الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين تشتدُّ في الولايات المتحدة على الرغم من حملات القمع

29 أبريل 2024آخر تحديث :
الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين تشتدُّ في الولايات المتحدة على الرغم من حملات القمع

اشتدت الاحتجاجات ضد الأعمال العسكرية الإسرائيلية في غزة بمختلف الجامعات الأمريكية على مدى أكثر من أسبوع، حيث دعت إلى وقف دائم لإطلاق النار في قطاع غزة فضلا عن وقف المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل.


والواقع أن الاحتجاجات المتنامية تسلط الضوء على أن التصعيد الأخير، الذي يشهده الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ويتزامن مع قيام إدارة بايدن بمضاعفة دعمها لإسرائيل، يغذي المشاعر المناهضة للحرب داخل الولايات المتحدة، مع تصاعد الاستياء الشعبي من الحكومة بشكل سريع.


بيد أن تلك الاحتجاجات شبه السلمية تُقابل بإجراءات صارمة من قبل الجامعات والسلطات المحلية حيث تم اعتقال أكثر من 700 شخص حتى الآن.


— الاحتجاجات تغلي
في يوم 17 أبريل، نصب طلاب معارضون للحرب الإسرائيلية على غزة خياما في حرم جامعة كولومبيا، مطالبين الجامعة بسحب استثماراتها المالية من الشركات والمؤسسات التي “تتربح مما تقوم به إسرائيل من فصل عنصري وإبادة جماعية واحتلال في فلسطين”.


ففي غضون عشرة أيام فقط، اجتاحت الجامعات في أكثر من 30 ولاية بالولايات المتحدة موجات من الاحتجاجات. وكما ذكرت ((بلومبرغ))، فإنه حتى يوم الجمعة، أُقيم ما لا يقل عن 50 اعتصاما في الكليات بجميع أنحاء البلاد، وهذه الاعتصامات امتدت من جامعات آيفي ليغ (رابطة اللبلاب) وصولا إلى المدارس الحكومية بجميع أنحاء البلاد.


تجمع مئات المتظاهرين يوم الخميس في جامعة كاليفورنيا بلوس انجليس، وهي واحدة من أفضل الجامعات العامة في الولايات المتحدة، وأنشؤوا مخيما احتجاجيا دعما للفلسطينيين.


ورفع المتظاهرون لافتات في الحرم الجامعي كُتب عليها شعارات مثل “دعوا غزة تعيش” و”هذه ليست حربا، هذه إبادة جماعية” و “أوقفوا المجازر”، داعين إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، وإلى أن تقوم الجامعات بالكشف عن الحيازات المالية المرتبطة بإسرائيل وصانعي الأسلحة الأمريكيين وسحبها.


جاء التجمع في جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس بعد يوم واحد من احتجاج مؤيد للفلسطينيين ضد الحرب الإسرائيلية على غزة في حرم جامعة جنوب كاليفورنيا في لوس أنجلوس، حيث تم اعتقال أكثر من 90 متظاهرا من قبل إدارة شرطة لوس أنجلوس خلال ساعات الاشتباك.


“عار عليكم! عار علكيم! هكذا هتف المتظاهرون بينما كانت الشرطة تعتقل الطلاب وكذا الناشطين خارج الحرم الجامعي.
— حملة قمع قاسية


إن جامعة جنوب كاليفورنيا ليست المكان الوحيد الذي اتخذت فيه السلطات المحلية إجراءات صارمة ضد المتظاهرين. فقد أفادت صحيفة ((نيويورك تايمز)) بأنه منذ اندلاع الاحتجاجات على الصعيد الوطني في 17 أبريل، تم اعتقال مئات الطلاب من حوالي 20 جامعة أمريكية.


ففي ولاية تكساس، داهمت الشرطة بالجرافات المتظاهرين الطلاب في جامعة تكساس الواقعة في أوستن يوم الأربعاء. وتم اعتقال أكثر من 50 شخصا، وفقا لما ذكره المنفذ الإعلامي المحلي ((أوستن أمريكان ستيتسمان)).


ومن ناحية أخرى، تعمل العديد من إدارات الجامعات بشكل حثيث على إيقاف المظاهرات، وفي بعض الحالات، معاقبة المشاركين فيها.


ووسط احتجاجات واسعة النطاق في الجامعات، ألغت جامعة جنوب كاليفورنيا يوم الخميس حفل تخرج المراحل الرئيسية للطلاب الذي كان من المقرر إقامته في 10 مايو. وجاء هذا القرار بعد منع الطالبة المسلمة أسنا تبسّم من إلقاء كلمة الطلبة المتفوقين بسبب دعوتها العلنية لدعم فلسطين.


وأثارت مثل هذه الحملات القمعية والعقابية رد فعل عنيف من جانب الأساتذة. فمع اعتقال مئات الطلاب المؤيدين لفلسطين وحل المزيد والمزيد من الاحتجاجات في الحرم الجامعية، يُظهر المعلمون دعما متزايدا للطلاب.


فقد نقلت صحيفة ((غارديان)) عن أستاذ مساعد علم الاجتماع بجامعة جنوب كاليفورنيا، بريتاني فريدمان، قولها “بدلا من الاستجابة لشواغل أعضاء هيئة التدريس والطلاب بشأن إلغاء كلمة الطلبة المتفوقين التي كانت ستلقيها أسنا تبسّم واعتقال المتظاهرين السلميين، ضاعفت جامعة جنوب كاليفورنيا للأسف من نهجها الاستبدادي وألغت ببساطة جانبا من التخرج الذي اكتسبه ويتطلعون إليه”.


وأضافت “من المحبط أن نرى الوضع الحالي للتعليم العالي في بلدنا، وتعرض الطلاب الجماعي لعنف الشرطة، والتجاهل التام لما تدعي جامعة جنوب كاليفورنيا أنها تمثله”.


وفي نيويورك، ألقى القبض على بعض المعلمين في جامعة نيويورك بعد فترة وجيزة من حمايتهم للطلاب المسلمين وهم يصلون، فيما شكل الأساتذة في جامعة سيتي بنيويورك بأجسادهم معا حاجزا يفصل طلابهم عن الشرطة.
وهتفوا معا قائلين “للوصول إلى طلابنا، عليكم أن تمروا من خلالنا”.


في الواقع، الاحتجاجات لا تقتصر على الولايات المتحدة. فبعد المخيمات التي نُصبت في جامعة كولومبيا، امتدت الاحتجاجات إلى الجامعات من فرنسا إلى أستراليا. ففي أستراليا، على سبيل المثال، أقام طلاب من جامعة سيدني مخيمات مؤيدة لفلسطين ورفعوا لافتات كُتب عليها “كولومبيا أولا، تليها جامعة سيدني”، في حين نصب طلاب جامعة ملبورن خياما في الحديقة الجنوبية لحرمهم الجامعي الرئيسي.


— إسرائيل محمية تماما
لقد خلف الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة حتى الآن أكثر من 34 ألف قتيل وحوالي 77 ألف جريح، معظمهم من النساء والأطفال.


وبينما يواصل المتظاهرون المناهضون للحرب إظهار تعاطفهم مع الضحايا المدنيين حيث يرفضون الاستسلام في مواجهة الحملات القمعية، يبدو رد الإدارة الأمريكية وبعض الساسة غير مبال بالمشاعر العامة.


فقد دعا رئيس مجلس النواب الأمريكي مايك جونسون يوم الأربعاء رئيس جامعة كولومبيا إلى الاستقالة. وقال “لا يمكننا أن نسمح لهذا النوع من الكراهية ومعاداة السامية بأن يزدهر في حرم جامعاتنا، ويجب إيقافه في مساره. وينبغي اعتقال أولئك الذين يرتكبون هذا العنف”.


وبينما توجه الإدارة الأمريكية إدانة مفرطة وشديدة للاحتجاجات السلمية المحلية، فهي تصم آذانها عن الصرخات التي تنطلق من غزة.


وقد وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن على مشروع قانون مساعدات خارجية بقيمة 95 مليار دولار أمريكي مؤخرا، يذهب فيه 26 مليار دولار أمريكي إلى إسرائيل على الرغم من الانتقادات الدولية بشأن الخسائر في أرواح المدنيين التي تسبب فيها الجيش الإسرائيلي بقطاع غزة.


ونقلت ((ذا هيلز)) عن خالد الجندي، وهو زميل أقدم في معهد الشرق الأوسط، قوله إن مسألة تزويد إسرائيل بالأسلحة لا تزال “أمرا مقدسا” في واشنطن، وإن حزمة المساعدات هذه تسلط الضوء على وجود “فجوة كبيرة” بين الديمقراطيين في الكونغرس والناخبين العاديين، بما في ذلك أولئك الذين يحتجون حاليا في الكليات بجميع أنحاء البلاد.


كما قال سينا توسي، وهو زميل أقدم في مركز السياسة الدولية، في تصريح لقناة ((الجزيرة)) إنهم يدعون جميع الأطراف الأخرى في المنطقة إلى ضبط النفس، بينما “يشجعون الإسرائيليين على القيام بأعمال مع الإفلات التام من العقاب”.