تثار في الوقت الحالي قضية “اكتئاب المرأة ما بعد الولادة”، والتي قد تتسبب بمشاكل خطيرة قد تدفع بالأم إلى قتل أطفالها، فما هي أعراض هذه الحالة، وما طرق علاجها؟
اكتئاب ما بعد الولاة
تؤكد رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة الفلسطينية د.سماح جبر في حديث لـ”القدس” دوت كوم، أن المرأة تمر باكتئاب وقلق وبحالات نفسية أخرى أكثر من الرجل بمرتين، وفي مرحلة الحمل والولادة تظهر تغيرات هرمونية متسارعة، وبعض النساء يصبن بحالات نفسية فترة الحمل.
وتوضح جبر أن هنالك دراسة أجريت على النساء في بيت لحم، وتبين أن 27% منهن ظهرت لديهن حالة اكتئاب ما بعد الولادة، وهي حالة قد تظهر بعد أسبوع، ثم قد تمتد لأسبوعين وربما لسنوات، وفي هذه الحالة تصاب المرأة بالحزن والإجهاد وفقدان المتعة، وفقدان العاطفة تجاه المولود.
كما تشعر المرأة بهذه الحالة بالقلق الزائد على الوليد، وقد تشعر بأفكار سوداوية حول المستقبل وحول المولود، وتصاب بإعياء جسدي، ودقات قلب متسارعة، وفقدان الرغبة الجنسية، وفقدان القدرة على النوم، وربما النوم الزائد، وفقدان الشهية.
وفي حال تفاقمت حالة المرأة باكتئاب ما بعد الولادة، فقد تشعر بأعراض ذهانية، أو ذهان ما بعد الولادة، وهو أخطر، لكن نسبة النساء المصابات به أقل، لكن إن تجاوزت حالة الاكتئاب أو الذهان الأسبوعين، فيجب مراجعة الطبيب.
وتؤكد جبر على ضرورة الاهتمام بأي امرأة قد تصاب بهذه الحالات، لأن أي ضعف نفسي أو اكتئاب يضعف العاطفة بين الطفل والأم، لأن الطفل يتغذى ليس فقط بالحليب بل بالعاطفة، وإن كانت الأم مكتئبة فلن تقدر على إعطاء طفلها تلك العاطفة.
ووفق جبر، فإنه غالباً ما تصيب هذه الاضطرابات النساء بعد المولود الأول، وتصيب على وجه الخصوص النساء اللاتي سبق وأن عانين من أعراض الكآبة والقلق أثناء الفصل الثالث للحمل، ومن عانين عادة من توترات الدورة الشهرية.
ويُعتقد أن للاختلاف الهرموني المفاجئ بُعيد الولادة دوراً مهماً في نشأة هذه الأعراض والتي عادةً ما تزول بشكل تلقائي، وهي بحاجةٍ إلى التفهم وليس إلى العلاج، وفق جبر.
ذهان ما بعد الولادة
ذهان أو (جنون) النفاس، أعراضه تشبه أي مرض ذهاني آخر وتشتمل على الهلوسات والضلالات وفقدان الرشد، وهو يؤدي بواحدة من كل خمسمائة امرأة منجبة إلى الدخول إلى مستشفى الأمراض النفسية، وهو أكثر انتشاراً في الدول النامية.
بالعادة، وفق د.سماح جبر، فإن الذهان يبدأ في الأسبوع الثاني بعد الولادة، وغالباً ما يكون وجدانياً وأحياناً فصامياً، هذا ومن الضروري جداً تقييم أفكار الأم الذهانية حول وليدها في فترة المرض للتأكد من عدم إلحاق أي مكروه به من جراء ضلالات الأم.
وتعتقد الأم التي تصاب بالذهان الكآبي بأن الطفل مريض جداً وبأنه سيتعذب من شدة الفقر وصعوبة الحياة فتُقْدمُ على قتل وليدها لتجنيبه المعاناة، وقد تُصوِّر الأم أن الطفل مخلوق شرير وشيطاني أو أنه “الأعور الدجال”، ما قد يؤدي بها لقتله لخلاص البشرية منه! وقد تُقْدم الأم على الانتحار فور استعادة رشدها وإدراكها لما فعلت، لذا يجب إبقاء الأم الذهانية تحت الملاحظة وعدم خلوتها بطفلها إلى أن يتم شفاؤها من كل الضلالات ومن الاكتئاب.
وتقول جبر: “هنالك عدة نظريات وأسباب مختلطة تؤدي إلى هذا العنف المنافي للفطرة، تتضمن علاقه الأم بوالديها وإسقاط مشاعر مكبوتة على الطفل والتعلق غير الآمن ووجود اضطراب نفسي يؤثر على الإدراك كالذهان أو يعتم النظرة إلى الحياة كالاكتئاب”.
أمور هامة للعلاج والإنقاذ
تشدد جبر على أن ملاحظة الأهل لمزاج الأم حديثة الإنجاب وأفكارها وتصرفاتها والانتباه إلى علاقتها بالطفل، وإتاحة الفرصة لها للحديث حتى عن الأشياء غير المرحب بها اجتماعياً كعدم محبتها أو ارتباطها بمولودها، هي أمور ضرورية لاكتشاف حاجة هذه الأم للعلاج النفسي.
وتتابع جبر، “كما أن الاستعجال في علاج الوالدة التي تعاني من حالة نفسية بعد الولادة، ودعم دورها كأم ومساندتها في أعباء مسؤولياتها الجديدة، واحتضانها هي ووليدها من قبل الأب والأسرة كفيل بتجنب حدث أليم يؤثر على الرضيع وعلى العائلة بشكل أبدي كما يضمن للطفل وللعائلة بكل أفرادها ما يلزم من الراحة والاطمئنان”.
وتشير جبر إلى أن الأم حين تكون بين المهنئات لها بمولودها، فإنها على الأغلب لا تجرؤ على الإفصاح عن مشاعر تعبها أو مدى محبتها للطفل من عدمه! لأن ذلك غير مقبول اجتماعيًا، وبالتالي عدم الانتباه إلى سلامة الأم وحالتها النفسية، وهو أمر يزيد من تحفظها على الأفكار والمشاعر التي تساورها، كما أنه لا بد من العمل اللازم للحفاظ على أبنائها خشية إصابتهم بأي أذى.
وحول إيجاد مراكز متخصصة بعلاج النساء اللاتي يصبن باضطرابات ما بعد الولادة، فإن د.سماح جبر تشدد على أنه لا داعي لذلك، كون مراكز الصحة النفسية لوزارة الصحة موجودة، حيث يوجد 20 مركزًا منتشرة بالضفة الغربية وقطاع غزة، وتقدم العلاج مجاناً، لكن من المهم عدم التلكؤ والتسويف بالعلاج، لأن الأمر يتعلق بالصحة النفسية للأم.
أنواع العلاج النفسي المتوفرة
للأهل كما لأطباء النساء والولادة وطب الأطفال وطب العائلة الدور الأكبر في اكتشاف الأمراض النفسية لدى النساء، سواءً عند المعاينة الشخصية لهن أو معاينة الأطفال حديثي الولادة، ويستطيع هؤلاء الأطباء معالجة الحالات السهلة من هذه الأمراض وتحويل ما استعصى منها إلى الطبيب النفسي دون تأخر.
ووفق د.سماح جبر، فإن للعلاج النفسي والدوائي أثرًا فعالًا في علاج هذه الأمراض وتفادي انعكاساتها على الطفل وتطوره الإدراكي والعاطفي، ولكن للأسف لا يتم اكتشاف كثير من حالات اكتئاب ما بعد الولادة، مما يؤدي إلى أن يصبح هذا المرض مزمناً ويُظنُّ خطأً أنه تغيرٌ طبيعيٌ في شخصية المرأة بعد الولادة.
وربما يتردد بعض الأمهات والآباء في قرار قبول العلاج الدوائي خشية إيقاف الرضاعة، لكن من المهم، وفق د.سماح جبر، الإدراك بأن الرضاعة الطبيعية على أهميتها ليست أهم من الصحة النفسية للأم والتي إن لم تعالج فسوف تكون وبالاً على الطفل.
كما أن للتحفيز الكهربائي دوراً أحيانا في علاج تلك الأمهات، اللواتي يعانين من الاضطرابات النفسية ما بعد الولادة، ليتمكنّ من معاودة العناية بأطفالهن بأسرع وقت ممكن.
وبالعلاج، تتعافى معظم الأمهات، وقد يعاود المرض ما يقارب 30% منهن في ولادات مستقبلية، لذا ينصح بمتابعتهن من قبل طبيب نفسي قبل الولادة لضمان السيطرة على أعراضهن النفسية قبل تفشيها.