يلتقي وزيرا الخارجية الأميركي والروسي الجمعة في جنيف لبضع ساعات في محاولة أخيرة لنزع فتيل الأزمة الأوكرانية، بينما تشتبه واشنطن في أن موسكو تنوي غزو جارتها رغم تهديدات بردود صارمة في حال حصل ذلك.
ويُعقد اللقاء بين الوزيرين الروسي سيرغي لافروف والأميركي أنتوني بلينكن في قصر مطلّ على بحيرة ليمان، في أحدث خطوة من مسار دبلوماسي مكثّف بدأ منذ 11 يوما في جنيف بين مساعدَيهما.
وكان لافروف وبلينكن اتفقا على مواصلة المحادثات رغم الاختلافات الكبيرة في وجهات النظر ورغم حشد مئات الآلاف من الجنود الروس على الحدود مع أوكرانيا.
وبينما استغرق اللقاء الدبلوماسي في العاشر من كانون الثاني/يناير قرابة ثماني ساعات، لا يتوقع أن يتجاوز الاجتماع بين وزيري الخارجية الساعتين.
ويعرف وزيران الخارجية، المفاوضان المحنكان، بعضهما منذ سنوات عدة. يُعرف عن بلينكن هدوءه الثابت بينما يبدو لافروف انفعاليّ أكثر.
وقال بلينكن الخميس من برلين “نواجه مشاكل معقّدة وحلّها يتطلّب وقتًا. لا أتوقع أن نحلّها في جنيف”. ويعوّل بلينكن على “تفاهم متبادل” وخفض التصعيد من الجانب الروسي لتهدئة التوترات.
واعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن الأربعاء أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين “سيدخل” إلى أوكرانيا وتوعّده برد فعل “سريع وشديد وموحّد من الولايات المتحدة وحلفائنا”، في حال تجاوز الجيش الروسي الحدود.
ندد الكرملين الخميس بتصريحات بايدن معتبرًا أنها “مزعزعة للوضع” وأنها “يمكن أن تثير آمالًا خاطئة كليًا لدى بعض المتهورين الأوكرانيين”.
وتنفي روسيا التي ضمّت شبه جزيرة القرم وتدعم تمرّدًا في شرق أوكرانيا أسفر عن أكثر من 13 ألف قتيل منذ 2014، أن تكون لديها نية لغزو جارتها. لكن الكرملين يصرّ على الحصول على ضمانات أمنية مكتوبة، بما في ذلك وعد من كييف بأنها لن تنضم إلى حلف شمال الأطلسي وأن الحلف لن يسعى للتوسّع في ما تعتبره موسكو منطقة نفوذها.
وسبق أن رفضت الولايات المتحدة بشكل قاطع هذه المطالب واعتبرت أنها غير منطقية.
يصل بلينكن إلى جنيف بعد جولة سريعة زار خلالها كييف وبرلين، المدينة التي تشكل رمزا لإعادة توحيد أوروبا بعد الحرب الباردة، للتباحث مع الحلفاء الألمان والفرنسيين والبريطانيين.
وذكّر بلينكن في خطاب ألقاه قبل توجهه إلى سويسرا بأن “ترك روسيا تنتهك هذه المبادئ بدون أي عقاب، سيعيدنا جميعًا إلى فترة أخطر وأكثر اضطرابا، عندما كانت هذه القارة – وهذه المدينة – مقسومتين نصفين، تفصل بينهما منطقة عازلة ودوريات جنود، وعندما كان التهديد بحرب شاملة يلقي بثقله على حياة كل شخص”.
وقال إن “هذا الأمر سيبعث رسالة أيضا إلى آخرين في أنحاء العالم، مفادها أنه من الممكن التضحية بهذه المبادئ”.
من جهتها، دعت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس الجمعة روسيا إلى “خفض التصعيد” وإجراء “محادثات بناءة” في شأن أوكرانيا، محذرة من أن غزو هذا البلد سيقود إلى “مستنقع رهيب”.
وخلال زيارة إلى سيدني مع وزير الدفاع البريطاني بن والاس، قالت تراس “سنُواصل مع حلفائنا دعم أوكرانيا ونحض روسيا على خفض التصعيد والمشاركة في مناقشات بناءة”. وأضافت أن “الكرملين لم يستخلص العبر من التاريخ”، مؤكدة أن “الغزو لن يؤدي إلا إلى مستنقع رهيب وخسائر في الأرواح كما حدث في أفغانستان السوفياتية والصراع في الشيشان”.
لكن على الرغم من ذلك فإن الباب ليس مغلقًا تمامًا، إذ أكّدت إدارة بايدن مرارًا أنها مستعدّة لمناقشة مخاوف الروس بشأن أمنهم.
خلال اللقاءات الأولى الأسبوع الماضي في سويسرا، اقترحت مساعدة وزير الخارجية الأميركية ويندي شيرمان الاستلهام من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى التي وُقعت خلال الحرب الباردة مع موسكو.
وفي 2019، سحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بلاده منها، متّهمًا روسيا بانتهاكها.
وأعلن بايدن الأربعاء أنه مستعدّ لعقد قمة جديدة مع بوتين، بعد قمتهما الأخيرة في جنيف في 16 حزيران/يونيو 2021.
لم ترفض روسيا الاقتراحات المتعلّقة بالصواريخ والمناورات لكنها ذكّرت بأنها ليست النقطة الأهمّ. وأعلنت الخميس عن مناورات بحرية واسعة النطاق في كانون الثاني/يناير وشباط/فبراير في المحيط الأطلسي والقطب الشمالي والمحيط الهادئ وحتى البحر المتوسط.
وحضّ وزير الخارجية الأميركي الأربعاء بوتين على اختيار “المسار السلمي” وأعلن بوضوح أيضًا أنه لن يقدّم إجابات مكتوبة للمطالب المفصّلة حول نقاط الخلاف التي قدّمها الروس منذ بضعة أسابيع.
بالنسبة إلى واشنطن الوقت يدهم، وقد اتّهمت الولايات المتحدة الأسبوع الماضي روسيا بأنها أرسلت عملاء إلى أوكرانيا لتنفيذ عملية يمكن استخدامها كـ”ذريعة للغزو”.
بعد اللقاء، يدلي كلّ من لافروف وبلينكن بتصريحات بشكل منفصل أمام الصحافة.