بقلم: محمد ألنوباني
بداية لا بد من الإشارة إلى حقيقة مهمة وهي ان إسرائيل ليست دولة عادية لتنطبق عليها التقسيمات والتعريفات التي تنطبق على بقية الدول مثل تطبيع العلاقات وتقسيم القوى السياسية بين يمين ويسار وخلاف ذلك من مسميات.
فهي دولة مشوهة أقيمت بموجب وعد إمبريالي غير شرعي هو وعد بلفور البريطاني المشؤوم الذي اعطي من قبل من لا يملك إلى من لا يستحق ونص على إغتصاب وطن تؤكد كل حقائق التاريخ والجغرافيا بأنه ملك للشعب العربي الفلسطيني. وبالتالي فإنها كيان غير شرعي وكل احزابها وقواها السياسية المكونة، بما فيها حزبا ميريتس والعمل، هي قوى صهيونية معادية للشعب الفلسطيني والشعوب العربية.
وكما اثبتت التجربة فإن تلك الاحزاب حتى لو اختلفت فإنها لا تختلف إلا على الأسلوب بينما تتفق بالمطلق على الهدف وهو الوصول بالصهيونية إلى اعلى غاياتها وهي الدولة اليهودية الخالية من الفلسطينين.
ودليلنا على ذلك أنه في ظل حكم حزب العمل الذي استمر لعشرات السنين تم احتلال كل فلسطين التاريخية وسيناء المصرية وهضبة الجولان السورية كما تم ارتكاب ابشع المجازر ضد الفلسطينيين والعرب، ناهيك عن أن زعماء حزب العمل التاريخيين، بن غوريون مروراً بإسحق رابين وشمعون بيريس، اللذين وقعا على اتفاق اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية ووصولاً إلى ايهود باراك لم يلتزموا ببنود اتفاق لم يكونوا يتوقعونه حتى في احلامهم وهو اتفاق اوسلو، الذي عقدوه مع منظمة التحرير، رغم أنه حمل في طياته تنازلاً عن 78% من ارض فلسطين التاريخية واخضع قضية اللاجئين والمياه والحدود والمستوطنات لمفاوضات المرحلة النهائية التي لم تأت وبقية حكاية المفاوضات العبثية المعروفة.
وعليه فإنه واهم وملتبس ومخطئ من يعتقد بأن إسرائيل التوسعية التي شردتنا عن ديارنا والحقت بنا الدمار والخراب وسفكت دماء مئات الآلاف من الفلسطينيين والعرب قد تنتج قوى سلام أو رئيس وزراء يعترف بحقوقنا الشرعية او أن يوافق طواعية على الانسحاب حتى من شبر واحد من الارض المحتلة حتى لو وصلت إلى ذلك المنصب زعيمة حزب العمل ميخائيلي او حتى زعيم حزب “ميريتس” اللذين يسوقهما بعض الفلسطينيين والعرب بانهما قوى يسار أو من انصار ما يسمى بحل الدولتين وغير ذلك من الكلام الفارغ.
وليس نفتالي بينيت، أو يائير لابيد اللذين لا يقلان تطرفاً وعداء للفلسطينين والعرب عن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق وزعيم المعارضة الحالي بنيامين نتنياهو إن لم يزيدا عنه تطرفاً.
ولا يغير عن هذه الحقيقة تلك الاتهامات التي يوجها بعض اقطاب اليمين الاكثر تطرفاً في الكيان لخصومهم السياسيين بانهم يساريين عندما تزداد حدة الأستقطابات والخلافات السياسية كما فعل نتنياهو مؤخراً عندما اتهم بينيت ولابيد مؤخراً بانهما يساريان من باب تحريض قاعدتهما الإنتخابية عليهما.
عود على بدء فإن حكومة الثنائي نفتالي بينيت – يائير لابيد التي رأت النور بفعل اصوات المتأسلم المتصهين منصور عباس وباغلبية صوت واحد فقط ستكون بلا ريب حكومة هشة وآيلة للسقوط في اية لحظة، كل يوم اربعاء كما يقول المحلل السياسي والخبير في الشؤون الإسرائيلية حسين السويطي. ومع ذلك فإن الشيئ المؤكد بان هذه الحكومة ستكون اكثر شراسة وعدوانية ازاء الشعب الفلسطيني وسوريا وايران وحزب الله من حكومة نتنياهو السابقة لان همها الاول سيكون الإثبات لزعيم معارضة قوي وعنيد مثل نتنياهو ولجمهورها بأنها ليست حكومة يسار ولا تقل عنه تطرفاً وعدوانية.
وأخيراً وليس آخراً فإن ما يثلج الصدور ويبعث الامل في النفوس ان ظاهرة عدم الاستقرار السياسي التي يعاني منها المجتمع الصهيوني والتي تفاقمت وطفت على السطح في السنوات الاخيرة حيث تمظهرت بتفاقم الصراع التقليدي بين اليهود الغربيين والشرقيين (اشكناز- سفارديم) وانتفاضة اليهود الأثيوبيين وعدم إقرار الميزانية وقضية خدمة اليهود الحريديم في الجيش وإجراء أربع جولات انتخابية للكنيست في غضون اقل من عامين،…الخ هي إنعكاس لأزمة بنيوية حادة سببها الاساس المقاومة الضارية التي ابداها ولا يزال يبديها الشعب الفلسطيني للاحتلال، رغم كارثة “اوسلو’ وآخرها معركة “سيف القدس” ونتائجها.
من ناحية وبسبب عجز الكيان الإسرائيلي عن القيام بالدور الوظيفي التوسعي الذي انشأ من اجله بفعل تنامي قوة محور المقاومة من ناحية ثانية ثانية.
لذلك فإن ظاهرة عدم الاستقرار التي يعاني منها المجتمع الصهيوني ستبقى مخيمة سواء بقيت هذه الحكومة ام لم تبق وسواء عاد نتنياهو إلى الحكم أم لم يعد لأن هناك حتميات فوق طاقة البشر.