بقلم: سليمان أبو إرشيد
مرة أخرى يتضح لمن أراد برهانا إضافيا على أن “العرب” ما زالوا خارج نطاق الشرعية السياسية الإسرائيلية، ومن اعتقد خاطئا أنه يمكن “انتزاع” هذه الشرعية عن طريق اليمين بعد أن فشل مع غيره بالحصول عليها بواسطة ما يسمى باليسار، لم يطل قفاه سوى المياه الباردة التي طالت أقفية الجميع في المرة أو المرات السابقة.
فبعد الصفعة التي تلقاها نهج أيمن عودة من غانتس عندما آثر التنازل عن الفرصة التي منحته إياها القائمة المشتركة لتشكيل حكومة برئاسته، لأنها مدعومة من “العرب”، والارتماء عوضا عن ذلك في حضن نتنياهو، نرى كيف أن منصور عباس “شطح وما نطح”، رغم أنه ذهب بشطحته بعيدا عن مألوف “السياسة العربية” في أرذل أيامها، ومع ذلك لم يخرج سوى ببعض الصور المهينة مع قباطنة اليمين والمزيد من التصريحات المعيبة بحقه وبحق جمهور حركته.
والسؤال الذي يطرح نفسه في ضوء تكرار الأحزاب العربية للمحاولات اليائسة في نيل الشرعية الإسرائيلية التي يمتلك أصغر عنصري إسرائيلي مثل هاوزر أو سموتريتش حق منحها أو نزعها، هو ماذا عن الشرعية الوطنية؟ وإلى أي مدى تفقد هذه الأحزاب التي تناور وتداور دون طائل من مصداقيتها وشرعيتها تلك أمام جماهيرها ومصوتيها؟
وإذا كان البعض سعيدا بأنه وجد من هو أكثر “انحرافا” وربما “غباء” (بالمعنى السياسي طبعا) منه، بحيث يضعه في موضع الأفضل وطنيا ويستطيع أن يزاود عليه، فإن من يقرأ الأمور ببواطنها، وليس بظاهرها، يدرك أن الاختلاف في الشكل فقط، بل ربما كان منصور عباس “كبش فداء” تمكن اليسار – الوسط من خلاله الحصول على “تحليل” للصوت العربي من نتنياهو، وهو الذي ما كان ليجرؤ التفكير بالاعتماد على أصوات أعضاء الكنيست العرب دون تلك “الفتوى”.
نقول ذلك لأننا نعرف أن لا فرق بين أصوات المشتركة التي أوصت على لبيد لتشكيل الحكومة وبين صوت عباس الذي همس في أذن ريفلين، بأنه سيتعامل بإيجابية مع تكليفه والذي بدونه ما كان ليحظى لبيد بهذا التكليف لأنه سيفقد الأغلبية التي تمكنه من ذلك.
ولكن المفارقة هي أن لبيد الذي استخدم أصوات الأحزاب العربية (باستثناء التجمع الذي لم يوص عليه) بشكل مباشر أو غير مباشر، للفوز بالتوصية في تنافسه مع بينيت، ينوي تشكيل حكومة ائتلافية مع الأخير يرأسها بينيت في الفترة الأولى وتعتمد على أصوات العرب أو جزء منهم.
هذا يعني أن الأحزاب العربية التي أوصت على لبيد تعرف مسبقا أنها ستحصل على حكومة برئاسة بينيت، ربما يكون فيها ليبرمان وزير “دفاع” وساعر وزير خارجية أو العكس، وهي لم تتعلم من تجربة التوصية البائسة السابقة على الجنرال غانتس، ولكن مثلما ستر الله عليها عندما تركها غانتس وذهب إلى أحضان نتنياهو، وستر على عباس عندما رفض سموتريتش دعمه من الخارج لحكومة برئاسة نتنياهو، فإنه ستر الله سيحل أيضا في حالة لبيد، لأن تركيبة ما أصبح يسمى بـ”معسكر التغيير” الغريبة العجيبة، والتي تجتمع فقط على مناوءة نتنياهو لن تتيح تشكيل حكومة لا برئاسة بينيت ولا برئاسة لبيد.
ونقول ستر الله لأن فضيحة أحزابنا التي أوصت، ستكون بجلاجل، عندما تقوم طائرات الحكومة المدعومة من أيمن عودة وأحمد طيبي ومنصور عباس، فرادى أو مجتمعين، بقصف قطاع غزة وإراقة دماء أبنائه، في ذات اليوم الذي تكون قد حولت فيه 100 مليون شيكل للمجالس العربية وفق الاتفاقية الائتلافية.
كم سيكون رخيصا عندها الدم الفلسطيني وكم سيبدو أرخص من قام بمقايضة القضية الوطنية بفتات الميزانيات!