قالت وزارة الخارجية الأميركية للكونجرس، إن “إدارة بايدن تعتقد أن إسرائيل قد انتهكت على الأرجح المعايير الدولية بفشلها في حماية المدنيين في غزة، لكنها لم تجد حالات محددة تبرر حجب المساعدات العسكرية”.
وفي التقييم الأكثر تفصيلاً للإدارة الأميركية لسلوك إسرائيل في غزة، قالت وزارة الخارجية في تقرير مكتوب “إن إسرائيل تمتلك المعرفة والخبرة والأدوات اللازمة لتنفيذ أفضل الممارسات لتخفيف الأضرار المدنية في عملياتها العسكرية”.
لكن التقرير أضاف أن “النتائج على الأرض، بما في ذلك المستويات العالية من الضحايا المدنيين، تثير تساؤلات جوهرية” حول ما إذا كان الجيش الإسرائيلي يستخدم هذه الأدوات بشكل كافٍ.
ومع ذلك، فإن التقرير – الذي بدا متعارضًا مع نفسه في بعض الأماكن – قال “إن الولايات المتحدة ليس لديها دليل دامغ على الانتهاكات الإسرائيلية”. وأشار التقرير إلى صعوبة جمع معلومات موثوقة من غزة، وتكتيك حماس المتمثل في العمل في المناطق المدنية، وحقيقة أن “إسرائيل لم تشارك (الولايات المتحدة) بمعلومات كاملة للتحقق” عما إذا كانت الأسلحة الأميركية قد استخدمت في حوادث محددة يُزعم أنها تنطوي على انتهاكات لقانون حقوق الإنسان.
ويميز التقرير، الذي صدر باسم الرئيس جو بايدن، بين الاحتمال العام بأن إسرائيل قد انتهكت القانون وأي استنتاجات حول حوادث محددة من شأنها أن تثبت ذلك. ويعتبر أن التأكيدات التي قدمتها إسرائيل في آذار بأنها ستستخدم الأسلحة الأميركية بما يتوافق مع القانون الدولي هي “ذات مصداقية وموثوقة”، وبالتالي تسمح باستمرار تدفق المساعدات العسكرية الأميركية.
يشار إلى أن ليس هناك علاقة لهذه الاستنتاجات بقرار بايدن الأخير بتأخير تسليم 3500 قنبلة إلى إسرائيل ومراجعته لشحنات الأسلحة الأخرى بحسب المسؤولين الأميركيين. وقال الرئيس إن هذه الإجراءات جاءت ردا على خطط إسرائيل المعلنة لغزو مدينة رفح جنوب قطاع غزة.
وقال التقرير إن النتائج التي توصل إليها تعرقلت جزئيا بسبب “التحديات المتمثلة في جمع معلومات موثوقة من منطقة الحرب” والطريقة التي تعمل بها حماس في المناطق المكتظة بالسكان. وشددت أيضًا على أن إسرائيل بدأت في متابعة المساءلة المحتملة عن الانتهاكات المشتبه بها للقانون، وهو عنصر رئيسي في التقييم الأمريكي حول ما إذا كان يجب تقديم مساعدات عسكرية للحلفاء المتهمين بانتهاكات حقوق الإنسان.
وقال التقرير إن إسرائيل فتحت تحقيقات جنائية في سلوك جيشها في غزة، وأن الجيش الإسرائيلي “يفحص مئات الحوادث” التي قد تنطوي على سوء سلوك في زمن الحرب.
ولم يجد التقرير أن إسرائيل تعمدت عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، على الرغم من أن التقرير خلص إلى أن “التحرك والتقاعس من جانب إسرائيل” أدى إلى تباطؤ تدفق المساعدات إلى غزة، التي تعاني من نقص شديد في الضروريات مثل الغذاء والدواء، إلا أنها قالت ” تقديرنا حاليا هو أن الحكومة الإسرائيلية لم تحظر أو تقيد بشكل أو بآخر نقل أو تسليم المساعدات الإنسانية الأميركية” إلى القطاع.
وكان من شأن مثل هذه النتيجة أن تؤدي إلى إصدار قانون أميركي يحظر المساعدات العسكرية للدول التي تمنع مثل هذه المساعدة.
وقال بريان فينوكين، المحامي السابق بوزارة الخارجية الأميركية والذي يعمل الآن مع مجموعة الأزمات الدولية لصحيفة نيويورك تايمز، إن التقرير “ينحني إلى الوراء” لتجنب الاستنتاج بأن إسرائيل انتهكت أي قوانين، وهي نتيجة من شأنها أن تضع ضغطًا جديدًا كبيرًا على السيد بايدن لتقييد توريد الأسلحة إلى البلاد.
وقال فينوكين، وهو أحد منتقدي العمليات الحرب الإسرائيلية على غزة، إن التقرير كان “أكثر وضوحا” مما كان يتوقعه، لكنه لا يزال يجده “مخففا” و”موثقا” بشكل كبير.
وأثارت النتائج غضب الأقلية الصاخبة من الديمقراطيين في الكونجرس الذين أصبحوا ينتقدون بشكل متزايد سلوك إسرائيل في غزة، ويقولون إن إسرائيل قتلت مدنيين عشوائياً بأسلحة أميركية وأعاقت عمدا المساعدات الإنسانية التي تقدمها الولايات المتحدة، وكلاهما من شأنه أن ينتهك القوانين الأميركية التي تحكم عمليات نقل الأسلحة إلى الجيوش الأجنبية، وكذلك القانون الإنساني الدولي، الذي يستند إلى حد كبير إلى اتفاقيات جنيف.
ولم يحدد التقرير معنى معاييره الأخرى للأفعال الإسرائيلية، عن “أفضل الممارسات المعمول بها للتخفيف من الأضرار التي تلحق بالمدنيين”، على الرغم من أنه استشهد بالمبادئ التوجيهية لوزارة الدفاع حول هذا الموضوع (التي صدرت العام الماضي، والتي تتضمن بعض التدابير “التي لا يتطلبها قانون الحرب”).
وقال السيناتور كريس فان هولين، الديمقراطي عن ولاية ماريلاند، للصحفيين بعد نشر التقرير: “إذا كان هذا السلوك يتوافق مع المعايير الدولية، فليساعدنا الله جميعا”. وأضاف: “إنهم لا يريدون أن يضطروا إلى اتخاذ أي إجراء لمحاسبة حكومة نتنياهو على ما يحدث”، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وكان منتقدو استمرار بايدن في تقديم معظم الدعم العسكري لإسرائيل يأملون في أن يستخدم التقرير كمبرر لمزيد من تقييد شحنات الأسلحة إلى إسرائيل. وتقدم الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.8 مليار دولار، ووافق الكونجرس الشهر الماضي على مبلغ إضافي قدره 26 مليار دولار من التمويل الطارئ.
وقد أمر الرئيس بايدن بإعداد التقرير بمذكرة الأمن القومي المعروفة باسم إن.إس.إم-20 ( NSM-20)، وهو ما يتطلب من جميع المستفيدين من المساعدات العسكرية الأميركية المنخرطين في الصراع أن يقدموا للولايات المتحدة تأكيدات مكتوبة بأنهم سيلتزمون بالقانون الدولي ولن يعيقوا تسليم المساعدات الإنسانية التي تقدمها أو تدعمها الحكومة الأمريكية.
ودعا التقرير وزيري الخارجية والدفاع إلى تقييم “أي تقارير أو ادعاءات موثوقة” تفيد بأن الأسلحة الأميركية ربما استخدمت في انتهاك للقانون الدولي.
يشار إلى أنه منذ صدور مذكرة الرئيس، أصدرت فرقة عمل مستقلة تشكلت ردًا على ذلك تقريرًا مطولًا يستشهد بعشرات الأمثلة على الانتهاكات القانونية الإسرائيلية المحتملة، بعضوية المحامية وأستاذة القانون نورا عريقات، والمسؤول السابق في وزارة الخارجية، جوش بول. ووجد هذا التقرير ما أسماه “تجاهل إسرائيل المنهجي للمبادئ الأساسية للقانون الدولي”، بما في ذلك “شن الهجمات على الرغم من الضرر المتوقع غير المتناسب للمدنيين” في المناطق المكتظة بالسكان.
وفي بيان عقب تقرير وزارة الخارجية، وصفت فرقة العمل الوثيقة الأميركية بأنها “في أحسن الأحوال غير مكتملة، وفي أسوأ الأحوال مضللة عمدًا في الدفاع عن الأفعال والسلوكيات التي من المحتمل أن تنتهك القانون الإنساني الدولي وقد ترقى إلى مستوى جرائم حرب”.
وقال أعضاء فريق العمل، (ومن بينهم جوش بول، المسؤول السابق في وزارة الخارجية الذي استقال في تشرين الأول احتجاجاً على الدعم العسكري الأميركي لقوات التحالف: “مرة أخرى، واجهت إدارة بايدن الحقائق وجهاً لوجه – ثم أسدلت الستائر”.
وأظهر تقرير وزارة الخارجية تعاطفا واضحا مع وصفه “التحدي العسكري الإسرائيلي”، مكررا التصريحات السابقة لإدارة بايدن بأن لإسرائيل “الحق في الدفاع عن نفسها” في أعقاب هجمات حماس في 7 تشرين الأول. كما أشار التقرير إلى أن الخبراء العسكريين يصفون غزة بأنها “ساحة معركة صعبة مثل أي جيش واجهه في الحروب الحديثة”.