لم تتوقف جرائم وانتهاكات جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة عند التدمير والقتل، فمع استمرار الحرب اتسعت ظاهرة سرقة جيش وجنود الاحتلال أموالا وذهبا وممتلكات من الغزيين تقدر بعشرات ملايين الدولارات، وهو ما يعتبر انتهاكا للقانون الدولي، حيث تدرج هذه السرقة ضمن لائحة الجرائم المالية المعاقب عليها دوليا.
يأتي ذلك في وقت أقر فيه الجيش الإسرائيلي أنه منذ بدء الاجتياح البري للقطاع يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى فبراير/شباط الحالي، صادر أكثر من 220 مليون شيكل (60 مليون دولار) من غزة، وذلك تحت ذريعة “محاربة الإرهاب”، إضافة إلى الاستيلاء على 200 مليون شيكل “54.3 مليون دولار” من بنك فلسطين.
ومع بداية التوغل البري وثق العديد من جنود الاحتياط سلسلة فيديوهات أثناء سلبهم مقتنيات ومقدرات من منازل الفلسطينيين في شمال القطاع، لكن سرعان ما حظر الجيش الإسرائيلي على جنوده مشاركة مثل هذه الفيديوهات التي أظهرت عمليات نهب وسرقة ممنهجة خلال مداهمة منازل أهالي غزة.
وأظهرت الفيديوهات التي شاركها جنود الاحتلال على شبكات التواصل الاجتماعي قبل الحظر، أن عمليات النهب والسرقة تمت بعدة طرق وأساليب، منها اقتحام المنازل التي طالبوا سكانها بمغادرتها، ثم نهبوها كما حدث في بيت لاهيا، وواصل الجنود عند الحواجز على شارع صلاح الدين سلب مقتنيات وأموال الغزيين النازحين من شمالي القطاع إلى الجنوب.
ويشير حظر الاحتلال مشاركة فيديوهات النهب والسرقة للمنازل في القطاع إلى أن ظاهرة السرقة الممنهجة لأموال الغزيين واسعة جدا، بيد أن وسائل الإعلام الإسرائيلي تكتمت على الظاهرة، وامتنعت عن تسليط الضوء على تورط جنود من جيش الاحتلال بسرقة ممنهجة لأموال وممتلكات للفلسطينيين، بما يشمل مبالغ مالية ومصاغات ذهبية وهواتف خليوية وحواسيب نقالة.
نهب ممنهج
وتأكيدا على النهب الممنهج للجيش الإسرائيلي لأموال وممتلكات أهل ومؤسسات غزة، كشفت صحيفة “معاريف”، هذا الأسبوع، النقاب عن إقدام قوة عسكرية إسرائيلية خاصة على مصادرة مبلغ 200 مليون شيكل “54.3 مليون دولار”، بعد اقتحامها بنك فلسطين فرع حي الرمال في مدينة غزة.
ونقلت الصحيفة عن ضباط في الجيش أن “جنودا إسرائيليين كانوا في عمليات عسكرية في حي الرمال بغزة، خاطروا بحياتهم من أجل وضع اليد على مئات الملايين من الشواكل من بنك فلسطين، التي كانت مخصصة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية”.
وبحسب مسؤولين في الجيش، فإن عملية الاستيلاء على الأموال وقعت خلال هجوم عسكري على منطقة حي الرمال، بعدما تعرض جنود لإطلاق نار من قناص في محيط البنك، حيث وصلت القوة الإسرائيلية إلى البنك واقتحمته، في حين قام الجنود أنفسهم بتحميل الأموال على مركبات “برينكس”، ولم يتم حتى تحويل الأموال إلى السلطة.
خزينة الدولة
وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، أقر الجيش الإسرائيلي بالاستيلاء على مبالغ مالية بقيمة 15 مليون شيكل من منازل فلسطينية في القطاع، وذلك خلال المداهمات والاقتحامات لمنازل في القطاع، حيث تم تحويلها إلى القسم المالي بوزارة الأمن، وسيتم إيداعها في خزينة الدولة، وفق ما أعلنت الوزارة الإسرائيلية.
وأفادت القناة 12 الإسرائيلية بأن “وحدة نقل الغنائم”، التابعة لشعبة التكنولوجيا واللوجستيات في الجيش الإسرائيلي، قامت خلال التوغل البري، بـ”مصادرة الأموال التي تم ضبطها في معاقل حماس والمناطق التي تنشط بها، وفي منازل المطلوبين للأجهزة الأمن الإسرائيلية”، على حد زعمها.
وعثر أيضا في مطلع يناير/ كانون الثاني، بحسب القناة الإسرائيلية، على ما يقرب من مليون دولار، بالإضافة إلى عملات عراقية وأردنية ومصرية لم تفصح الوزارة الإسرائيلية عن قيمتها.
وذكرت القناة الإسرائيلية أنه في إحدى المداهمات والاقتحامات التي نفذتها القوات الإسرائيلية في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023، تم ضبط حقائب تحتوي على ملايين الشواكل في منزل أحد كبار قيادات حماس، كما تمت مداهمة أخرى لعقار تملكه عائلة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، حيث تم الاستيلاء على مقتنيات ثمينة.
وفي مطلع ديسمبر/كانون الأول 2023، استولى الجيش الإسرائيلي على مبلغ 5 ملايين شيكل نقدا، عثر عليها في حقيبتين بمنزل مسؤول كبير في حماس في منطقة جباليا، ولم يتم الكشف عن هوية المسؤول الكبير الذي داهمت القوات الإسرائيلية منزله، وفق ما أفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة “يديعوت أحرونوت”.
القانون الدولي
وتعليقا على ذلك، قال مختص بالقانون الدولي وحقوق الإنسان المحامي معين عودة إن “ما يحدث في غزة يعكس الظاهرة التي يمارسها الجيش الإسرائيلي وجنوده بمصادرة وسرقة أموال فلسطينية خاصة ونقلها لإسرائيل تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وإن هذه الأموال مخصصة لتمويل عمليات مسلحة ضد إسرائيل”.
ولا يستبعد المختص بالقانون الدولي أن تنفذ سلطات الاحتلال تهديداتها وتقتحم المزيد من البنوك الفلسطينية في قطاع غزة أو حتى في الضفة الغربية، مستذكرا تهديدات الاحتلال للمصارف الفلسطينية قبل فترة باقتحامها وفرض عقوبات عليها ما لم تغلق حسابات الأسرى وعائلات الشهداء الذين يحصلون على مخصصات شهرية.
وأوضح عودة للجزيرة نت أن ما يقوم به جنود الاحتلال في قطاع غزة من عمليات نهب وسلب تأتي استمرارا لقيامهم بسرقة أموال أو مصاغات خلال عمليات البحث والاقتحام لمدن وبيوت فلسطينية في الضفة الغربية، حيث تذهب المسروقات إلى جيوب الجنود دون أي مساءلة أو محاسبة.
ولفت عودة إلى أن القانون الدولي ضمن الحماية للسكان المدنيين الذين يقبعون تحت الاحتلال، وهذه الحماية تشمل أموالهم وممتلكاتهم كذلك، وهي لا تقف عند الأفراد، بل تشمل المؤسسات والشركات الخاصة كالبنوك التي تدخل ضمن هذه الحماية، ولا يحق للقوة المحتلة مصادرة الأموال والممتلكات.
جرائم مالية
وأشار المختص بالقانون الدولي إلى أن إسرائيل تستعمل الذرائع والحجج للالتفاف على القانون الدولي والانتهاكات والجرائم المالية التي تقوم بها، عبر الادعاء بأن الأموال المصادرة تخصص لتمويل “الإرهاب”، دون أن تقدم أي أدلة وبراهين لهذه المزاعم والادعاءات.
ويعتقد أن إسرائيل تستعمل الاتفاقية الدولية لقمع تمويل “الإرهاب” للعام 1999، وقرار مجلس الأمن رقم 1373 بهذا الخصوص، كحجة لمصادرة أي أموال فلسطينية، رغم أن الاتفاقية والقرار فضفاضان، ولا يتحدثان عن قيام قوة احتلال بمصادرة أموال من الأطراف المحمية بالقانون الدولي.
وخلص بالقول “القانون الدولي يلزم المحتل بعمل كل ما يمكنه من أجل توفير الحماية للأفراد الواقعين تحت الاحتلال وحماية أرواحهم وممتلكاتهم ما داموا لا يشاركون بالعمليات العسكرية، وعليه يتوجب على السلطة الفلسطينية والبنوك الفلسطينية التوجه إلى المحاكم الدولية لاتهام إسرائيل بتنفيذ جرائم مالية ضدها والمطالبة باسترداد الأموال، والتعويض عن الضرر كذلك”.