بقلم: جمال زقوت
أيام معدودة تفصلنا عن الأول من آيار موعد بدء الحملات الانتخابية وفق رزنامة لجنة الانتخابات المركزية، و الذي يتوافق مع احتفالات الطبقة العاملة في كل العالم بما فيها فلسطين، و قد كان من المفترض أن يكون هذا اليوم بمثابة ربيع فلسطين و استعادة ديمقراطيتها المتعثرة في سياق معركة تقرير المصير الممتدة منذ نشأة منظمة التحرير و حتى يومنا هذا . هذا الربيع يُخشى عليه أن يكون صيفاً قاسياً أو خريفاً جافاً لا يؤتي بأمطار شتاء جراء غيومه الملبدة كحمل كاذب.
نتقدم نحو الأول من آيار بلا يقين على الاطلاق، و المأساة أننا أمام سيناريوهين يكادا أن يكونا متقابلين بل و متناقضين بصورة مطلقة ؛ الأول نظرياً هو الاحتفاء بعرس الديمقراطية واحترام قواعد المنافسة الوطنية الشريفة التي لا تنحرف بوصلتها عن القدس وفلسطين، باعتبار ان الديمقراطية المنشودة قد تكون بوابة الوحدة و الأمل بنهوض وطني عارم يدواي جراح سنوات الانقسام و ندوبها الغائرة في جسد فلسطين كلها.
أما السيناريو الثاني؛ فهو وأد هذا المسار والعودة لدائرة و متاهة الانقسام الجهنمية بما يعنيه من تبددٍ للأمل الذي بدأ يتكون في صدور الشعب سيما لدى أكثر من مليون شاب يتهيأون للادلاء بأصواتهم لأول مرة بما يحمله ذلك، مشاركتهم في تربية الأمل نحو نقطة ضوء قد تفتح ثغرة في جدار النفق السميك والمظلم أمام شعبنا و حقوقه و قضيته. إلا أن الملفت أن الأغلبية الساحقة يتم تحضيرها نفسياً عبر تسريبات يومية وشعارات كبيرة أو صغيرة لإمكانية التأجيل بغض النظر عن مضمون المبرر الذي يجري طبخه و عن مدى جديته أو الالتفات لقناعة الناس و رأيها به . والأخطر هو تحويل هذا الحق الطبيعي في الوعي الشعبي و كأنه مكرمة تمنح وتسحب حسب تقديرات أو رغبة من يمنحها أو يسحبها، و ليس باعتبارها حقاً دستورياً لا يحق لكائن من كان أن يمسه أو يعبث به؛ ولم يكن لأحدٍ أن يتجرأ على هذا الحق لولا عبثية الانقسام وتركه يتجذر و يتمدد، بل و يتوطن ليس فقط كجزء من حياتنا اليومية، بل وكمقصلة لحقوق الناس البسيطة منها والأساسية على مدار السنوات التي تبدو بلا نهاية إن تم التأجيل .
يبدو أن حماس كانت قد قدمت تنازلات وذهبت لخيار التقدم نحو الانتخابات من أجل كسب شرعيتها المشروخة ليس أمام العالم و الإقليم فحسب، بل و أمام شعبنا سيما بعد ارتكابها بما تسميه هي بالحسم العسكري ويعتبره الناس انقلاباً إن لم يكن بالمعنى الدستوري فعلى الأقل من منطلق تقاليد الكفاح الوطني و متطلبات الوحدة ضد الاحتلال، بالاضافة لفشلها في الحكم والاستجابة لاحتياجات الناس ،وتعثرها في ما تعتبره هي خيار أو استراتيجية المقاومة.
في حال انفردت قيادة السلطة بتأجيل الانتخابات، و أشاحت بوجهها عن مأساة غزة التي تتغذي منها حماس و حلفائها القدامى والجدد، و بما يجعلها تبدو أمام الرأي العام وكأنها الحريصة ليس فقط على الوحدة، بل وعلى الديمقراطية، و اللتان يشكلان من وجهة نظر الأغلبية الشعبية بوابة انفراج، محتملة إن لم تكن مضمونة، للمأزق الفلسطيني سواء المتصل بحصار الناس أو بمحاصرة القضية ومراوحتها في دوامة الانقسام العبثية .
إن تجاهل هذه الحقائق من قبل القيادة، أو محاولة المعالجة الشكلية لقضايا الوطن و المواطنين و ما تستدعيه من الالتزام بالخيار الديمقراطي و الوحدة الوطنية معاً،ورعايتهما حتى نتمكن من الخروج الآمن من عنق الزجاجة ، و إن لم يتم ذلك سنكون أمام السيناريو الأخطر و هو الانتقال من التعايش مع الانقسام إلى القبول به كأمر واقع، بل وربما الاعتراف المتبادل به بغض النظر تحت رعاية من؟ سواء كانت اسرائيل وبعض أطراف الاقليم، أو حاجة الناس للخلاص من الواقع المأساوي، أو فشل السلطة في الاستجابة لأي سيناريو؛ في وقت تنجح فيه حماس بأن تظهر نفسها و كأنها كانت موافقة وجاهزة للتعامل مع أي خيار ينقذ أهل غزة من مأساتهم .
تاجيل الانتخابات خطأ استراتيجي، و لكن ذهاب القيادة للتأجيل دون حكومة وحدة وطنية انتقالية تعالج كل الملفات وتقطع الطريق على الانفصال، وتضع حداً مرة و إلى الأبد لكل أشكال الاقصاء و الهيمنة و التفرد، وتمهد لاستعادة المسار الديمقراطي بما هو حق للناس و ليس مكرمة يقدم من أحد، سيكون مثل هذا القرار بمثابة كارثة وطنية تقضي على الوحدة و على الديمقراطية معاً،وقد يمس بصميم الكيانية الوطنية، وربما بالمصير الوطني. فالمعالجة الشكلية لآثار الانقضاض على العملية الديمقراطية المترافقة مع الفشل في استعادة الوحدة، فلن تكون أكثر من محطة أخرى لمزيد من التآكل والشرذمة للحالة الوطنية ، و التي قد تضع الناس أمام خيارين؛ إما المزيد من الاحباط الذي يتساوق أو مرة أخرى الخروج الشعبي العارم على المشروع الاسرائيلي لتصفية قضية شعبنا وكل من يتساوق معه أو يتواطأ لتمريره !