بقلم: ماهر أبو طير
واشنطن تعترض حتى اليوم على كل اقتراب أردني من سورية. المفارقة هنا، أن قيمة الخسائر الاقتصادية بسبب عدم الاقتراب من السوريين، اقتصاديا، تفوق قيمة المساعدات الأميركية للأردن، وكأننا هنا، نتأثر بما يريده الأميركيون، وندفع الثمن، على صعيد الاقتصاد، برغم اعتقاد بعضهم، أننا لا نخسر اقتصاديا بسبب هذا الوضع.
هذه الأيام وبعد أن ذهب الأردن إلى شراء الماء من إسرائيل، تخرج أصوات لتسأل عن السبب الذي يمنع الأردن من اللجوء للسوريين في أزمة المياه، حاليا، لأن المؤكد هنا، أن جمود العلاقات الأردنية السورية، على مستويات مختلفة، ترك ضررا على الأردن، في الوقت الذي للمفارقة تقترب فيه أطراف عربية نافذة من السوريين، فيما يتم منع الأردن، حصرا.
في أزمة المياه هناك أصوات تتحدث عن ضرورة اللجوء للسوريين، وهذا الكلام إيجابي وعاطفي، لكن علينا أن نتذكر هنا، عدة حقائق مهمة، أولها أن السوريين خرقوا الاتفاق مع الأردن حول المياه المتدفقة من حوض اليرموك إلى سد الوحدة، بسبب إقامة عشرات السدود، وحفر الآبار، بما يؤثر أيضا على المخزون الجوفي في المنطقة، كما أن السوريين وبسبب اعتبارات الحرب، توسعوا في زراعة القمح في جنوب سورية، مما يجعل استهلاكهم للمياه أعلى، إضافة إلى تضرر سورية ذاتها، بسبب السياسات التركية، ومعاناة مناطق في سورية، من أزمات المياه، وقلة الأمطار التي انهمرت على سورية هذا العام، وما قبله.
هذا يعني أن هناك أزمة سورية أردنية صامتة في هذا المجال، زاد الاختلاف السياسي من حدتها، دون أن ننكر هنا، أن لنا حقوقا فعلية، لا يوفرها الأشقاء السوريون، مثلما لا ننكر أن هناك أزمة أساسا على صعيد المياه في كل سورية، مما يجعل أولويات السوريين مختلفة.
لا بد من الإشارة هنا، إلى أن الاعتراض على ممارسات النظام السوري، وكلفة الحرب الداخلية، لا يمنع من حدوث تحولات، ولو بشكل جزئي، وقد رأينا هذه التحولات على صعيد دول عربية ثانية، فلماذا نخضع نحن لحسابات أميركية، تتجلى أيضا بقانون قيصر، ونخسر بشكل كبير، برغم أن الجغرافيا المشتركة تفرض سياسات كثيرة على أساس هذا الجوار.
لدي معلومة مؤكدة تقول إن أحد الوزراء الأردنيين، كان مقتنعا تماما بأهمية التواصل مع السوريين في قضايا كثيرة، من بينها ملف المياه، وقد أجرى هذا الوزير اتصالات مع دمشق الرسمية، قبل شهور، من أجل المياه، فرحبوا بزيارته ومنح الأردن كميات كبيرة من المياه، مقابل الحصول على الكهرباء، كون السوريين يعانون أزمة الكهرباء، وهذا وضع طبيعي، إلا أن خروج الوزير من موقعه، من جهة، وعرقلة جهات سياسية لأي محاولة للاقتراب من السوريين بذريعة قانون قيصر، أرسلت الفواتير الثقيلة للأردنيين.
كان بإمكان الأردن هنا أن يستثني نفسه من موانع قانون قيصر، لاعتبارات كثيرة، وهذه حالة عشناها عندما تم فرض العقوبات على العراقيين خلال فترة النظام السابق.
بهذا المعنى ومع إدراكنا للوضع المائي في سورية ذاتها، وتأثيرات الحرب، ومستوى البرود في العلاقات السياسية، إلا أن المؤكد أن الأردن يدفع ثمن تصورات الأميركيين تجاه دمشق، وكأن واشنطن، تدفعنا نحو خيار وحيد هو إسرائيل، مع خسائر كبيرة على كل المستويات الاقتصادية بسبب تقطع العلاقات التجارية والمائية وغيرها مع السوريين الأقرب إلينا.
رئيس مجلس النواب الأسبق، النائب المخضرم عبدالكريم الدغمي، تحدث بصراحة قبل أيام عن ضرورة طلب مساعدة السوريين، وهو هنا محق، فطلب الماء من السوريين، لا يجرح الإحساس مهما كانت الخلافات حادة، لكن الواضح أن الاندفاع نحو السوريين، تتم عرقلته، ولا يبدو واردا لدى أي طرف بلورة مبادرة، عدا ما نسمع عنه من وفود تذهب إلى دمشق، وهي وفود لو قامت بطلب الماء، لطلب السوريون بالمقابل الكهرباء، ولقفز الأميركيون في المنتصف، لا يريدون ماء من هناك، ولا إرسال كهرباء من هنا.
لو كان الأميركيون يريدون مصلحة الأردن، لرفعوا عنه كل هذه القيود، ولتحرك الأردن بشكل طبيعي في جواره الجغرافي، الذي بدونه سنبقى ضعفاء.
واشنطن تريد معاقبة دمشق، لكنها تعاقبنا نحن أيضا.
عن “الغد” الأردنية