالم بصفة عامة ما زال متخوّفًا من عودة موجات جديدة من الإصابات بسبب هذا الوباء الشرس، الذي تفرعت أضراره من الإصابات الشخصية -عن طريق العدوى- إلى زعزعة الأوضاع الاقتصادية في العالم، وهو الأمر الذي دفع كل الدول إلى اتخاذ إجراءات اقتصادية أصابت الناس في مقتل، سواء من أصيبوا بالفيروس أو أولئك الذين لم يصابوا به، فالكل متضرر مادام الأمر يتعلق بالاقتصاد الذي هو عصب الحياة والانتعاش والازدهار لكل الدول، وليس أمام كل فرد سوى اتباع الإجراءات الاحترازية التي تفرضها الجهات الرسمية، للحد من انتشار الوباء بين المواطنين، وهو أمر يحتاج إلى حزم من جهات الاختصاص، لتطبيق هذه الإجراءات، فما زالت فئات من المواطنين والمقيمين تستهين بهذا الأمر، وما لم تغلّظ العقوبات على المتهاونين، فإن الأمر سيسير من سيئ إلى أسوأ -لا قدر الله- وهو الأمر الذي أثبتته الإحصاءات التي لا مجال للتشكيك في صحتها.
ورغم الإمكانات الضخمة التي وفرتها الدولة لإتاحة فرص التلقيح للجميع، فما زالت بعض الشائعات تنتشر بين الناس لتدفعهم إلى التردد في أخذ هذه اللقاحات، ومنها أيضًا تلك الشائعات التي تدور حول عدم قدرة بعض أنواع هذه اللقاحات على الوقاية، علمًا بأن جميع هذه اللقاحات تخضع لاختبارات دقيقة وصارمة قبل طرحها للتداول، ولا يمكن بأي حال من الأحوال السماح بتداول أي لقاح مشكوك في نتائجه الوقائية، وأي شائعة حول هذا الموضوع غير حقيقية جملة وتفصيلًا.. فلا التردد في أخذ اللقاح مقبول، ولا التشكيك في فاعلية بعض أنواعه مقبول أيضًا، وكلها شكوك مبنيّة على أوهام تبتعد عن الواقع بُعد الثرى عن الثريا.
نحن إذنْ أمام خيارات لا بديل لها، أولها: التقيّد الصارم بالإجراءات الاحترازية، وثانيها: عدم التردد في أخذ اللقاح المضاد لانتشار الوباء، وثالثها: عدم الإصغاء للشائعات التي تقول: إن لقاحًا بعينه هو أفضل من اللقاحات الأخرى، فجميعها تخضع لمراحل الفحص والتدقيق ذاتها، قبل السماح بها.
وفي الوقت الذي تتردد فيه بعض الفئات عن أخذ اللقاح، نجد دولًا أخرى تجأر بالشكوى لعدم توفر اللقاح لديها، خاصة في الدول الفقيرة والأكثر فقرًا، حيث ترتفع نسب الإصابات فيها إلى أرقام خيالية، ما يستوجب تعاونًا دوليًا في هذا المجال، لأن الخطر لا يقتصر على دول دون غيرها، فجميع الدول أمام خطر هذه الجائحة سواء، ولتوفير الكَميات اللازمة من اللقاح لكل الدول لابد من فتح خطوط إنتاج في دول أخرى تتوفر فيها البنية الأساسية لهذا الإجراء الإنساني العالمي.
صحيح أن هذا الوباء سيذهب عاجلًا أو آجلًا، عندما تنجلي الغمة بزواله بإذن الله، لكن الصحيح أيضًا هو الحرص على أن يذهب بأقل الخسائر المادية والبشرية، في ظل التقدم العلمي الذي يعيشه عالم اليوم. وما على الناس سوى التعامل مع هذا الوباء بوعي وإدراك لأخطاره الجسيمة، التي طالت الجميع بشكل أو بآخر، فهي شاملة ومدمرة إذا لم يمكن السيطرة عليها، وفي هذا المجال لابد أن يكون التعاون قائمًا ووثيقًا، ومحكومًا بثقة مطلقة، وإيمان راسخ بأن هذا التعاون بين الجميع.. سيقود إلى تحقيق النتائج الإيجابية لهذه الجهود.
لمواجهة هذه الجائحة لن تجدي الجهود الفردية، بل لابد من الجهود الجماعية التي تتكاتف فيها مبادرات المواطنين والمقيمين في كل دولة، لتحقيق أمن شامل وسلام دائم لهذا العالم المهدد بأخطار التشرذم والحروب، وبتجنبها يمكن أن يتحقق للشعوب أمنها، وللأوطان استقرارها، وللاقتصاد ازدهاره. عن “الراية القطرية”