بقلم : نبيل عمرو
في العام 2006 اتهمت أمريكا بالضغط على الفلسطينيين لاجراء انتخابات عامة رغم عدم تأكدها من فوز فتح فيها، ويقال أيضا… مع توفر قرائن دامغة لديها بحتمية فوز حماس.
لم يكترث الامريكيون بالاتهام، لم ينفوه ولم يؤكدوه، الا انهم تعاملوا مع النتائج بمواصلة دعم معسكر الاعتدال الفلسطيني الذي كان تجسيده عباس وفياض.
لم يكن الدعم ابعد من المال وبعض المشروعات دون القيام بجد فعال يعيد العملية السياسية الى مسارها ويفتح فرصا ان لم يكن لبلوغها أهدافها بل لابقائها على قيد الحياة.
الجهد الأبرز ويا ليته لم يُعمل قام به وزير الخارجية جون كيري الذي ما كان منه الا ان رفع يديه مستسلما لحصار نتنياهو له، واقصى ما استطاع منحه للفلسطينيين شهادة حسن سير وسلوك مقابل تحميل إسرائيل مسؤولية افشال مسعاه.
بعد سنة كيري تجمدت العلمية السياسية تماما ودخلت في طور احتضار طويل لتتركز الجهود المتقطعة والمجتزأة ليس لبث الحياة فيها وجعلها قابلة للعمل، بل كي لا يعلن موتها ما دام لابديل عن مجرد وجودها.
تحدثنا طويلا وكثيرا عن حقبة ترمب وما لحق بالفلسطينيين من اذى خلال سنواتها الأربع الكبيسة وتفاءلنا كثيرا بسقوطه وفوز منافسه بايدن الذي ذكرنا بأفضل ما فعل اسلافه من بيل كلينتون ثم باراك أوباما اللذان حكما أمريكا ستة عشر سنة، وبفعل التفاؤل ببايدن ونصائح السيدة ميركل الملحة تهيأ جو فلسطيني موات لاعادة فتح ملف الانتخابات العامة، فصدرت المراسيم وتكثفت الاجتماعات ودخلنا في واقع الانتخابات كما لو انها ستجري غدا ، والملفت ان نغمة “الانتخابات اذا جرت” عادت بقوة الى الأجواء حتى اختلف القوم ليس على نتائجها وانما على مجرد اجرائها.
لدى الطبقة الفلسطينية الخالدة المخلدة من زمن الثورة وزمن السلطة نزوع تلقائي للسؤال اين أمريكا؟ هل هي موافقة على اجراء انتخابات عامة؟ وفي حال نعم هل ستقوم بالضغط على إسرائيل لتقديم ما يتوجب عليها تقديمه من تسهيلات خصوصا في معضلة القدس؟ وهل وهل وهل؟؟
ولا يخلو الامر والحالة هذه من اتصالات سرية او نصف سرية حدثت مع الإدارة عبر كل القنوات المباشرة وحتى الشخصية، فماذا حدث؟
في غياب المعلومات اليقينية والرسمية نلوذ بالتحليل والاستنتاج وقراءة المؤشرات.
واضح تماما ان الحرارة الامريكية تجاه الشأن الفلسطيني ما تزال منخفضة من حيث العمل، رغم ان المواقف الامريكية باستئناف الدعم المالي والحديث عن حل الدولتين والاشارة الى ان القدس خاضعة للتفاوض يظهر اختلافا جوهريا عن مواقف ترمب ونتنياهو، الا ان انخفاض حرارة العمل الى ما دون الحد الأدنى تسوق وفق مبررات موضوعية تجتمع كلها في حتمية انصراف الإدارة الديموقراطية الى معالجة اثار تسونامي ترمب داخليا وخارجيا، وهذا يكفي لان يضع الملف الشائك الفلسطيني الإسرائيلي في مرتبة متدنية من الاهتمامات والاولويات.
امر كهذا لابد وان يعكس نفسه على الموقف من الانتخابات الثالثة المقررة في أيار القادم، وظهر بالتصريحات والتسريبات ان الموقف الأمريكي يرى الانتخابات العامة شأنا فلسطينيا بالأساس، ولا يخلو الامر من بعض نصائح خافتة من نوع.. ينبغي ان تتم بشفافية ونزاهة ويتعين على المشاركين فيها ان يلتزموا بسياسة منظمة التحرير “الاعتراف والاعتدال” وقد يطلبوا من إسرائيل بما هو اقل من الضغط ان يقدموا تسهيلات كي لا تتحمل مسؤولية افشالها مفضلين وهم يبذلون جهدا من اجل ذلك ان يكون تأجيل الانتخابات بقرار من السلطة، وقد رشح ذلك من المكالمة التي جرت بين وزير الخارجية الأمريكي ونظيره الإسرائيلي، والتي اظهر فيها اشكينازي قلقا من فوز حماس واخفاق عباس.
الموقف الأمريكي يظهر استفادة مما حدث في 2006 اذ اعفى نفسه مسبقا من مسؤولية اجراء الانتخابات ونتائجها تاركا الامر للفلسطينيين وكالعادة سيواصلون تعاملهم مع عباس سواء فاز ام لم يفز وهذا ما حدث بالضبط بعد 2006 أمريكيا واوروبيا.
الامريكيون وفق المؤشرات المتتالية ما زالوا يفضلون وضع كرة الانتخابات في الملعب الفلسطيني دون اظهار مواقف صريحة بالتأييد او الرفض وموقف كهذا مقلق ومحرج فمن يضغط على إسرائيل اذا؟؟؟