16 سبتمبر 2020آخر تحديث :

هل حقاً ان الفلسطينيين غادرهم قطار السلام؟!

  • إبراهيم شعبانإبراهيم شعبان

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

تتعالى الأصوات وتضج وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية بحديث مؤدلج، مفاده أن الفلسطينيين ما انفكوا يضيعون فرص السلام المرة تلو الأخرى، وأنهم الخاسرون الوحيدون من مغادرة قطار السلام محطته الأخيرة بدونهم، وسيدفعون الثمن غاليا يوم لا ينفع الندم.

هذا سلام الخاسرين مهما احتفلوا وأشادوا وغنوا وطربوا، فصاحب الحق غائب ولن يقبل بمثل هذه التشوهات لقضيته مهما تكالبت عليه قوى هزيلة لا انتماء ولا تاريخ ولا شرعية لها.

لا جدل في أن زمننا زمان سيء ورديء بكل معنى الكلمة. ولا جدل أننا في زمن الخذلان والانهزام العربي بكل ما في ذلك من معنى. ولا جدل أن الأنظمة العربية تتساقط في الشرك الإسرائيلي خدمة للسيد الجديد القابع في واشنطن وتل أبيب علّ كليهما ينجو من السقوط والإندحار، ولذاتهم ومصالحهم الضيقة. ويضربون بمصلحة شعبهم وأمتهم العربية والإسلامية عرض الحائط. ويصرون على استعمال ثروتهم بطريق الشر والخطيئة.

هل كتب على الفلسطينيين أن يكابدوا صنوف المعاناة والآلام المبرحة من إخوانهم الذين كانوا بالأمس القريب يرفعون شعاراتهم، ويرددون اناشيدهم وأغانيهم، ويقيمون المعارض لرسوماتهم والمهرجانات لخطبائهم وفنانيهم؟ ماذا صنع الفلسطينيون لهؤلاء غير المعروف والخير العميم من تعليم وتثقيف وتطبيب؟ وكيف انقلب هؤلاء الغلمان على أصولهم وارتدوا لجذورهم البدائية المصطنعة المزيفة بحيث بقوا خدما لبريطانيا وأمريكا والآن إسرائيل، وما كانوا بدونهم يمكن أن يستقلوا أو يشكلوا دولة؟ ألهذا ومن أجل هذا تردد الجوقة الإسرائيلية والعربية الانهزامية والغربية عموما بأن قطار السلام غادر الفلسطينيين إلى غير رجعة؟!

لقد ردد الكثيرون نفس هذه الاسطوانة المشروخة من أيام قرار التقسيم عام 1947 وما قبله، وما زال يردده السياسيون الغربيون، وبخاصة وزراء الخارجية الأمريكية جميعا بلا استثناء سواء من ابدى تعاطفا مع القضية الفلسطينية أو صدودا معها في كل طرح أمريكي براغماتي سلمي، ورددها قادة إسرائيليون قاتلون كثر سابقا وحاليا لإلقاء اللوم على الجانب الفلسطيني حالة فشله، ويرددها حاليا زعماء عرب متواطئون مع الكيان الإسرائيلي لتمرير تواطؤهم وعمالتهم وتبريرا لخيانتهم.

سكت الكثيرون على ترديد هذه الإسطوانة المشروخة كتأييد ضمني لها. وما علم هؤلاء جميعا أن الشعب الفلسطيني رغم المحن والمصائب التي المت به اجتازها جميعا وتغلب عليها وبقي قوي العود صلب الموقف . ولا أدل على ذلك من أن قادة إسرائيليين مفكرين يعترفون بهشاشة الكيان الإسرائيلي في الوجود، وأن جميع الإسرائيليين يشعرون بافتقادهم للشرعية الوجودية والقانونية، ومن هنا يطرحون حلولا مشوهة علهم يكتسبون شرعيتهم المفتقدة ويشككون في شرعية الفلسطينيين وحقهم في تقرير مصيرهم. بل إن محاولاتهم لاستدراج دول عربية مارقة للشرك الإسرائيلي هي محاولات من وراء الستار من أجل استدراج الفلسطيني للمستنقع الإسرائيلي أملا في أن يفقد الفلسطيني إرادته وتخور قواه ويسلم بالأمر الواقع بعد أن شاهد تخلي بعض العالم العربي والإنساني عنه وعن حقوقه.

لا يمكن لأي فلسطيني مهما كانت توجهاته أن يسلم باي وجود محتل استعماري استيطاني عنصري في القدس، غير الوجود العربي الفلسطيني حتى لو غادرت كل قطارات السلام الدنيوية. فلو لم نجد قطارا لاخترعنا قطارا نتوجه فيه إلى سلام عادل مشرف. فالكل يذكر تضحيات الفلسطينيين في دم البراق في أواخر العشرينيات من القرن الفائت، والكل يذكر رفض قرار التقسيم الظالم في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، والكل يذكر رفض كامب ديفيد في أواخر السبعينيات على يد أنور السادات في أواخر السبعينيات من القرن العشرين. الرفض ليس سمة فلسطينية كما يزعم البعض ولكنه رفض لخطط مشبوهة تنكر حقوق الفلسطينيين سابقا أو حاليا وحتى لاحقا.

كنت أتساءل، وأنا الباحث القانوني، بسذاجة شديدة وأعتذر، كيف لم يتمكن مجلس الأمن خلال عشرات السنين رغم عذابات الفلسطينيين من إصدار قرار واحد من مجلس الأمن مقترنا بالفصل السابع الخاص بالجزاءات من ميثاق الأمم المتحدة. وكنت أتساءل وأقارن كيف أصدر مجلس الأمن ذاته عشرات القرارات المقترنة بالفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ضد غزو العراق للكويت وكيف تخاذل مع إسرائيل رغم غزو القوات الإسرائيلية. وكيف أن مجلس الأمن اكتفى بقرار باهت ضعيف هو قرار رقم 242 بعد خمسة أشهر ونصف من حرب حزيران عام 1967. وكيف لم يعرض موضوع القضية الفلسطينية على محكمة العدل الدولية من أجل فتوى دون قوة ملزمة وتأخر إلى جاءت قضية الجدار كما حدث في عام 2004.

أسئلة كثيرة وقرائن عديدة تؤكد تعامل الأنظمة العربية مع إسرائيل سرا أو علنا أو تنسيق موقفها السياسي مع بريطانيا و/ أو أمريكا و/ أو فرنسا وحتى الإتحاد السوفيتي سابقا.

لعلم القارىء الكريم أن الدول العربية المستقلة عام 1948 كانت ستة دول فقط هي مصر والسعودية والأردن وسوريا ولبنان والعراق. وفحص هذه الأسماء لتلك الدول يؤكد تبعية وعدم استقلال الدول العربية آنذاك. ولعل تاريخ الدول الخليجية تجاوزا إن سميت دولا كانت خلقا استعماريا مشوها لو قرأنا الوثائق الغربية بتفحص وتدقيق. فكيف لدول تحمل هذه الجينات أن تقاوم المستعمر وربيبته وتعترض مجرد اعتراض؟

صحيح أن الأوضاع السياسية ديناميكية وليست استاتيكية، وقفز عدد دول العالم إلى اكثر من 193 دولة والدول العربية منها، لكنها قفزة في الهواء وفي فضاء الفرقة والإنقسام والتبعية والذيلية. فالكيان الإسرائيلي زاد قوة وثباتا بينما العالم العربي زاد تفرقا وتشتتا.

لكن الجميل هنا أن القوة هنا لا تكسب شرعية ولا حقا، فالحق يسمو ولا يسمى عليه. وقد يعتقد بعض الأعراب في الجامعة العربية التي أنشئت على يد البريطانيين، الذين دينهم وديدنهم الانتقام والثأر أن هذا مجرد كلام أدبي لا يغني ولا يسمن من جوع. حقوق الشعب الفلسطيني لا يملكها لا الولايات المتحدة ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا أذنابهم في المنطقة فدورهم لا يقتصر على ذلك ولن يرتقي إلى أبعد من ذلك.

ما يساعد على استعجال قطار السلام وتعجيل الإنسحاب الإسرائيلي الغازي المحتل يتصل بالقوة الفلسطينية الذاتية، ولا يعتمد على قوى خارجية أخرى، فهذه القوى ستتوالى إذا كان الفلسطينيون وحدة واحدة وجبهة واحدة. كفانا وصفا وحديثا وثرثرة وتعليقا، لنتوجه إلى العمل الجاد المثمر الوطني.

سيأتي قطار السلام ولن يتأخر قدومه إذا حاربنا الفساد وحاكمنا الفاسدين وأقمنا سيادة القانون، إذا توقفنا عن تسويق واستهلاك المنتجات الإسرائيلية، إذا توقفنا عن الإعتماد على الغير الخارجي ورددنا ما حك جلدك غير ظفرك!!!