clorfenamina. في الوقت الذي أجلس فيه في غرفة مكتبي التي أصبحت غرفة نومي أيضا في مدينة غزة وأنصت لأصوات الضربات الجوية ونيران الصواريخ، كان الحديث يجري حول السبل الكفيلة بوضع نهاية للعنف. إن تلك هي أكبر الرغبات، وتحديدا بالنسبة للسكان المدنيين في غزة الذين يعانون وطأة هذا التصعيد. ولكنني عندما أفكر بالأشخاص النازحين الذين يلتجئون في مدارسنا والبالغ عددهم 17,000 شخص، والذين تحدثت مع البعض منهم بالأمس، فإنني أتساءل ما الذي قد يعتقدونه حيال ذلك. وحيث أنهم قد شاهدوا كافة تلك الأمور من قبل، فإن هذا النزوح بالنسبة لمعظمهم هو النزوح الثالث منذ عام 2009؛ والعديدون منهم عادوا للجوء إلى نفس الغرفة الصفية. وإذا ما تأتى لوقف إطلاق النار المحتمل أن ينتهي بنفس الكيفية التي انتهى إليها من سبقوه، فهل يعتقدون أن هذا شيء مختلف عن مجرد فترة استراحة بسيطة من العنف؟
وبالنسبة لغزة، فإن العودة إلى “الهدوء” يعني العودة إلى سنة ثامنة من الحصار. وهي عودة لأن يكون أكثر من 50% من السكان إما عاطلين عن العمل أو موظفين بلا رواتب. وهي عودة للحبس في غزة بدون سبيل للوصول الخارجي للأسواق أو التوظيف أو التعليم – وباختصار، بدون سبيل للوصول إلى العالم الخارجي.
فعلى سبيل المثال، إن كانت إحدى الجدات اللواتي تحدثت إليهن بالأمس ترغب بالذهاب لجامعة بيرزيت في الضفة الغربية للدراسة، فإنها لا تستطيع. إن الحكومة الإسرائيلية ليست بحاجة لأن تثبت بأن هذه الجدة تشكل أي تهديد خاص على الأمن حيث أنها قامت بالموافقة على فرض حظر شامل على الغزيين الذين يدرسون في الضفة الغربية استنادا على تهديد أمني غير معروف. إن الغالبية العظمى من السكان ممنوعون من مغادرة هذه القطعة من الأرض التي تبلغ مساحتها 365 كيلومتر مربع.
وإذا ما أتيح لواحد من مزارعي البندورة الذين التقيتهم بالأمس بالعثور على مشتر لمنتوجاته في باريس أو بيوريا أو براغ وفق شروط معينة، فبإمكانه أن يقوم بوضع محصول البندورة داخل صندوق ويقوم بشحنها عبر المعبر التجاري الوحيد المفتوح ومن ثم إلى ميناء أشدود أو مطار بن غوريون – وهما إثنين من أكثر المناطق الحساسة أمنيا في إسرائيل. وللأسف، فليس هنالك أي سوق للبندورة الغزية في باريس أو بيوريا أو براغ. إن هنالك سوقا للبندورة الغزية في إسرائيل والضفة الغربية، إلا أن هذا المزارع ليس مسموحا له بيع محصوله من البندورة هناك بسبب نفس التهديدات الأمنية غير المحددة.
إن كبار السن الذين التقيتهم بالأمس يتساءلون عن الكيفية التي سيصلون فيها إلى سبل الرعاية بعد وقف إطلاق النار هذا. فبخلاف الخدمات التي نقوم بتوفيرها في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونروا) وبعض المنشآت الخاصة والتابعة للمنظمات غير الحكومية، فإن نظام الرعاية الصحية الحكومي قد بدأ يتداعى. وقد تعرضت البنية التحتية لأضرار والناس يتساءلون عمن سيتحمل مسؤولية إصلاحها. وإذا لم يتم السماح للسلطة الفلسطينية بفعل ذلك أو أنها لم تكن قادرة على ذلك، فهل من المتوقع أن يقوم المجتمع الدولي بالأمر؟ أم هل ستقوم إسرائيل، السلطة المحتلة، بتحمل تلك المسؤولية؟
إن النساء اللواتي قابلتهن بالأمس يتساءلن عن المدرسة التي سيذهب إليها أطفالهن بعد ستة أسابيع قصيرة إن لم تكن المدرسة يقصدونها واحدة من مدارس الأونروا التي يبلغ عددها 245 مدرسة. من سيقوم بإصلاح المدارس الحكومية ويقوم بتوفير الكتب المدرسية ويدفع للمدرسين؟ وإذا لم تفتح المدارس الحكومية أبوابها فهل من المتوقع أن تقوم الأونروا بملء هذا الفراغ؟ إننا نفتقر إلى القدرة المادية والموارد البشرية والمالية لقبول العشرات، بل وحتى المئات من الآلاف من الطلبة الإضافيين في مدارسنا.
إن الأونروا وعائلة الأمم المتحدة، بما في ذلك برنامج الغذاء العالمي وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) ومكتب تنسيق المساعدات الإنسانية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لا تزال منخرطة في الاستجابة للاحتياجات الإنسانية لسكان غزة. ومن بين المجالات التي قامت الأونروا بتحجيم عملها فيها في السنوات الماضية كان مجال البناء الذي كنا نقوم به بدرجة كبيرة. لقد كان ذلك غالبا يتعلق بالمدارس التابعة لبرنامجنا التعليمي الذي قمنا من خلاله بتدريس أكثر من 230,000 طفل في العام الماضي، وبالمساكن لأولئك الذين تدمرت منازلهم في النزاعات الماضية أو تم هدمها من قبل إسرائيل. وإذا ما أردنا بناء شيء ما فإن علينا أن نقدم اقتراحا مفصلا للمشروع لإسرائيل مرفقا بالتصميم والموقع وتقرير كامل بالكميات. وسيقوم الإسرائيليون بعد ذلك بمراجعة المقترح، وهي عملية من المفترض ن لا تستغرق أكثر من شهرين إلا أنها بالمعدل تستغرق 20 شهرا. ولم نتسلم أية موافقة على أي مشروع في الفترة الواقعة بين آذار 2013 وحتى أيار 2014، خلال فترة “الهدوء” الأخيرة، على الرغم من أن مشاريع تصل قيمتها ما يقارب من 100 مليون دولار تنتظر الموافقة. فهل ستكون فترة “الهدوء” هذه أفضل من من سابقاتها؟
والأكثر أهمية من ذلك، فإن الناس هنا يتساءلون عمن سيحكم غزة. وليس هنالك من أحد لديه إجابة على هذا السؤال. إنني أعتقد أن سكان غزة سيقولون بأنه إن كان هذا هو شكل “الهدوء” الذي يعتقد أنه سيكون عليه، مفاضلة مع العنف الحالي، فإنه لن يدوم. إنه لن يدوم بالفعل.
روبرت تيرنر هو مدير عمليات الأونروا في غزة.