بقلم: محمد خالد الأزعر
تقول أحدث الإحصاءات الرسمية إن عدد الفلسطينيين في العالم يبلغ نحو 13.5 مليون نسمة، يعيش زهاء 5 ملايين منهم داخل الأراضي الفلسطينية، بواقع نحو 3 ملايين في الضفة الغربية والقدس، ومليونين في قطاع غزة.
هؤلاء الذين لا يبلغون سوى 37 % من قوام الشعب الفلسطيني هم المسموح لهم، طبقاً لاتفاق أوسلو وتوابعه، بالترشح والتصويت في انتخابات المجلس التشريعي للسلطة الفلسطينية؛ المزمع إجراء تجربتها الثالثة يوم الثاني والعشرين من مايو المقبل.
سوف يتم الانتخاب هذه المرة كلياً بنظام القوائم النسبية، بحيث لا تظهر أسماء المرشحين في أوراق الاقتراع، ويكتفى بإيراد عناوين القوائم التي تنطبق عليها شروط الترشح، ويكون للناخب حق التصويت لقائمة واحدة فقط.
يمكن للمتابعين الغيورين على الحراك السياسي، الذي تمثله هذه التجربة، أن يغضوا النظر عن استبعادها قرابة ثلثي الشعب الفلسطيني من المشاركة في إنتاج المؤسسة التشريعية لسلطة الحكم الذاتي، باعتبار أنهم سينالون فرصة التعبير عن إرادتهم عند انتخاب المجلس الوطني لمنظمة التحرير، الذي سيتم، بحسب المراسيم الرئاسية ذات الصلة، في نهاية آب المقبل. التسامح مع تجزئة الانتخابات وتبعيضها على هذا النحو، لا ينبغي أن يمر إلا بصفة استثنائية وبصعوبة بالغة.
أولاً، لأن سيرة السلطة الوطنية ومداخلات مؤسساتها بعامة لربع القرن الفائت، مالت إلى تأكيد ما يشبه هيمنتها وامتلاكها اليد العليا مقارنة بأدوار مؤسسات المنظمة الأم، وكان ذلك عكس المعلن والمضمر من وظائف السلطة والمنظمة وعلاقتهما ببعضهما بعضاً على طول الخط. وثانياً، لأن إجراء انتخابات المجلس الوطني، المؤسسة التشريعية للمنظمة، يظل محفوفاً بتعقيدات شديدة قد تحول دون تفعيله من الأصل، أو إعماله بصورة مبتسرة.
وفي حالة كهذه فلربما تعذر على المعنيين كف يد مؤسسات السلطة، من دون استثناء مجلسها التشريعي، عن الاستحواذ على فضاء السياسة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وخارجها. وفي المحصلة قد تتفاقم حالة الجفاف والتهميش التي تعتور منظمة التحرير.
القصد أن المعطيات والحقائق ربما أفضت إلى إعادة انبعاث دور المجلس التشريعي للسلطة، واستمرار هزال أو انحسار دور المجلس الوطني للمنظمة.. هنا يصبح لغياب ملايين الفلسطينيين في بلاد الملاجئ و«الشتات» عن انتخابات ايار المقبل معانٍ وارتدادات سلبية.
حين أغلقت أبواب التسجيل، بلغ عدد الذين أدرجوا أسماءهم للتصويت للمجلس التشريعي العتيد نحو 2.546 مليون مواطن فلسطيني، وهذا رقم يعبر عن معدل مرتفع للمقبلين على هذا الخيار الانتخابي قياساً بمن يملكون حق التصويت.
وهي ظاهرة يمكن تفهمها في إطار الأشواق الشعبية للمشاركة السياسية بعد طول احتجاب. ولكن ما يلفت الانتباه ويصعب تفسيره، هو احتشاد المتقدمين للمنافسة على شغل مقاعد المجلس، وعددها 132، في 36 قائمة. نحن والحال كذلك، إزاء تضخم في قوائم الناخبين، يوازيه تضخم في قوائم المرشحين.. الأول صحي يوحي بحيوية المجتمع وتحرقه لإسماع صوته وكلمته، ولكن الثاني ليس على هذا النحو من الإيجابية الواضحة، ونحسب أنه أمر يبرر خليط التقديرات والأقاويل المتشاكسة بشأنه.
ومن ذلك، أن مجال الاجتماع السياسي الفلسطيني بمعناه العام لا يجيز وجود تباين أو تمايز بين 36 برنامجاً انتخابياً، وهو يحتمل بالكاد التعامل مع البنى الأيديولوجية والفكرية للفصائل أو القوى والحركات الثلاث عشرة المنتشرة تقليدياً في هذا المجال.. ثم إن هناك شكوكاً قوية في تمكن معظم هذه القوائم من تجاوز نسبة الحسم، التي تبيح التظلل بقبة المجلس، والمقدرة بـ1.5% (قرابة 37.5 ألف صوت) من مجموع الأصوات الصحيحة التي ستحصل عليها جميع القوائم.
اندياح القوائم الانتخابية، بهذا الشكل وهذه الحيثية غير المسبوقة فلسطينياً، قد يرد إلى رغبة شعبية عارمة في الحراك السياسي والتغيير على صعيدي النخب والوجوه. غير أن النظرة البانورامية توجب التفكير في أسباب وتعليلات إضافية تثير المخاوف، من قبيل جنوح البعض إلى المناكفة أو المساومة أو المكايدة أو تعمد تشتيت الأصوات والسحب من رصيد الآخرين.
وفي السياق، ثمة دواعٍ معقولة للاعتقاد بأن هذه الظاهرة لا تبتعد عن رغبة قطاعات اجتماعية واسعة في الانعتاق من هيمنة ثنائية حركتي فتح وحماس؛ التي غمرت الحياة السياسية الفلسطينية بالمشكلات والتعقيدات وساقتها إلى الانقسام، وربما تضمر راهناً سوقها إلى التقاسم.
سيحاول البعض تكييف كثرة قوائم المرشحين في هذا النموذج، بحسبه من تجليات التعددية السياسية، ولكن التعددية شيء والتشظي والتشرذم وتفتيت الاجتماع السياسي، شيء آخر تماماً. وهنا يتعين على أصحاب القوائم التفكير منذ الآن في الكيفية التي سيجترحون بها مكوناً تمثيلياً وحكومياً، يرعى قضيتهم تحت برنامج توافقي على قواسم وطنية جامعة. عن “البيان الاماراتية”