“لدي خياران: أن أقاتل أو أن أقاتل، لكنني اخترت أن أقاتل بالفن”، هذا ما قاله الفنان خالد جرار مختصرا حكاية معرضه المقبل، ومن المقرر انطلاقه مساء السبت، في “جاليري ون” بمدينة رام الله، تحت عنوان “أداعب الزناد”.
وأضاف جرار: أنا حجر. أنا غير مرئي.. لديّ رصاصة واحدة فقط.. إنها لعبة صعبة، حيث عليّ أن أكون في وضع خفي ومتجمدًا، خلاف ذلك أي خطوة خاطئة قد تحول هذا الواقع إلى شيء آخر.
وتابع: برفق أضغط على الزناد فتنطلق الرصاصة قاطعة مئات الأمتار في أقل من ثانية.. إطلاقها يكون دومًا شيئًا حساسًا ورقيقًا يشبه لمس شيء لم يلمس أبدًا.. بلا شك، ستنطلق الرصاصة بسرعة وتصيب الهدف محدثة أشكالا باللون، فتكشف بذلك عن مدى العجز في حال رآنا الآخرون.
وأكد الفنان الذي قدم أفلامًا ومعارض ومبادرات فنية مبتكرة ومثيرة للاهتمام والإعجاب: حاولت إيجاد منهجية تتيح لي إنتاج الفن باستخدام بعض من مهارات القتل التي تعلمتها خلال تدريبي كجندي، لذلك فإنني أرى هذه الطريقة كمساحة من الاستعارات لكل من مساحتي الشخصية والنزوح، تعرض تجانسًا حقيقيًا بين مهاراتي المتراكمة وتصف انضباطي المكتسب.. تم تدريبي لأطلق النار، لأتبع القواعد، وأنا أجيد ذلك.
وخلص جرار: الهدف الرئيس من كل ذلك التدريب أن أصبح خبيرًا في إطلاق النار وفي التمويه.. علموني أن أصيب الهدف، بسرعة ودقة، وأن أستعمل ما يحيط بي لأموه نفسي.. بعض التمارين هدفت إلى إجباري على صنع زيي الخاص، كما الحرباء، يصعب إدراك وجودها داخل محيطها، لذلك، جمعت بين هاتين المهارتين المكتسبتين في تنفيذ هذا العمل الفني.. ما يدل نوعا ما على الفصل بين البنيوية والجوهر وأسباب أهميتهما في العمل العسكري، وفي فهم الحياة.
أما قيّمة المعرض إنيس فالي، فقالت عنه: كان خالد مولعا بالرسم منذ صغره، لذلك فإن الرسم بإطلاق النار، مشروع يبدأ خالد من خلاله بتحقيق رغبته في الرسم على نحو ما، من خلال مهاراته المكتسبة كجندي في إطلاق النار.. الإجراءات لإتمام هذا المشروع كانت غاية في التعقيد، ليس فقط للحصول على الطلقات بل بكافة المحددات المرتبطة بتنفيذ المشروع.
وأضافت: حقيقة أن خالد جندي سابق لم تساعده في تسهيل حصوله على طلقات.. استحالة الإطلاق في الشوارع أو الصحراء أو أي مكان عام أجبرت الفنان على بناء غرفة عازلة للصوت في مكان سري مستعملا في الأساس كراتين البيض، حشيات وألواحا خشبية وحاوية كبيرة ملئت بالرمل لتمنع الرصاصة من الارتداد تجاه أي شخص.. كان مقيدا بالإطلاق في مساحة 7,3 مترا مربعا، وهذا ما زاد من خطورة عمل جرار الأدائي، ولذلك ومن أجل عدم المخاطرة بحياة شخص آخر قام بتوثيق كافة العملية بنفسه، أما بالنسبة للوحات، رغم أنها تشبه أعمال التجريد، لطخة وسط قماش رسم أبيض، إلا أنها مرفقة بجانب أدائي نفسي وجسدي قوي، ما بين الفن والعسكرية، الفنان والجندي، العنف والفعل.. لكنها فوق ذلك كله تدفع حدود الفهم النفسي نحو أننا قد نكون نعيش في مجتمع عدواني.. هذه الرصاصات قد تصيبك لكنها لن تقتلك، ستجعلك أقوى وأوعى.
أما الناقد الفني والفنان التركي كوكين ارغون، فقال: في كل عمل جديد يفهم خالد نفسه وبلده. أيضا يساعدنا على فهم بلده وفهمه هو، إذ ليس هناك وسيلة أفضل لفهم بلد تعصف به الخلافات من فهم الأشخاص الذين يعيشون فيه.
وأضاف ارغون: في عمله الأخير يستعمل خالد السلاح بالفعل بل ويطلق النار أيضا.. يطلق على قناني مليئة بالطلاء فتنفجر عندئذ على مسطحات القماش الموزعة حولها صانعة لوحات غريبة.. لو أن شخصا آخر قام بعمل هذه اللوحات الأدائية لما منحنا ذلك أكثر من اختلاس لمحة من تاريخ الفن الغني بمثل هذه الأداءات.. لكن عندما يفعلها جندي سابق، تصبح أكثر من مجرد عمل فني.. عمله هذا صدمة شخصية تحررت؛ استبطان لماض شكّله قصرا كما شكّل العديد من أبناء موطنه.
وختم: مثله مثل أعمال سابقة تسلل إليها زيه الشخصي، سلاحه، أو دفتره المبقع بالدم، هذا العمل ليس مجرد استراتيجية في عمل الفن؛ لا يوجد فيه ما يرعب الجمهور. لخالد، أعمال الفن هذه كالخبز على مائدته .. إن حرم منها يعاني حرماناً، وربما يكون عاطفيا.