فرضت السلطات الصينية إغلاقًا يشمل حوالى 30 مليون شخص في أنحاء البلاد الثلاثاء، وعادت عمليات الفحص الواسعة ومشاهد المسؤولين الصحيين بالبزّات الواقية إلى شوارع المدن على نطاق لم تشهده القوة الاقتصادية منذ بدايات كوفيد في ظل ارتفاع كبير في عدد الإصابات.
وأعلنت الصين تسجيل 5280 إصابة جديدة بفيروس كورونا الثلاثاء، أي أكثر من ضعف عدد الإصابات المسجّلة في اليوم السابق، في وقت تتفشى المتحورة أوميكرون في أنحاء البلد الذي اتّبع نهجًا متشددا قائمًا على “صفر إصابات كوفيد”.
ويبدو أن هذا النهج القائم على تدابير إغلاق محددة انقطعت الصين على اثرها عن العالم الخارجي لمدة عامين، بات على المحك إذ تجد المتحورة أوميكرون طريقها للتغلغل في أوساط السكان.
وباتت 13 مدينة على الأقل خاضعة لإغلاق شامل الثلاثاء بينما فرضت تدابير إغلاق جزئية على عدد من المدن الأخرى.
وكانت مقاطعة جيلين (شمال شرق) الأكثر تضررا حيث وصلت الإصابات الى أكثر من ثلاثة آلاف، وفق لجنة الصحة الوطنية.
ويخضع سكان عدة مدن بما فيها عاصمة المقاطعة تشانغتشون والتي تعد تسعة ملايين نسمة إلى أوامر عزل منزلي.
وأما مدينة شنجن التي تعد مركزا للتكنولوجيا في جنوب البلاد وتعد 17,5 مليون نسمة، فتخضع لقيود منذ ثلاثة أيام أغلقت بموجبها العديد من المصانع فيما باتت رفوف المتاجر خالية تقريبا. في الأثناء، فرضت السلطات قيودا على شنغهاي، كبرى المدن الصينية، لكن من دون إغلاق المدينة كاملة.
وتعيد مشاهد الأحياء المغلقة وتهافت السكان على شراء المستلزمات وتطويق الشرطة مناطق معيّنة إلى الذاكرة المراحل الأولى من الوباء، الذي ظهر في الصين أواخر العام 2019 قبل أن تتراجع حدّته في معظم أنحاء العالم.
وفي وقت اقتربت تدابير الإغلاق من بكين، شددت الأماكن العامة إجراءاتها للتدقيق على رموز الاستجابة السريعة (QR codes) الصحية واسعة الانتشار.
وبعدما خضعت لحجر صحي في المنزل مدّته 21 يومًا مع والدتها وطفلها البالغ ثلاث سنوات، قالت مديرة المشاريع ماري يو (34 عاما) إنها أجبرت على عزل نفسها مجددًا بعدما تم الكشف عن إصابات بالفيروس مرتبطة بساحة ألعاب زارتها.
وأفادت فرانس برس “انتابني الذعر عندما اتصل المسؤولون الصحيون.. خشيت من أن يقوموا بنقلنا إلى فندق للحجر الصحي”.
وأضافت “لكنهم هذه المرة يتركون الناس ليعزلوا أنفسهم في منازلهم. هذا أمر مريح جدًا”.
وأعرب سكان آخرون في المدينة عن سخطهم من تفشي الوباء في الصين، في وقت تحاول معظم دول العالم العودة إلى حياتها الطبيعية.
وقال أحد سكان بكين الذي عرّف عن نفسه باسم يان لفرانس برس “كانت القيود مفيدة في السابق.. والآن بدأت مجددًا، متى سينتهي ذلك؟”.
وكان الثلاثاء سادس يوم على التوالي تسجّل فيه أكثر من ألف إصابة جديدة في ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.
ويتوقّع الخبراء بأن يؤثر الأمر على النمو.
وقال تومي وو من “أكسفورد إيكونوميكس” إن “تجدد القيود، خصوصا الإغلاق في شنجن، سيؤثر على الاستهلاك ويؤدي إلى اضطراب في الإمدادات على الأمد القريب”.
وأضاف أن الأمر سيشكّل “تحديًا” للصين لبلوغ هدفها في نمو إجمالي ناتجها الداخلي للعام والذي تم تحديده رسميًا بحوالى 5,5 في المئة.
وتراجعت الأسهم في بورصة هونغ كونغ بأكثر من ستة في المئة الثلاثاء، لتتفاقم خسائر اليوم السابق المرتبطة بقطاع التكنولوجيا.
وقال المحلل لدى مصرف ANZ ريموند يونغ في مذكرة بحثية إن “التقييد الجزئي لمقاطعات ثرية في جنوب وشرق الصين مقلق إذ أنها تساهم في نصف الناتج الإجمالي الداخلي للبلاد وسكانها”.
وألغيت عشرات الرحلات الداخلية في مطارات بكين وشنغهاي صباح الثلاثاء، وفق بيانات تعقّب الرحلات.
كما أدى تفشي الفيروس في مصانع تابعة لمجموعة “فولكسفاغن” في مدينة تشانغتشون في جيلين إلى إغلاق ثلاثة مواقع الاثنين لمدة ثلاثة أيام على الأقل، وفق متحدث.
ولفت كبير خبراء الصحة في الصين جانغ ويهونغ إلى احتمال تخفيف استراتيجية “صفر إصابات كوفيد” في مواجهة المتحورة أوميكرون. لكنه حذّر من أن تخفيف الفحوص واسعة النطاق وتدابير الإغلاق سيكون مستحيلا على الأمد القصير.
وتوقّع المسؤولون الصحيون أيضا بأن يتم تشديد القيود قريبا.
وتعهّد محافظ جيلين القيام بكل ما يلزم “للوصول إلى صفر إصابات كوفيد في غضون أسبوع”، وذلك خلال اجتماع طارئ عقد ليل الاثنين، وفق ما أعلنت وسائل إعلام رسمية.